إبراهيم عبد المجيد.. من المحيط للمحيط

ابتسام أبو الدهب

بمجرد سماع اسم الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد، ترتسم في أذهاننا تلقائيًا شواطيء مدينة الإسكندرية وشوارعها، نشعر بدفء وحنين إليها، يذكرنا بحكايات “عبد المجيد” عنها، حيث ولد ونشأ هناك. كما يذكرنا أيضا برواياته ولا سيما الثلاثية (لا أحد ينام في الإسكندرية، طيور العنبر، الإسكندرية في غيمة).

رغم ما يشتهر به الروائي إبراهيم عبد المجيد من حب لهذه المدينة وبروايات أخرى كثيرة ومجموعات قصصية، إلا أن هناك كتبا ألفها تنوعت ما بين سيرة ذاتية، ومقالات وأدب رحلات. “أين تذهب طيور المحيط”، كتاب يسرد فيه “عبد المجيد” رحلاته من الإسكندرية إلى موسكو، صدر عام 2009، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وأعيد طباعته مؤخرا.

الكتاب يسرد أحداث 8 رحلات؛ الرحلة الأولى “إلى موسكو بعد طول انتظار”. والرحلة الثانية “باريس للمرة الأولى، أما الرحلة الثالثة “أدباء مصريون في فرنسا”، والرحلة الرابعة “اسئلة المغرب”، والرحلة الخامسة “بواتييه.بوردو عن القراء والرقص أيضا”، فيما كانت الرحلة السادسة “ساحل مريوط”، بينما الرحلة السابعة “هل هي رحلة؟: الإسكندرية؟ صورة شخصية”، وتأتي الرحلة الثامنة بعنوان “لاروشيل”.

تختلف كل رحلة عن الأخرى باختلاف جغرافيا المدن والبلاد، وانطباع الكاتب عنها، ولكنها تتفق جميعها في أسلوب “عبد المجيد” في وصف أهم أحداث يومه وعرض لشكل الحياة في كل مدينة، ومواصلاتها، وأماكن الترفيه، ةتعامل البشر وبيئة العيش هناك، فضلا عن توضيح خطوط عامة عن الأحوال السياسية المتعلقة بالدول التي زارها.

على الرغم ما واجهه عبد المجيد، في الرحلة إلى موسكو من معاكسات تضمنت مكوثه وصديقه في المطار ثلاث ساعات كاملة يحاولان إيجاد حل لأزمة واجهوها ثم غرفة ضيقة وسيئة في أحد الفنادق، وأشياء أخرى، إلا أنه لم ينجرف وراء مشاعر سلبية قد تعكر صفو الأيام القليلة التي سيقضيها في المدينة، وصفو الكتابة التي وضحت لنا صورة جلية عن جمال الشوارع الواسعة ناصعة البياض بفعل العواصف الثلجية في شهر فبراير، ليل الشوارع وولع الروس بأكل الآيس كريم رغم شدة البرودة، والصباحات الهادئة وسط ضباب رمادي وثلج سميك يستغله الأطفال في التزحلق بين الأشجار.

عرف “عبد المجيد” في موسكو عن ترجمة إحدى قصصه القصيرة إلى الروسية، كذلك المقالات مكتوبة عن أعماله الأدبية، التي ألفها المستشرق ديمتري ميكولسكي، وتطرق من هذه النقطة إلى حال الترجمة ووضعه الصعب. من موسكو إلى كييف (عاصمة روسيا القديمة)، كانت رحلة “عبد المجيد بالقطار، ثم مرة أخرى إلى موسكو، ثم انتهت الرحلة.

فرنسا، رحلة أخرى من رحلات الكتاب، التي يحكي فيها “عبد المجيد” عن أصدقائه من نجوم الأدب الذين يشاركونه في ندوة عن الرواية المصرية، مثل إدوار الخراط، صنع الله إبراهيم، بهاء طاهر، إبراهيم أصلان، وجميل عطية إبراهيم. يحكي أيضًا عن الحي اللاتيني، تمثال سان ميشيل والنافورات المائية، الشوارع القديمة، المتاحف، نهر السين وبرج إيفل، والنهار الطويل الذي يستمر حتى الساعة 10 مساء، السهرات التليفزيونية في الليل، وجلسات الأدب والسياسة على مقهى النجمة الذهبية.

بعد فرنسا كانت المغرب، حيث الشمس المشرقة، الدار البيضاء ومراكش، الأحياء الشعبية والأسواق والجامع الكبير، وحال القراءة والكتابة في المغرب. ومن هناك إلى بواتييه وبوردو بفرنسا ومناقشات حول الرواية في الأدب العربي، وفقرات من الرقص الشرقي وعزف مقطوعات موسيقية يعزفها مغاربة وجزائريين، وإلقاء الشعر على دقات الدفوف والطبول.

تجارب جديدة مر بها الكاتب والروائي إبراهيم عبد المجيد، جسدها في كتابه معبرًا عن دهشته وإعجابه. حاول نقل صورة مليئة بالتفاصيل عن أسفاره، ومشاعره التي قابل بها كل هذه التجارب، بطريقة جعلتنا نشعر وكأننا نصحبه في كل تلك الرحلات، هذا فضلا رحلته الخاصة عن الإسكندرية تاريخها وجغرافيتها.

وفيما يلي بعض الجمل من الكتاب، ووصف لبعض المدن، وأشياء تعلمها “عبد المجيد”:

– أنا أريد أن أرى وأعرف، لكنني سأحاول أن أرى وأعرف من الناس العاديين في الشوارع، وليس من المسئولين في الحزب، أي حزب.
– ليس صعبا أن تتعرف على أحد في موسكو. يكفي أن تبتسم فيبادلك الابتسام وتتحدث فتجد قلبه مفتوحا للحديث معك، رجلًا كام أم امرأة، شابًا أو فتاة.
– رغم كل ما قرأته عن باريس أو رأيته في السينما فحين تتاح الفرصة لرؤيتها يبدو الأمر كأنما كان حلمًا بعيدًا وتحقق. حلمًا جميلًا، ولا يهم إذا خاب سعيك فيها أو طاب.
– مولع أنا بتضييع الفرص. مولع بذلك بالمعتى العميق للكلمة…والغريب أني لا أشعر بأي ألم على ضياع الفرص، كما لا أفرح حين أغتنمها. تتساوى لدي الذاكرة والنسيان.
– من أهم العادات التي تعلمتها عند حضوري إلى جنيف، أن أقوم بتنشيف شعري جيدا بعد الاستحمام. في بلادنا، مصر، يحلو للإنسان أن يترك شعره مبلولًا بعد الشيء بعد الاستحمام. هناك في سويسرا، كنت أفعل ذلك وأنزل الشارع فإذا شعري يتحول إلى سلك من الجليد يتجمد الماء حول الشعر.
– احتجت وقتا كي أقلع عن عاداتي المصرية وتعلمت مثلا ألا أحك أنفي تحت الجليد في الجو البارد؛ لأنها ببساطة يمكن أن تخرج في يدك فتجد نفسك بلا أنف.
– مراكش لها في القلوب حضور التاريخ. قيامة الماضي. مراكش لا تثير أسئلة في العقل، تنثير اضطرابا في الروح. حالة من جيشان الشعور تنذر ببكاء صامت…يأتي من الانتشار العميق بالمكان والناس.
– عام 1895، كان أول عرض سينمائي في مصر في مدينة الإسكندرية بمقهى الكوزمو…من يومها صارت الإسكندرية مدينة السينما الأولى.

إبراهيم عبد المجيد.. ملف خاص