عباس أبو الحسن: الصحافة أضعفت "إبراهيم الأبيض".. وتحوّلت لـ"ناشط" بسبب الثورات

حوار السيناريست عباس أبو الحسن

 

  •  السيناريو يتحول إلى فيلم بسبب رضاء النجم عنه، وليس لجودته.

  •  الحملة الشرسة التي قادتها الصحافة ضد “إبراهيم الأبيض” أضعفت من إيراداته.

  •  استوحيت شخصية عبد المللك زرزور من جدي، لأنه كان رئيس عصابة.

  •  تحوّلت إلى ناشط أثناء ثورتي يناير ويونيو، و”البوستات” السياسية على فيس بوك أثّرت علي كتابتي الإبداعية.

  •  بمجرد نجاح أي ممثل يتحول تلقائيًا إلى كائن مهزوز وخائف بشدة من السقوط من عرش النجومية.

  •  المخرجون والنجوم يختارون سيناريستات “ترزية” عمدًا، ليسيطروا عليهم.

حوار: محمود مجدي

 

السيناريو هو العمود الفقري للعمل الفني، والسيناريست يلعب دورًا أساسيًا في صناعة الفيلم أو المسلسل، هو رب العمل الفني الحقيقي حتى لو لم تسلط عليه الأضواء بالشكل الكافي. واعترافًا منّا بقيمة ومكانة السيناريو قررنا فتح هذا الملف ومحاورة أهم رموز ورواد كتابة السيناريو في مصر، والحديث معهم عن أهم أعمالهم، والصعاب التي واجهوها في مشوارهم، وتفاصيل صناعتهم للعمل الفني، ومناقشتهم كذلك في العديد من القضايا الفنية التي تدور على الساحة حاليًا، ونستضيف اليوم السيناريست عباس أبو الحسن.

متى بدأت علاقتك بكتابة السيناريو؟

اهتمامي بالسيناريو جاء عن طريق الصدفة البحتة، فقد كانت تجمعني علاقة جيدة بالمخرج كريم جمال الدين، الذي كان يؤمن بقدراتي كممثل ورشحني للعديد من الأدوار في الأفلام التي كان يستعد لإخراجها في منتصف التسعينيات، وبحكم علاقتي الوطيدة به قرأت العديد من السيناريوهات التي كان سيخرجها، ومن هنا بدأ اهتمامي بالسيناريو، فقد كنت أسمع أن كتابته صعبة ومعقدة للغاية، لكن عندما قرأت عددًا من السيناريوهات، وجدتها سهلة وليست بهذا التعقيد الذي كنت أتخيله، ولحبي الشديد للتجربة، واكتشاف نفسي في عوالم مختلفة، كتبت أول سيناريو في حياتي “دماء صغيرة” وعرضته على كريم جمال الدين.

ماذا كان تعقيبه؟

على الرغم من عدم إدراكي وقتها لأصول كتابة السيناريو، واحتواء السيناريو على أخطاء البدايات الشائعة عند كل مؤلف، إلا أنه أشاد به، وأخبرني أنه يوجد فيه خيال مختلف، وشخصيات حقيقية، لكنه نصحني بإرساله لكاتب سيناريو محترف لتنقيح و”تظبيط” النص، فرفضت ذلك بشدة وعرضت السيناريو على صديق آخر لي مخرج وسيناريست فقال لي نصاً: “أنت أخرجت ومثلت وكتبت السيناريو ومش ناقص غير أنك تعرضه على الجمهور” فانزعجت قليلاً من هذه الآراء، وابتعدت عن كتابة السيناريو لمدة سنة إلى أن جاءتني فكرة “إبراهيم الأبيض”.

