ما لا تعرفه عن الإرهاق!

غادة الخطيب الإرهاق

هل حدث من قبل أن قابلت فتاة فائقة الجمال؟ مرحة، محبة للحياة، خفيفة الظل، وتبدو لمن يراها فرجينيا جميلة الجميلات، ‏وبعد ساعاتٍ من الحديث الشيق معها طلبت منها أن تتقابلا غداً فكان ردها: “الله أعلم ربما أستطيع وربما لا.. قد يكون غداً يوماً رائعاً أو ربما كان يوماً بائساً”.

هل حدث أن سمعت عن رجلٍ وسيم؟ طويل، عريض، فائق الذكاء، عريض المنكبين، طيب القلب، يعشق النشاط، قارئ ممتاز، لديه من الخبرات أكبر من عمره، وعلمت ‏أن زوجته قد طلبت منه الانفصال أو ترك المنزل لأنه يقضي معظم وقته نائماً بلا سببٍ يُذكر.

‏هل حدث أن رأيت طفلاً موهوباً؟ حاد الذكاء دراسياً، يأسر قلب كل من حوله، ولكنه يتغيب كثيراً عن المدرسة وعن تمرين كرة القدم التي يعشقها لأنه فجأةً وبدون أي مقدمات ‏لا يستطيع الحراك، ‏نعم سيدي.. هناك في هذه الحياة التي تعيشها هؤلاء و بكثرة، قد تعتقد أنهم كسالى أو أن نشاطهم موسمي، لأنك تراهم أنت وجميع أفراد المجتمع شخصوصاً طبيعية جدا ولا يبدو عليهم المرض أبداً.

‏اسمحوا لي أن أخذكم إلى هذا الجزء الصغير من العالم، فهؤلاء البشر الذين لا يعلم عنهم المجتمع شيئاً مرضى من طرازٍ فريد جدا، حتى العلم لم يكن يعلم عنهم حتى الثمانينات.

هؤلاء الناس يصابون بالإرهاق والوهن والضعف وعدم القدرة على الحركة دون أي أسباب عضوية أو نفسية، هؤلاء الناس يشعرون برغبةٍ غير عادية في النوم لفترات طويلة جداً، ثم لا يشعرون بتحسنٍ بعد النوم، إذا رأيتهم ‏لا يمكن أن يُخيل لك أنهم يعانون من مرضٍ مزمنٍ، فهم إذا كانوا حولك بالطريق فإنك تراهم أصحاء ولا يظهر عليهم علامات المرض.

هم مرضى متلازمة “الإرهاق المزمن” ‏تسمى هذه المتلازمة بالإنجليزية Chronic Fatigue Syndrome ويُرمز إليها ب CFS أو ME، وهذه المتلازمة هي حالة من التعب المتكرر والمعاود ولا تختفي أعراضها بالراحة كأي إنسانٍ طبيعي، و يمثل مرضى هذه المتلازمة 3% من سكان العالم، الحقيقة هو اضطراب معقد ولا يمكن تفسيره بأي حالة طبية باطنة أو كامنة.

تزداد هذه الحالة من التعب بعد ممارسة أي نشاط بدني أو ذهني ولم يتوصل الطب حتى الآن إلى السبب الرئيسي لهذه المتلازمة بالرغم من وجود بعض النظريات أو الاجتهادات الطبية والتي ترجعه إلى ما بين العدوى الڤيروسية، التوتر النفسي، و النقص في بعض البروتينات، ‏ويعتقد بعض الخبراء في هذا المجال أنه ربما تكون عدة عوامل مجتمعة مع بعضها البعض، ‏ولا يوجد دواء أو علاج محدد لهذه المتلازمة، فكل ما يستطيع الأطباء فعله حتى الآن هو إزالة الأعراض أو تخفيضها لمستوى أقل، إلى جانب الـ CBT وهو العلاج السلوكي المعرفي؛ و هي جلسات يتعلم خلالها المريض كيف يتكيف مع حياته وكيف يستخدم وحدات الطاقة القليلة التي لديه، ويقسمها على مدار اليوم دون أن يهدرها جميعاً في عملٍ واحد، فيفقد القدرة على عمل أي شيء آخر، وهكذا قد يستطيع المريض ممارسة حياته بشكل شبه طبيعي.

‏وليس الإجهاد والشعور بالتعب هو ما يشعر به أصحاب هذه المتلازمة فقط، بل هناك العديد من الأعراض مثل فقدان مؤقت للذاكرة القصيرة، ضبابية التركيز (وهو ما يسمى بالإنجليزية Brain Fog )، التهاب الحلق، آلام العضلات والمفاصل الغير المبرر، الصداع، النوم الذي لا يُحدث فرقاً أو انتعاشاً وأيضا عدم القدرة على الحركة ليومٍ أو لعدةِ أيام.

‏وتزداد، وتنقص، وتختلف الأعراض من شخصٍ لآخر، فهناك مَن يستطيع المقاومة و يذهب إلى العمل، وهناك مَن يحتاج إلي كرسيٍ متحرك، وهناك مَن يستطيع أن يخدم نفسه ومَن حوله، وهناك مَن يعتمد كُلياً على الآخرين، ويرجع ذلك طبعا لحدة المرض ومستواه من شخصٍ لآخر.

وتلعب الهرمونات دورا ليس بالهين في حدة المرض وكذلك العمر، فهي تصيب جميع الأعمار ولكنها أكثر شيوعاً بين الأربعين والخمسين، وتنتشر هذه المتلازمة ‏بين النساء أكثر من الرجال أما الضغط النفسي فبلا شك يطور هذه المتلازمة للأسوء، لكن الجدير بالذكر أنها ليست مرضاً نفسياً بل هي مرضاً عضوياً حتى لا يختلط الأمر عند البعض.

سيدي.. هل تتساءل الآن لماذا أنت تقرأ هذا المقال ؟ أولاً: يجب أن تتوسع دائرة الدراية والتعريف بما يعانيه هؤلاء المرضى لأنهم ليسوا بالقليل، وعلينا جميعاً رسالة التوعية، فربما تكتشف لا سمح الله أنك أو أحد أفراد أسرتك واحداً منهم، ثانياً: هؤلاء الناس يعانون من نظرة المجتمع التي لا تتفهم معاناتهم و لا تعرف عنهم شيئاً، فأرجوكم يا سادة.. إذا قابلتموهم في العمل ألا تأخذكم روح الدعابة على غيابهم المتكرر، و إذا كنتم أصدقاء فلا تجرحوا مشاعرهم بالسخرية الغير مقصودة مثل التعليق على عدم التزامهم بالمواعيد أو عشقهم للنوم.

وأخيراً و الأهم.. إذا كنت أب، أم، أخ، أخت، خطيب، زوج، صديق، جار، طبيب العائلة أو أياً كان علاقتك المباشرة بمريض متلازمة الإرهاق المزمن.. فأرجوكم أن تشعروا بمعاناتهم و ألا ترهقهموهم بالعمل وألا تتأذوا من نومهم ولا تكرههوهم على الخروج إذا لم يكن باستطاعتهم، و تحملوا ما لديهم، فالله وحده يعلم ما يشعرون به و هم صامتون.

الإرهاق

نرشح لك: غادة الخطيب تكتب: هل أصدرت أحكامًا اليوم ولا نسيت؟

شاهد: يوم مش عادي في ضيافة الإعلامية إنجي علي