عماد حمدي.. فتى الشاشة الذي تركه "الحبايب"

محطات في حياة عماد حمدي فتى الشاشة الأول

كتب إسلام سيد

بشرة سمراء كطمي النيل، ونظرة عين رقيقة لا تخلو من مسحة حزن، وصوت شجي، فتى الشاشة الأول و”أبو العروسة” الذي عاش حياة درامية تفوق الدراما التي قدمها على الشاشة، في ذكرى وفاته، يستعرض إعلام دوت أورج لمحات من حياة الفنان عماد حمدي فيما يلي:

توأم الروح

هناك أسطورة خيالية عن توأم في حالة تطابق شعوري تام بينهما، الألم الذى يشعر به أحدهما يزور الأخر فى الوقت ذاته فى المكان ذاته، والحالة النفسية التي تنتاب أحدهما يشعر بها الأخر، المفارقة أن تجد ما يشبه تلك الأسطورة في أرض الواقع، عماد حمدي وعبد الرحمن شقيقه التوأم، ربما لم يجمعهم كادر واحد، لكنهما مثلا ملحمة إنسانية في محراب الحياة، رفقاء رحلة تشاركا فيها الأفراح والأتراح، العثرات والانتصارات، الألم والأمل، كل واحد منهما كان للأخر كظله الذي يتبعه أينما كان، وإن فرقهما المكان تبقى أرواحهما متألفة، مستأنسة بالأخرى.

ولد عماد حمدي وشقيقه التؤام عبد الرحمن يوم 24 نوفمبر 1909 في سوهاج لأب مهندس سكة حديد وأم من أصول فرنسية علمتهما الموسيقى والرسم واللغة الفرنسية، فكانت منبع موهبتهما الفنية فيما بعد، حرص والدهما على أن يتعلما اللغة الإنجليزية منذ الصغر، فأحضر لهما مدرس خصوصي، ومن باب المصادفة الجميلة أصبح هذا المعلم فيما بعد الكاتب الكبير بديع خيري، والتحقا بمدرسة التوفيقية الثانوية بشبرا.

لم يكن أحد يستطيع التمييز بينهما بسهولة، حتى والدهما لم يكن في مقدوره في بعض الأحيان أن يفرق بينهما، فيحكي عماد حمدي في مذكراته قائلاً: “لقد أوقعنا التشابه الدقيق في ملامحنا بمشاكل لا تعد ولا تحصى، فمثلاً إذا حدث أن أخطأ أخي عبد الرحمن وأراد أبي أن يعاقبه وتصادف ظهوري في تلك اللحظة أمام أبي، فإنه على الفور يضربني بدلاً منه وأنال أنا العقاب الذي كان يجب أن يناله أخي”، ولازمتهما ظاهرة غريبة أنهما إذا نجحا نجحا معاً وإذا رسبا رسبا معاً، وإذا جاء ترتيب أحدهما الثاني مثلاً يكون ترتيب شقيقه الثاني مكرر، وإذا كان هو السابع في ترتيب الناجحين كان الأخرالسابع مكرر دائماً وهكذا دواليك.

كما أصيب عبد الرحمن بكيس دهني في رقبته، فأصيب به عماد في نفس الوقت وعندما تعافى منه عماد، تعافى عبد الرحمن أيضاً دون إجراء العملية.

حلم لم يتحقق

كان عماد حمدي يحلم بأن يكون طبيباً فيقول: “مهنة الطب برأيي مقدسة كعملٍ إنساني، فمن الجيد أن يشارك الإنسان في تخفيف آلام الآخرين من حوله وأن يجفف دموعهم ويضع حداً لأحزانهم ويعيد الإبتسامة الغائبة إلى وجوههم العابسة”، ولعل هذا هو سبب إتقانه الشديد وبراعته الفريدة في تقديم دور الطبيب على الشاشة، لكن والده رفض بشدة، فلم يكن باستطاعته دفع مصاريف مدرسة الطب العليا الباهظة خاصة بعد أن أحيل إلى المعاش، فاضطر إلى دخول مدرسة التجارة العليا هو وشقيقه لأنها أرخص المدارس العليا إنذاك، هنا برزت موهبته واشتعل شغفه بالتمثيل، فانضم إلى فرقة “أنصار التمثيل والسينما” التي كان يشرف عليها الفنان سليمان نجيب وعبد الوارث عسر أستاذه الأول الذي علمه فن الإلقاء المسرحي في المدرسة الثانوية