كيف جاءت فكرة “إبراهيم الأبيض”؟

عملت لمدة 17 سنة كمدير لمصنع والدتي “شمس الأتربي” لعمل الجلاليب والملابس المطرزة في منطقة البراجيل، وكنت مسئولًا عن المكان وعمّاله داخل المصنع وخارجه، وبحكم مسئوليتي عنهم كنت أتدخل في أهم تفاصيل حياتهم، أفض أزمة لعامل داخل منطقته، أشهد على زواج ابنته؛ ومن هنا أصبحت مطلعًا على عالم ثانٍ يمثل قاعدة عريضة من الناس في المناطق الشعبية، وانبهرت بهذا العالم، وأصبح لدي مخزون من الحكايات والقصص والشخصيات غير التقليدية، فكان مشروع “إبراهيم الأبيض” عام 2000.

ما سر تفرد وتميز عالم “إبراهيم الأبيض”؟

أنا لدي ولع بالشخصيات غير التقليدية، التي تحمل بطولة بداخلها، حتى لو لم تكن بطولة موظفة في الطريق الصحيح، فالشجاعة والجرأة والجنون والتهور، كل هذه الصفات تحمل درجات من المخاطرة أحبها وأعشقها تماماً، كما أن شخصيات الفيلم تحمل درجة كبيرة من العنف، ليس العنف الجسدي فقط لكن العنف في المشاعر، فعندما توجد شريحة من المجتمع تعاني من الجهل والتخلف والمرض وانعدام الأمل، يصبح العنف هو الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامهم للتعامل مع الحياة، فعالم “إبراهيم الأبيض” يحدث كل يوم، وليس جديداً علينا، لكن الجديد أننا قدمناه بشكل أسطوري وملحمي وهو ما أعطاه هذا التفرد والتميز عند الكثيرين.

“إبراهيم الأبيض” كتب عام 1999 وعرض عام 2009، كيف مرت عليك كل هذه السنوات؟

كانت سنوات صعبة جداً، فأنا ومروان حامد “لفينا على كل منتجين مصر”، وجميعهم انبهروا بالسيناريو بشدة، لكنهم كانوا يتراجعون عن تنفيذه في اللحظات الأخيرة.

لماذا؟

لأنه لا يوجد له نموذج أو ستايل يسير عليه المنتجون لتنفيذه، فلكي يتحمس منتج لإنتاج عمل ما يكون لديه مرجع أو “ريفيرنس” من الأعمال التي تحمل نفس التيمة يشاهدها، ويتوقع من خلالها نجاح أو فشل هذا العمل، “إبراهيم الأبيض” كان مختلفًا وجديدًا على السوق تمامًا، ولذلك يعد إنتاج هذا العمل نوعاً من المخاطرة غير المحسوبة وفقاً لمفاهيم السوق التقليدية، وهنا لا بد أن أذكر شيئَا أنه لولا تشبث وتمسك مروان حامد بتنفيذ هذا السيناريو بعد نجاحه في إخراج عمارة يعقوبيان “مكنش هيبقى في ابراهيم الأبيض”.

لماذا سهلت عملية إنتاج “إبراهيم الأبيض” بعد نجاح مروان حامد في “عمارة يعقوبيان”؟

يعتقد كثيرون أن السيناريو يتحول الي فيلم لأنه سيناريو جيد أو ممتاز، وهذا غير صحيح، السيناريو يتحول إلى فيلم لأن هناك نجم أو مخرج مشهور قد تحمس له وليس لجودته بأي شكل من الأشكال، وهو ما حدث مع مروان، وحدث مع الفنانة منى زكي في مسلسل “آسيا”، التي تحمست له ودفعتني دفعاً لكتابته، فهناك نوعين من الكتاب، نوع واقعي يستطيع تطويع نفسه لأذواق النجوم ورغبات المنتج وأفكار المخرج، وهناك نوع آخر من الكتاب يكتب ما يعتمل به داخله، ما يلح عليه خياله، يريد الولوج إلى عوالم أخرى ساحرة وغامضة وعصية علي الفهم الكامل، وأنا لم اختر أن أكون من النوع الثاني بل هكذا خلقت.

