أشرف الخمايسي: "جو العظيم" إسقاط على الواقع العربي بشكل ساخر

هالة منير بدير
أديب مصري له أسلوبه المميز في السرد لغته الغنية، وبنائه المحكم، وحبكته المشوقة، وأفكاره الفلسفية؛ جعلت عدد من أعماله يصل للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر”صدر له العديد من الأعمال الأدبية، منها ثلاث مجموعات قصصية هي: “الجبريلية”، و”الفرس ليس حرا”، و”أهواك”. وأربع روايات عن فكرة البحث عن الخلود وهزيمة الموت وهي: “الصنم”، “منافي الرب”، “انحراف حاد”، “ضارب الطبل”. إنه الروائي أشرف الخمايسي، والذي صدرت له مؤخرا عن دار الشروق روايته الجديدة “جو العظيم” والتي تتناول مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين على متن قارب قديم متهالك في عرض البحر دون أي وسائل أمان أو اتصال للنجدة، يتعايشون ويتفاعلون ويتصارعون وهم من مختلف الانتماءات والطباع والأديان، أثناء توجههم جميعا وبقوة نحو مصير مجهول.
 
 
إعلام دوت أورج أجرى حوارا مع الروائي أشرف الخمايسي، الذي تحدث عن تفاصيل كتابته لروايته الجديدة، وعن مشروعاته الأدبية القادمة، وغيرها من الموضوعات التي نعرضها فيما يلي:
 
– اذكر لنا فكرة موجزة عن رواية “جو العظيم”.
 
الرواية عبارة عن إسقاط على واقع حالي في الدول العربية، وهي تجربة جديدة تختلف عن رواياتي الأربع السابقة، فبهذه الرواية أخرج عن إطار ثنائية الموت والخلود، للاهتمام بالواقع الذي يعيشه الإنسان العربي.
 
 
– هل كان اختيار العنوان سهلا؟، ومتى تم الاستقرار عليه؟
 
 
كان الاختيار سهلا جدا بالمقارنة بالروايات السابقة، فعادة ما أخرج من داخل النص بالعنوان كومضة أو بريق، وقد أشار أحدهم إلى العنوان بأنه يتشابه مع رواية “جاتسبي العظيم” للكاتب الأمريكي “فرنسيس سكات فيتزجيرالد”، ولكني لم أكن أعرف عن تلك الرواية شيئا.
 
 
– حدثنا عن المدة التي أتممت فيها كتابة “جو العظيم”.
 
بالرغم أنها أطول رواية، إلا أنها لم تأخذ معي وقتا طويلا، خمسة أو ستة شهور فقط، بخلاف رواية “ضارب الطبل” التي استغرقت ما يقرب من السنتين، “جو العظيم” خرجت بانسياب وبساطة، كما أنها الوحيدة التي خرجت بمرح.
 
– ما هي أنواع الصراعات أو الأزمات على سطح “جو العظيم”؟
 
صراعات مختلفة، صراعات القادة مع المَقودين، وصراعات أيدولوجيات فكرية، وصراعات دينية بحتة، أي الصراعات البشرية عموما على مستوى السلطة والإنسان.
 
– أسماء الأبطال جاءت فكاهية للغاية، فهل لها أي دلالات؟
 
بالفعل لها دلالة كوميدية ساخرة، “جو العظيم” قالب متهالك، الكابتن “زبيبة” قائد فَكِه وحديثه نكتة، لتجسيد الأزمة بشكل ساخر.
 
 
– في مواقع عديدة من الرواية أحس القارئ بمزيد من الإسهاب، هل هذا هو نهجك في الكتابة؟
 
 
ليس من الكتاب أو الشعراء من يحب الإسهاب أو الإطناب أو الزيادات، ولكن أحيانا يضطر الأديب للإسهاب رغما عنه، ولذا أعترف أن الرواية حوت بالفعل حوارات طويلة تأخذ مقدار صفحة، وقد تؤدي إلى الرتابة، ولكنه الشر الذي لا بد منه.
 
 
– قدمت 4 روايات في ثنائية الموت والخلود فلماذا استغرقت هذه الفكرة عددا كبيرا من أعمالك؟ وقلت أنك ستنتصر على فكرة الموت بإتمام روايات خمس، فأين هي الرواية الخامسة؟
 
سبب تقديم عدد من الأعمال حول ثنائية الموت والخلود هو أنه هاجس شخصي؛ فالرواية وسيلة للحصول على الخلود، والانتصار على الموت والغياب. أما الرواية الخامسة وهي “ضيف الله” مكتوب فيها عدد لا بأس به من الكلمات وأفضِّل ألا أتأخر فيها، ولكن لا بد من أن أختم تلك الثنائية ختاما مضبوطا، ولكنه سيكون ختاما مخيفا وصادما جدا يكاد يكون محطِّم.
 
 
– تحدثت فيما سبق عن إعدادك لرواية “صوفيا هارون”.. هل لا زالت قيد الإعداد؟
 
رواية “صوفيا هارون” في نصفها ولا زالت في الانتظار.
 
– ما الذي يميز رواية “جو العظيم” عن أعمالك السابقة؟
 
تتميز بالبساطة في التناول والبناء، فهي كالروايات الكلاسيكية لها بداية ووسط ونهاية، تتميز ببساطة الطرح واللغة، ولأول مرة أكتب الإهداء لشخص بعينه، وهو الدكتور أحمد خالد توفيق رحمه الله، ولقد قال أحدهم أن رواية “انحراف حاد” كانت في ميكروباص، ورواية “جو العظيم” في مركب، إذا فأشرف الخمايسي يكرر نفسه، وأقول هنا؛ في “انحراف حاد” لم يكن يوجد أي تفاعل بين الأبطال، أما في “جو العظيم” فالصراع الآني يجمع الأبطال، فالأمر ليس محصورا في مكان يجمع مجموعة أشخاص.
 
