محمد غنيمة يكتب: إحياء علوم الإسكندرية.. من اليونانية إلى العربية

“إذا لم تصحبني معك إلى الإسكندرية، فلن أكتب لك، ولن أكلمك بعد إذن أبدًا.. ولن أحييك بما اعتدت أن أحييك به كل يوم”. بهذه الكلمات الرقيقة بدأت الدكتور رضوى زكي كتابها، وهي كلمات وردت في بردية من برديات البهنسا تكشف عن حلم الباحثين القدماء للدراسة في تلك المدينة، كما تصف لنا مقدار حب الناس لهذه المدينة العريقة التي اتخذتها الكاتبة تيمة عشق وحب لها، إنها الإسكندرية الثقافية التي امتازت عبر كل العصور بالكوزموبوليتانية (التعددية الرحبة التي ترحب بكل الثقافات)، فلنحط بين طيات الكتاب حب الكاتبة لموطنها الإسكندرية، مما جعلها وجعل كتابها يدخل ضمن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد، وأعتقد أن هذا الكتاب هو وفاء من المؤلفة الشابة لبلدها الأم الإسكندرية التي طالما تغنى بها العالم أجمع.

يعد هذا الكتاب من الكتب الوثائقية ذات العيار الثقيل، فقد تميز الكتاب بأسلوب علمي محكم وتدفقت لغته بشكل سلس تجعلك تستطرد في القراءة، كما أنه خارج من صلب دراسة لم تأل جهدًا في الاستعانة بالمصادر والمراجع الأولية، ولعل وثائق الإسكندرية التي أردفتها زكي، بجانب المخطوطات والوثائق والبرديات التي أتيحت للمؤلفة تجعل من هذا الكتاب مرجعا مهما لكل الباحثين وترد على تأملات الروائيين عن تلك المدينة ومكتبتها.

نرشح لك: محمد غنيمة يكتب: عالم بلا خصوصية

قدم الكتاب الدكتور كمال مغيث، حيث ركز على أهمية الكتاب خاصة فيما يتعلق بتناول تأسيس مكتبة الإسكندرية القديمة، كمت أثنى على الكاتبة كونها استطاعت بدقة تحديد مكان مكتبة الإسكندرية من الخطة القديمة لإنشاء مدينة الإسكندرية نفسها، ففي الفصل الأول من الكتاب الذي عنون تحت اسم (أضواء تاريخية على مدرسة الإسكندرية القديمة ومكتبتها) وفي هذا الفصل جابت زكي المدرسة السكندرية بداية من مؤسسها الإسكندر الأكبر المقدوني أحد تلاميذ أرسطو، ثم وقعت لموضع مكتبة الإسكندرية القديمة جغرافيا وفي نهاية الفصل أردفت الباحثة بكمية هائلة من الهوامش التي تساعد الباحث والقارئ العادي بقدر كبير من المعلومات، وهذا ما فعلته بوضوح مع باقي الفصول الخمسة.

أما الفصل الثاني فجابت فيه المؤلفة بمآثر مدرسة الإسكندرية العلمية في مجال العلوم الطبيعية والتطبيقية وخاصة فيما يتعلق بالمآثر العلمية الخاصة بعلوم الطب، والرياضيات والفلك وغيرها من العلوم التطبيقية، أما الفصل الثالث فكان لمآثر المدرسة السكندرية العلمية في العلوم الإنسانية وخاصة في مجال الأدب والشعر وعلوم الفهرسة والترجمة، ثم أفردت جزءًا مهمًا في هذا الفصل لعلوم التاريخ والجغرافيا.. والجميل هنا أنها لم تترك عالما من علماء الإسكندرية إلا وأفردت ترجمة له أو عن أعماله وتأثيره.

وجاء الفصل الرابع المهم الذي عنون (علوم مدرسة الإسكندرية بين الهوية المصرية واليونانية)، وكأنها بعد بحثها التاريخي تمزج بينه وبين علم الأنثربولوجيا لتشكل دراسة وبحث قيم عن الفترة وملامحها وسماتها، ثم جاء الفصل الخامس والأخير لترصد لنا العلوم اليونانية وتحولها إلى النطق بالعربية وتمر بنا عبر رحلة دخول العرب الإسكندرية إلى القرن السادس عشر، ثم أنهت فصلًا بالآثار التي تحصلت عليها الإسكندرية عبر هذه الرحلة الشيقة والعصور المزدهرة لتلك المدينة القابعة في مخيلة ووجدان المصريين من شمال إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.

ولتكتمل الصورة مع الكتابة أردفت زكي في نهاية كتابها عددا هائلا من المراجع والمصادر التي اعتمدت عليها في بحثها الشيق وكتابها المتزن لتضيف لنا كتابًا جديدًا في المكتبة العربية يستحق الاقتناء ويستحق الدعم لأن يحصل على جائزة الشيخ زايد.

للتواصل مع الكاتب هنا

شاهد: كيف سيختلف معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 50؟