هل كنت تتوقع وقت عرض الفيلم أن يعيش الفيلم كل هذه السنوات ويعاد اكتشافه من أجيال مختلفة كما يحدث الآن؟

لا، لأن وقت عرض الفيلم وصفته الصحافة بأكبر فيلم دموي في تاريخ السينما المصرية، وقادت حملة شرسة على الفيلم جعلته لا يحقق الايرادات المنتظرة، بالإضافة إلى وجود بعض الخلافات التي حدثت بين محمود عبد العزيز ومروان حامد بعد عرض الفيلم بسبب حذف مشاهد كثيرة من دور عبد الملك زرزور، وفي اعتقادي أن مروان اضطر لحذف هذه المشاهد للحفاظ على إيقاع الفيلم من ناحية، ومن ناحية أخرى كانت هناك بعض المشاهد غير الجيدة إخراجياً، فاضطر لحذفها، كل هذه الملابسات أصابتني بالحزن والضيق بعد عرض الفيلم، ولم تعطني مجالاً وقتها لتوقع نجاح الفيلم عندما يعرض في التلفزيون أو على الإنترنت.

هل حزنت على المشاهد التي حذفها مروان؟

بالتأكيد، فكل من قرأ سيناريو “إبراهيم الأبيض” كان لديه مشكلة مع مروان حامد، لكنني كنت متفهمًا لوجهة نظره وأن حذف المشاهد كان إجباريًا وليس اختياريًا.

 

هناك بعض الآراء النقدية تحدثت على أن حورية كانت تمثل الحياة، وعبد الملك زرزوز كان يمثل الله في بعض صفاته، هل التفسيرات والتأويلات النقدية التي كتبت عن الفيلم كنت تقصدها وتضعها في حساباتك وقت كتابتك للنص؟

“هكون بضحك عليك” لو أخبرتك أنني كنت أقصد هذه التأويلات أو التفسيرات وقت كتابة الفيلم، فأنا أكتب شخصياتي من عقلي الباطن، وأهتم في حياتي العامة بالتصرفات غير المعلنة غير المُقالة، فقوة “إبراهيم الأبيض” من وجهة نظري أن الشخصيات لا تتحدث عن نفسها، تصرفاتها هي التي تتحدث عنها، شخصيات يحكمها وحدتها وخوفها ومراراتها الشخصية والظلم الواقع عليها والظلم الذي تريد إيقاعه على الآخرين، شخصيات مبتورة، وكل شيء في حياتها مبتور وغير معلن.

هل تأثرت عند كتابة شخصية عبد الملك زرزور بشخصية الجبلاوي في “أولاد حارتنا”؟

أنا متأثر بشدة بعوالم نجيب محفوظ عموماً لكن أصل شخصية عبد المللك زرزور جاء من أصولي الريفية وتحديدًا من جدي، فجدي كان رئيس عصابة واستطاع التغلب على مجرمين وقتلة بالدهاء و”بالقلب الميت” وكان يستعين بآيات قرآنية وأمثال شعبية للتغلب على خصومه، فعند كتابتي لأي شخصية أحب أن أكون مفتونًا ومولعاً بها خصوصاً لو أكبر وأقوى مني، وهو ما حدث مع جدي الذي كان البذرة الأولى التي خلقت شخصية عبد الملك زرزور.

 

هل قوانين الملكية الفكرية حالياً تحمي حقوق المبدعين أم ترى أنها غير كافية ونحتاج لقوانين أكثر قوة وردعاً؟

القوانين والأجهزة لا تحمي الحقوق الإبداعية بالتأكيد، وبصراحة البقاء في هذا الأمر للأكثر دهاءً ونفوذً وثراءً بكل أسف.