 
 
– انعزلت عن الحركة الأدبية لمدة عشر سنوات انضممت خلالها للحركة السلفية، فكيف أثرت السلفية على روح الأديب؟
 
أثرت السلفية بشكل إيجابي، فلم أخرج من الطائفة لألعن البشر المتدينين، بل تابعت تجارب ناس آخرين ومختلفين، وقد ساعدتني في استخلاص أفكار لكتابة رواية “منافي الرب”، فصححت موقفي من السلفية عموما في أي دين، فعلى المثقفين لو أرادوا فهم الروح؛ عليهم استيعاب الآخرين.
 
 
– صرحت سابقا أنك تتعمد صناعة الجدل والصخب، فهل لا زلت تتعمد ذلك؟
 
كان هذا وقت الشباب، أما الآن فأنا هادئ جدا، ولكن شخصيتي لا تحب الهدوء، بالعكس أحب الضجيج ففيه النور والونس، وبالرغم أني هدأت قليلا في الإشارة للخطأ، لكني ما زلت صاخبا في قضايا هامة، فأنا ضد التطبيع، وضد الدكتاتورية.
 
– هل يمكن إدراج رواية “جو العظيم” ضمن سلوك إثارة الجدل؟
 
ليست إثارةً للجدل، وإنما رواية جريئة وشجاعة، ملأى بتلميحات واضحة على الواقع، ومحاولة لقول “لا”.
 

– اعتزازك بنفسك ومديحك لأعمالك قد يُدخلك دائرة الاتهام بالغرور والنرجسية، ألا تخشى ذلك؟
 
لا أخشى ذلك فيما لو كان التعامل مع “ناس مثقفة”، فالغرور هو التعالي على الآخرين، أما إذا كان الدافع تحفيز النفس فهذا ليس غرورا.
 
 
– هل صرحت سابقا أنك لا تقرأ كثيرا في الفلسفة، وهل كانت النشأة وخبرات الحياة سببا في آرائك الفلسفية وتساؤلاتك الوجودية؟
 
لقد صرحت أنني لا أقرأ كثيرا في الروايات، ولكني قرأت في الفلسفة، مثل الكوميديا الإلهية، والإلياذة، وقصة الحضارة، وأمهات الكتب، وغيرها الكثير. واعتقد أن الإنسان إذا اكتشف لديه القدرة على قراءة الكون فسيكون له رأيه الفلسفي، فالفلاسفة الكبار لم يقرأوا كتبا، والفيلسوف “القح” له موهبة استخلاص وجهة نظره الخاصة.
 
 
– جاء إهداء “جو العظيم” للراحل دكتور أحمد خالد توفيق .. كيف كانت علاقتك به؟
 
علاقة جميلة ونبيلة، تعارفنا لمدة سنتين تقريبا تقابلنا فيها مرتين، كان الرجل بخلاف كل الوسط الأدبي، فعلى عظمته كان دائما يشير للعبد لله في أكثر من ندوة وحوار وصحيفة، ومنذ فترة قصيرة أرسل لي أحدهم مقالا تكلم فيه عني. حينما كان حيا لم أكن قادرا على الشكر حتى لا يتحول الأمر لحفلة يشكر فيها كل منا الآخر، أما عندما مات فقد فُجِعت، وأنوي أن يكون إهداء كل أعمالي القادمة له.
 
 
 
– كيف ترى حركة الأعمال الأدبية الآن ومدى ارتباطها بالواقع؟
 
أقرأ الروايات التي يبعثها لي الشباب، وآخرون تجاوزا مرحلة الشباب، ولكن الكتابة عموما ليست بالثراء الواجب، ولكن في نفس الوقت ليست بالضعف المتخوف منه، فهناك أسماء رائعة، مثل: “حمَّاد عليوه” وروايته الرائعة “الحي الانجليزي”، و”أحمد القرملاوي” كاتب جميل وسيكون له مستقبل في الكتابة، وأيضا “ماجد شيحة”. أما بالنسبة للروايات الفائزة؛ فهناك توجه للكتابة في التاريخ والصوفية، ولكن لماذا؟! هل يقصد أحد توجيهنا للمناطق الميتة، أم أنها حركة ارتداد؟ فالكتابة في التاريخ كي تكون فعالة لا بد أن تكون من أجل المستقبل ومسايرة السباق الخارجي وإنتاج فكر إنساني خلاق.
 
– كيف تتوقع الدورة القادمة لمعرض الكتاب؟
 
لست من الأشخاص الذين يذهبون لمعرض الكتاب، ولكني متخوف خاصة من فكرة ارتفاع سعر تأجير المتر لدور النشر، ومدى تأثير ذلك على حركة المبيعات، ولكي أن تتخيلي أننا دولة من مائة مليون مواطن، لا يستطيع الكاتب فيها توزيع خمسين ألف نسخة، ومن يستطيع توزيع عشرة آلاف نسخة فقط يحتل قائمة “Best Seller”.
 
– حدثنا عن مشاريعك الأدبية الحالية أو القادمة.

هناك أكثر من مشروع روائي أفكارهم وحبكتهم حاضرة في ذهني، وهناك رواية جاهزة للنشر، وهناك رواية أخرى أعمل عليها الآن.