المشروع الأول

بعد تخرج عماد وشقيقه من مدرسة الطب العليا، كان كلاهما لا يحب العمل الوظيفي، فقررا أن يغامرا ويفتتحا مشروعًا خاصًا بهما، لكن المشكلة التي واجهتهما من أين يأتيا برأس المال لإنشاء مكتب إعلانات، في ذلك الوقت كان مشروع بنك مصر في عز مجده وطلعت حرب ملهم للمصريين، فقرر عماد حمدي أن يعرض الفكرة عليه طلباً لتمويله، وبالفعل وافق طلعت حرب وتحمس للفكرة لأن مكاتب الإعلانات كانت مقتصرة على الأجانب وقتها.

وبدأ نشاط شركة اللوتس في شارع شريف، ولكن طلب طلعت حرب من الشقيقين ضم الشركة إلى شركات “بنك مصر” فرفضا ووافق شركائهما، ليتم فض الشراكة وغلق المكتب، فعاد الشقيقان إلى الوظيفة مجدداً، إذ عمل عبد الرحمن في الجمعية الملكية الزراعية وعمل عماد في مستشفى أبو الريش كباش كاتب، مع استمراره في فرقة أنصار التمثيل والسينما كهاوي.

حلم تحقق

بدأ عماد حمدي رحلته السينمائية بفيلم السوق السوداء، الذي يعتبره الكثير من نقاد السينما المصرية من الأفلام التي رسخت للمدرسة الواقعية في السينما المصرية. في حقبة الخمسينيات قدم عماد حمدي العديد من الأفلام الرومانسية حتى صار واحدًا من أهم أعمدتها خلال هذه الفترة، من بينها: (ارحم حبي، بين الأطلال، لا أنام، إني راحلة، أقوى من الحب) ليرسخ صورته كنموذج للرجل الشرقي في خمسينيات القرن الماضي، ليصبح فتى الشاشة الأول.

ومع تقدمه في السن لم يرضخ لطلب بعض المخرجين بإجراء عملية شد الوجه وصباغة الشعر وفضل أن يقدم نوعية جديدة من الأدوار تناسب سنه ليتقبلها الجمهور ويقتنع بها، ليطوع موهبته لتجسيد دور الأب ليقدم مجموعة أخرى من كلاسيكيات السينما المصرية مثل “الخطايا” و”ثرثرة فوق النيل” و”أم العروسة”، ليصبح رصيده الفني حافلاً بالروائع.

مأساة النهاية

بعد وفاة شقيقه التوأم دخل في نوبة اكتئاب، حزناً على وفاة شقيقه، فيقول في مذكراته: “هو صاحب القلب السليم يموت قبلي، أنا صاحب القلب العليل، فلتبك يا قلبي، فلتنزف دموعاً ودماً وحسرة، لقد رحل أعز الأعزاء، وأحب المحبين، كيف تستمر حياتي بدونه، بدون نصف عقلي ونصف روحي ونصف قلبي”، وعندما عرف الشيخ الشعراوى بأنه يعاني من الاكتئاب، في أحد الأيام فوجئ عماد حمدي بطرقات على باب الشقة ففتح ليفاجأ بالشيخ الشعراوى أمامه وجلس وتحدث معه ليخرجه من الحالة التي كان عليها.

أيضًا قابلت طليقته فتحية شريف، الشيخ الشعراوي وسألته: “الناس بيقولوا إزاى انتوا منفصلين وعايشين مع بعض، فهل خدمتي وإقامتي معه حرام؟”، فأجابها  الشعراوى ضاحكاً: “لا أنت فيكى حيل ولا هوه فيه حيل، انتوا الاتنين مكسرين، وأكبر ثواب بتعمليه إنك بتخدمي أبو ابنك، وهو ليس لديه شىء ليعطيه لك، لا صحة ولا فلوس، انت بتخدميه لوجه الله، والله هو الذي يحاسب الناس، ومهما عملتي لن ترضي الناس”.

وفي أواخر أيامه أصيب بالعمى، وتوفيت فتحية شريف قبله بشهور فازدادت حالته سوءاً، فقال بحزن شديد: “أنا مش عارف ليه الموت ناسيني وفاكر كل اللي بحبهم”، ليرحل عماد حمدي في يوم 28 يناير 1984.

شاهد: يحدث في مصر في 2019