مسلسل “آسيا”، تجربتك الوحيدة في الدراما التلفزيونية، حدثنا عنها؟

أدين بالفضل الكبير لهذه التجربة، لأنها جعلتني كاتب حرفي، منتظم في كتابته، حيث كنت أكتب عشر ساعات، وأنجز عشر صفحات من السيناريو كل يوم، هذا الانتظام اليومي في الكتابة ساهم في ارتفاع قدراتي ككاتب، فالكتابة مثل عضلة الجسد، إذا عملت عليها يومياً ستزداد صلابتها وقوتها، وإذا أهملتها ستضعف وتنهار تماماً، كما أنها التزام، وظيفة، حرفة، أيًا كان ظروف الكاتب الشخصية يجب أن يكتب يومياً عدد ساعات محددة، مسألة الكتابة بالالهام والوحي وانتظار الإلهام أن يأتي هذا وهم، وليس له أساس على أرض الواقع، فالكاتب الحقيقي مثل الصنايعي تماماً “إيديه بتشقق” من أجل مهنته وحرفته.

هل حبك للحياة أكثر من رغبتك في الكتابة عنها ؟

صحيح، بالمناسبة هذه مشكلة أغلب الكتّاب، فهم حائرون ما بين ممارسة الحياة والكتابة عنها، وأنا لو خيرت الآن ما بين ممارسة الحياة والكتابة عنها، سأختار ممارسة الحياة بدون تردد لأن الممارسة والتجربة تعطيك فرصة لاكتساب الخبرات ومعايشة تجارب وأشخاص من بيئات وثقافات مختلفة، كما أنني اكتشفت بعد العديد من التجارب التي عشتها وخضتها أن هدف الحياة الأسمى في أن يكون الإنسان سعيداً، لذلك قررت أن استمتع بحياتي وأعيشها واكتشف فيها أشياء مختلفة كل يوم. ولو أطال الله في عمري ووصلت لسن الستين قد أكتب وقتها عشرات الروايات، والسيناريوهات وبالتأكيد سأكون أكثر خبرة واطلاعاً ونضجاً مما أنا عليه الآن.

لكن ألا ترى أن حبك للحياة أثر عليك كسيناريست محترف؟

“خلينا واقعيين”، أنا كتبت فيلم ومسلسل واحد حتى الآن، ولم تظهر لي عشرات السيناريوهات لأسباب مختلفة ومتعددة، فأنا غير متحقق ككاتب سيناريو بالشكل الذي كنت أحلم به وأتخيله وأنا في سنك، وبالتأكيد ظروف عدم تحققي كسيناريست أبعدتني عن الكتابة قليلاً، وجعلتني أكثر إخلاصاً في ممارسة وخوض الحياة.

حدثنا عن تفاصيل كتابتك؟

عند كتابتي لأي سيناريو لا يوجد في رأسي سوى البداية والنهاية وخطين دراميين في المنتصف، فأنا من الكتاب الذين يحبون اكتشاف السيناريو عند كتابته، أكتب شخصيات من لحم ودم، وأضعهم داخل حدود جغرافية معينة، وأفقد السيطرة عليهم تماماً، وأترك لهم الحرية الكاملة في التصرف داخل الحيز الجغرافي المخصص لهم، فذهاب إبراهيم الأبيض إلى عشري في نهاية الفيلم، لم يكن بتدخل مني على الإطلاق، الشخصيات تفاعلت مع بعضها البعض وخلقت هذا النهاية، هذا نوع من الكتابة ممتع جداً وأكثر حرية واتساعاً ويتشابه مع روحي الشخصية المولعة بالاكتشاف وحب التجربة لكنه شاق للغاية ويستلزم إعادة كتابة بعد ذلك بالتأكيد.

