حسين عثمان يكتب: سيرة حسن كامي

أثار الخلاف بين ورثة الفنان الراحل حسن كامي ومحاميه عمرو رمضان، قضية هامة تتعلق بمكتبة “المستشرق” بوسط البلد، وفقاً لتقرير نهال ناصر المنشور بموقع “في الفن” الإلكتروني، فإن مكتبة “المستشرق” أسسها في نهاية القرن التاسع عشر يهودي مصري اسمه فيلدمان، واختار لها موقعاً مميزاً بشارع قصر النيل، وأطلق عليها اسم “المستشرق” لما تحتويه من مخطوطات وكتب نادرة، تتعلق في الأساس بفترة الاستعمار والحملة الفرنسية على مصر، وكان فيلدمان قد ترك المكتبة لمساعده شارل بحري، بعدما غادر مصر بالتزامن مع العدوان الثلاثي عليها عام 1956، وحرص شارل بحري على مواصلة نشاط المكتبة، حتى جمعته بالراحل الكبير حسن كامي في فترة الثمانينيات.

كان كامي يتردد على “المستشرق” للقراءة والاطلاع، وبعدما توطدت علاقته بشارل بحري، اشتراها منه وأهداها إلى زوجته نجوى، والتي أدارتها بنفسها على مدى سنوات طويلة حتى وفاتها عام 2012، فأصبح كامي يشرف على “المستشرق” بنفسه، يقضي بها معظم أوقاته، ويحرص على استقبال زائريها بترحاب، رواد المكتبة وكامي نفسه قبل وفاته، أكدوا في مناسبات كثيرة، أن المكتبة من ضمن فئات زوارها باحثون من مختلف الجنسيات، لما تحتويه من كتب ومخطوطات وخرائط وصور نادرة، منها 5 نسخ أصلية من كتاب “وصف مصر”، ونسخة أصلية من كتاب “حول العام في 80 يوماً” للروائي الفرنسي جول فيرن، كتب عليها شارل بحري عبارة “ليس للبيع”.

نرشح لك: محامي حسن كامي: الراحل باع نصيبه في المكتبة بمليون جنيه

تستمع إلى طرفي النزاع على تركة حسن كامي، مكتبة “المستشرق” ومعها فيلته بمقتنياتها الفنية التراثية، فلا تجد إلا الطمع عنواناً للصراع، ولا تجد إلا سيرة كامي مُهْدَرَة على ألسنة ورثته ومحاميه، يختلفان في كل شيء، ولا يتفقان إلا في انتهاك سيرة فنان له رصيد كبير في ذاكرة الفن وقلوب الجماهير، المحامي حجته في الاستحواذ على تركة كامي، أن الرجل عاش سنواته الأخيرة ضوائق مالية متتابعة، دفعته إلى بيع نصيبه الأكبر في المكتبة ومن بعدها الفيلا، والورثة حجتهم في استعادة تركة كامي، أن أمراض الشيخوخة جعلته غير مدرك لتصرفاته، فصار صيداً سهلاً في يد محاميه، لا حول ولا قوة إلا بالله.

إذا كنت من المهتمين بالموضوع من منطلق أبعاد إنسانية وحضارية تتعلق بقيمة حسن كامي وفنه وتركته، فأنصحك ألا تصدق دوافع ورثة كامي ومحاميه، فهي وإن كانت الحق بعينه في الظاهر وفي نظر كلٍ منهما، فهو في تقديري لا يُراد به إلا المال عند كلا الطرفين، وحسناً فعلت وزارة الثقافة ممثلة في شخص الوزيرة الدكتورة إيناس عبد الدايم، بدخولها الفاعل المؤثر على خط الأزمة، بعدما شكلت لجنة برئاسة الدكتور هشام عزمي، رئيس دار الكتب والوثائق القومية، لجرد وفحص محتويات مكتبة كامي، كما خاطبت نيابة قصر النيل لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، لرفع أيدي ورثة كامي ومحاميه عنها لحين انتهاء اللجنة من أعمالها.

وزارة الثقافة هنا تقوم بدورها ليس فقط في الحفاظ على ما يُعد أثراً تاريخياً من مقتنيات مكتبة كامي، وإنما تحفظ في نفس الوقت سيرة فنان لم نعرفه يوماً إلا قيمة من قيم الفن والرقي والتحضر والسلوك الإنساني الودود، والأزمة برمتها تبعث برسالة هامة إلى كل من يملك مقتنيات تحمل قيماً فكرية وفنية وثقافية وتراثية وتاريخية، بأن يُؤَمِن في حياته مصير هذه المقتنيات بعد وفاته، بأن تؤول إلى إحدى المرجعيات الأكاديمية أو الثقافية أو التراثية، إذا كان لا يثق في تقدير ورثته لقيمة هذه المقتنيات الحضارية والإنسانية، أما حسن كامي، فمكانه في القلب، وتبقى سيرته الطيبة حاضرة، في مواجهة ورثته ومحاميه.

نرشح لك: حسين عثمان يكتب: ملاحظات الأسبوع السبعة

شاهد: نهايات مأسوية.. أنور إسماعيل مات في ظروف غامضة..