كتبت مسلسلين و3 أفلام حتى الآن ولم يظهر للنور سوى فيلم “إبراهيم الأبيض” ومسلسل “آسيا”، هل يؤلمك وجود سيناريوهات لك في الدرج؟

قديماً كان يؤلمني بالطبع، لكنني تغلبت عليه بالتواضع والإيمان بفكرة أنك لن تحصل على كل شيء، ما يهمني حالياً أن أكون سعيداً في حياتي وأتصالح مع نفسي والظروف، كما أنني لدي إيمان كامل بقدراتي كسيناريست، ومع كامل احترامي للجميع لكن لو الأسماء الموجودة على الساحة قدمت أعمالًا عظيمة أثرت في وجدان الملايين قد أشك في قدراتي وأقول “ممكن يبقى العيب فيا”، لكن للأسف هناك العديد من النماذج التي تكتب سيناريو حالياً غير جديرة إطلاقاً بكتابة السيناريو، لذلك مهما تأخرت أعمالي في الظهور للنور، ثقتي في قدراتي كسيناريست تتزايد ولا تتراجع أبداً وأعمل حالياً على خطة ستساهم في خروج أعمالي للنور قريباً.

هل من الممكن أن تطلعنا على تفاصيل هذه الخطة؟

العملية الإبداعية لأي فيلم أو مسلسل تحتوي على ثلاث عناصر أساسية النجم والمنتج والمخرج، خطتي الحالية أن أتجاوز الثلاث عناصر، وأذهب للمتفرج مباشرة، وسامحني لن أستطيع الإفصاح أكثر من ذلك.

هل تفضل الكتابة لنجم معين؟

نوع الكتابة الذي أعرفه وأتقنه وأعمل به، هو كتابة السيناريو وعرضه على المخرج والمخرج يعرضه على الممثلين، بينما النوع الآخر لا أعرفه ولا أظن أنني سأعمل به في يوم من الأيام.

الكتابة للنجم هي السائدة حالياً في السوق السينمائي والدرامي، ألا تخشى على مستقبلك كسيناريست محترف؟

أنا أمتلك مصنعًا ومستور الحمد لله، ولست في حاجة لأي تنازل ضد مبادئي وقناعاتي الشخصية، فأنا أحب الكتابة التي تثيرني، وأذهب من خلالها إلى عوالم ساحرة وغامضة وعصية على الفهم الكامل، كما أنني أؤمن تماماً بقيمة السيناريست والمخرج كمسئولين أساسسين على العمل الفني حتى لو تغيرت وتبدلت المفاهيم الآن، وفي النهاية “تعالوا حسبوني بعد عشرين سنة” فأنا قدمت فيلمًا واحدًا ما زال في ذاكرة الملايين حتى الآن، بينما شيوخ طريقة الكتابة للنجم هل سنتذكر أعمالهم بعد عشر سنوات؟!

الكتابة ماذا تمثل لك؟

أكون في أفضل حالاتي النفسية عندما أكتب، حيث أتحول إلى كائن هادئ ومسالم تماماً، وأوفر طاقتي لشخصياتي، كما أن الكتابة نفسها حالة نجاح وتحقق، تضفي على حياتك قيمة ومغزى، تميزك عن الآخرين، توفر لك الخلود بعد موتك، بأعمالك ونصوصك، لا تتصور مدى سعادتي عندما أقدم عملًا واحدًا يعيش كل هذه السنوات ويعاد اكتشافه وتأويله، ويتحول إلى عمل من كلاسيكات السينما المصرية، شيء لا يقدر بثمن، فالكتابة تعطيك دائماً الفرصة في اكتشاف نفسك داخل عوالم مختلفة، ساحرة، غامضة، كل هذه التفاصيل هي متعة وبهجة عملية الكتابة الإبداعية بالتأكيد.

هل تؤمن بضرورة تعبير الكاتب عن آرائه داخل العمل الفني فقط، أم من حقه أن يعبر ويعلن عن آرائه في القضايا المختلفة خارج عمله الفني؟

دور الكاتب الأساسي أن يقول أرائه في قضايا بلده، ويساهم في توعية قرائه ومحبيه حول القضايا المختلفة، لكن ليس معنى هذا أن يتحول إلى ناشط، فهناك فارق ضخم للغاية بين الكاتب الذي يدلي برأيه في قضية ما تخص المجتمع، وما بين الناشط التي تكون هذه القضايا هي شغله الشاغل، وبمنتهى الصراحة أعترف أنني أثناء ثورتي يناير ويونيو، تحولت إلى ناشط بشكل أو بآخر، وكتابتي للمقالات و”البوستات” السياسية على فيس بوك وقتها أخذت من طاقتي ككاتب، وأثرت علي كتابتي الإبداعية.

هل السيناريو من الممكن أن يقتله المخرج؟

بالتأكيد، فمشكلة أغلب المخرجين المصريين على سبيل المثال أنهم يفضلون إخراج المشاهد الحوارية عن المشاهد الصامتة، ويقلقون من المشاهد الصامتة، مع أن الصمت والغير مقال دائماً هو الأكثر إثارة وجاذبية، فجلستنا الآن ليس المهم فيها كلامي فقط، بل المهم والمثير والجذاب هو انطباع كلامي لديك، كيف تستوعبه؟، كيف تفكر فيه؟، انطباعك الداخلي عني وعن حديثي، الحياة الداخلية للشخصية والتوغل بداخلها شيء صعب للغاية ويحتاج إلى خبرة حياتية هائلة، وبالمناسبة مقولة “السيناريو سيء والمخرج كويس”، خاطئة تماماً، فالعمود الفقري لأي عمل فني هو السيناريو، وأعظم شغل للمخرج في فيلم معين، هو أن يقدم السيناريو بشكل جيد بنسبة 80%، والفارق بين المخرج الجيد والمتواضع يكمن بشكل أساسي في الخبرة الحياتية، فهناك مخرجون كثيرون على الساحة الآن يقدمون أفلامًا شبه الحياة، لا تمس المتفرج من الداخل، أفلام “تيك واي”، تنساها بمجرد خروجك من باب السينما، لأن خبرتهم الحياتية قليلة للغاية ومحصرون في دائرة محددة من البشر والحكايات، لذلك الإخراج شئ صعب للغاية، ويجب على كل مخرج أن يتزود بالخبرة والدراسة والثقافة والمعايشة كي يستطيع تقديم أفلام تعيش في الذاكرة ولا تنسى بعد الخروج من باب السينما.

من هو رب العمل الفني المخرج أم السيناريست؟

هناك صراع من قديم الزمان بين الكاتب والمخرج حول هذا الأمر، ورأيي الشخصي أن الخالق الحقيقي لأي عمل فني هو السيناريست، فبدون السيناريو لا يوجد مخرج ولا ممثلين ولا منتج ولا أي شئ، وهناك فارق كبير جداً بين خلق العمل الفني ومحاكاة العمل الفني، السيناريست يخلق العمل الفني من خياله وإحساسه وتجربته بينما المخرج يحول هذا الخلق إلى صورة، يعيد محاكاة القصة بالصورة، والممثلين يحاكون هذه القصة بالصورة ويقولون حوارًا يكتبه ويبدعه الكاتب، كما أن الكاتب الجيد هو دائماً ممثل بارع لأنه يمثل شخصياته وقت كتابتها، يتحدث مثلها، يتشربها تماماً كي يستطيع كتابتها على الورق، فالكاتب ممثل بارع لكن بدون جمهور.

كيف تفسر الرغبة الموجودة دائماً عند بعض النجوم في التحكم في كافة عناصر العمل الفني وعلى رأسها السيناريو؟

بمجرد نجاح أي ممثل واعتلائه عرش النجومية، يتحول تلقائياً إلى كائن مهزوز وخائف بشدة من السقوط من عرشه، حيث تقل لديه نسبة المخاطرة في أعماله بشكل كبير، ويبدأ في التحكم في جميع عناصر العمل الفني، ويسعى دائماً لتقديم أعمال تشبه أعماله الأولى التي حققت نجاحاً كبيراً، مع أن هذه الأعمال نجحت بسبب أنها لم تشبه أعمالًا أخرى، لم يكن لها مثيلًا من قبل، فالجمهور يسعى إلى الجديد دائماً وبمجرد تكرار نفس القصة والتيمة ينصرف عنها فوراً، لكن تتحدث مع من؟ فهذه المفاهيم تظل مسيطرة على النجم إلى أن تسقطه مثل ما حدث مع محمد سعد ومحمد هنيدي وغيرهم.

لماذا تحول بعض كتاب السيناريو إلى ترزية حالياً؟

لأن هناك بعض النماذج لديها الاستعداد للتنازل عن أي شئ في سبيل جمع الأموال والتواجد في الصورة ورضاء النجم عليهم، كما أن المخرجين والنجوم يختارون عمداً سيناريستات ترزية وغير موهوبين ليسيطروا عليهم ويمررون أفكارهم ووجهات نظرهم في النص، فبداخل كل مخرج وممثل كاتب مغمور ومحبط يريد الخروج في أي لحظة.

نفهم من كلامك أن بداخل بعض المخرجين والممثلين على الساحة حالياً حالة من الغيرة تجاه كاتب السيناريو؟

صحيح، تجاه المهنة نفسها، فمن الممكن للكاتب أن يخرج ويمثل، لكن صعب على المخرج أن يكتب وكذلك الممثل، فالكتابة مهنة معقدة للغاية، تحتاج إلى موهبة ودراسة وخبرة وثقافة، لذلك يوجد عندهما مزيج خفي من الاحترام والحقد والغيرة تجاه كاتب السيناريو، وبمجرد انتهاءه من نسخة السيناريو يصبح “السيناريو ده بتاعنا كلنا” يسعون للاستحواذ والسيطرة عليه تماماً، لأن ما يفعله الكاتب شئ شاق عليهم للغاية.

هل الحظ يلعب دوراً كبيراً في مهنة كتابة السيناريو؟

السيناريو يتحول إلى فيلم بسبب رضاء النجم عنه، وليس لجودته بأي شكل من الأشكال كما شرحت قبل ذلك، ومسألة موافقة النجم على نص، وقراءته له أساساً، مسألة صعبة وليست بالسهولة التي قد يعتقدها البعض، فمن الممكن أن يقابل كاتب سيناريو أمير كرارة في مكان ما، يعرض عليه فكرة عمله، يعجب بها أمير، يتحول السيناريو إلى فيلم، ومن الممكن لكاتب أخر أن يكتب العديد من السيناريوهات وتظل في درج المكتب الخاص به، هنا يتدخل الحظ ويسهل الأمور لكاتب، ويعقدها على كاتب آخر، فالحظ يلعب دوراً مذهلاً في هذا المهنة، وأي شخص يعمل في مهنة الفن عموماً ويعتقد أن للحظ دوراً عادياً أو هامشياً يجب أن يراجع حساباته سريعاً، ولو تحدثت بشكل شخصي عن دور الحظ معي، فأعتقد أنني غير محظوظ ككاتب سيناريو، ومحظوظ جداً ككمثل.

هل الوسط الفني حالياً يمثل الجحيم للموهوبين والجنة متوسطي الموهبة؟

الفن مرايا للمجتمع، وعندما يكون المجتمع في قاع دورته الثقافية والفنية والإنسانية، بالتأكيد سيتصدر المشهد أشباه الموهوبين، والمزيفين، وراقصي التنورة، في كل المجالات وليس الفن فقط، وإذا ابتسم الحظ لشخص موهوب وظهر على الساحة في أي مجال من المجالات، سيضطر لتقديم العديد من التنازلات كي يتوائم مع حالة الرداءة التي يعيشها المجتمع حالياً.

أشعر في حديثك بحالة من التحدي والشغف والحب والحماس كأنك ستكتب سيناريو لأول مرة، هل تحليلي صحيح؟

صحيح، فأنا استدعي روح العمل الأول عند كتابتي لأي سيناريو جديد، فالعمل الأول دائماً ما يحتوى على عذوبة، وبكارة وشغف، وبراءة، لأنه يكون مكتوبًا بروح الهاوي، المحب للسينما وليس بروح الصنايعي الحرفي، القديم في “الشغلانة”، لذلك العمل الأول هو أهم عمل لكل كاتب، لأنه يحتوي على بعض التفاصيل التي من النادر أن توجد في أعماله التالية، بحكم الحرفة، والتعود، والتشبع أحيانا، والهموم الكثيرة التي تتواجد بجانب الكتابة، لذا أنا شغفي لا يهدأ لأنني أعمل دائماً بروح العمل الأول.

“الزميل محمود مجدي والسيناريست عباس أبو الحسن”

الكتابة علمتك إيه؟

الالتزام، أن تكتب عملًا وتنهيه في وقت محدد، تسير وراء هدف وتسعى لتحقيقه بخطة مدروسة ومنظمة وليست عشوائية، تحارب من أجل الإتيان بأفكار جديدة وطازجة، تخلق عوالم منعشة وساحرة، فأي مبدع ينهي كتابة رواية أو سيناريو، بكل ما يصاحب عملية الكتابة من صعوبة ووحدة وشقاء، في رأيي الشخصي هذا عمل بطولي يستحق عليه الثناء والشكر.

نصيحتك لكاتب سيناريو شاب يستعد لكتابة أول سيناريو له حالياً؟

ألا يكتب عملًا يثير المنتج أو النجم لأن هذا أمر نسبي ويتغير من وقت إلى آخر وليس له قانون أو عرف محدد، يكتب عمل يثيره وييبهره ويعرف تفاصيله جيداً لأن كتابة موضوع عن عالم أكبر منه، شئ صعب للغاية، وأن يحاول دائماً الهروب من الأفكار الأولية والمبدئية التي تهاجمه لأنها ستكون قادمة من مشاهدات سابقة ولن يكون فيها غنى ولا ثراء ولا بكارة ولا تفردًا، فكلما عصر الكاتب ذهنه للإتيان بفكرة جديدة وطازجة ومدهشة، كلما فتحت الكتابة له نفسها (القلم هيكتب لوحده)، وهنا فقط توجد اللحظة السحرية المعبرة عن جمال وروحانية العملية الإبداعية.

كما أنه يجب عليه أن ينمي مهارات الإلقاء، كي يتمكن من شرح فكرته بشكل جذاب ومثير وتشويقي، “وبياع” في دقيقتين فقط، لأن أي منتج داخل مصر أو خارجها سيعطي كاتب السيناريو دقيقتين فقط لعرض فكرته، لذلك يجب أن يشحذ قواه في صناعة “لوج لاين” جذاب ومثير يجبر المنتج والنجم على طلب قراءة السيناريو، وهذا ما أعمل عليه حالياً، فأنا كنت أفشل شخص يسوق فكرته، لدرجة أن بعض المنتجين والنجوم كانوا يطلبون مني إرسال السيناريو لهم مباشرة “بدون كلام كتير”، ففن تسويق الفكرة علم أذاكره وأدرسه بكل جدية حالياً، وبشكل عام، يجب على كل كاتب سيناريو، أن يخلع عباءة الكاتب ويرتدي عباءة البائع بمجرد انتهاءه من كتابة النص الخاص به.

نرشح لك: تامر محسن: يزعجني تصنيفي كـ”مخرج غير جماهيري”.. وبعض المؤلفين “ترزية” للنجوم

تامر محسن: يزعجني تصنيفي كـ”مخرج غير جماهيري”.. وبعض المؤلفين “ترزية” للنجوم

حوار السيناريست عباس أبو الحسن حوار السيناريست عباس أبو الحسن حوار السيناريست عباس أبو الحسن حوار السيناريست عباس أبو الحسن حوار السيناريست عباس أبو الحسن حوار السيناريست عباس أبو الحسن حوار السيناريست عباس أبو الحسن