محمد عبد الخالق يكتب عن فيروز "المصرية" (3-3)

أحلام ومشاريع لم تكتمل … وسينما بتوقيع مصري

الموسيقار محمد الموجي من الملحنين الذين ارتبط أسمهم بقامات عالية في الفن، كان أهمها صديقه، ورفيق رحلته عبد الحليم حافظ، لكنه كان من وقت لآخر يحب التجديد والتنوع حتى لو كان مع أصوات جديدة يقدمها للساحة الفنية، وفي الستينيات وتحديدا عام 66، كان الموجي في لبنان وكان كغيره من الملحنين يحلمون بأن تقترن ألحانهم بصوت الساحرة فيروز، فاستغل تواجده في لبنان وعرض على الأخوين رحباني موشح كتبه شاعر شاب اسمه “مجدي نجيب” بعنوان “كامل الأوصاف”، وأسمعهما اللحن وأعجبا به جدا وأعجب فيروز أيضا، خاصة أنها كانت من المعجبين بألحان الموجي وصرحت بذلك في أكثر من مناسبة، قررت فيروز تقديم اللحن في إحدى حفلاتها، وفرح الموجي جدا لكنه تكتم على هذا الخبر، لأن الكلمات كانت من اختيار عبد الحليم حافظ وهو مَنْ رشح الموجي لتلحينها، لكن الموجي كان يرى فيروز أمامه أثناء تلحينه الكلمات، وكانت تتردد في أذنه بصدى صوتها، لكن القدر كان قد اختار أن يعود اللحن لصاحبه، فلم تقدم فيروز اللحن وانتظر الموجي عاما كاملا دون أية أخبار، فقرر إعادة اللحن للعندليب الذي حقق به نجاحا كبيرا.

لم يمت حلم التلحين لفيروز لدى الموجي، ففي مطلع السبعينيات من القرن الماضي أختار كلمات للشاعر عبد الوهاب محمد بعنوان “زقزق العصفور صحاني، قمت أنا وأهلي وخلاني، قمنا شفنا بلادنا عروسة، عايقة بالحسن الرباني” ولحنها وعرضها على فيروز، لكن انشغالها في هذه الفترة بمسرحياتها جعلها تؤجل تسجيل الأغنية أكثر من مرة، حتى منح الموجي اللحن لزوجته المطربة أميرة سالم.

ثلاثية السنباطي التي انتصرت عليها الحرب الأهلية

في منتصف السبعينيات أرادت فيروز أن تجدد دمائها بعيداً عن الروح الرحبانية، بعد انفصالها عنهم فنيا وعائليا، وكان أفضل من يقوم بهذا الدور الموسيقار الكبير “رياض السنباطي”، ملك تلحين القصائد الذي شدت كوكب الشرق على ألحانه أعذب قصائدها المغناه، والذي طالما أكد أن: “هناك أماكن ومساحات في صوت فيروزلم تكتشف بعد”.

سافر السنباطي إلى بيروت وقد تم بالفعل تعاون بينها وبين السنباطي، وقع اختيارهما على ثلاث أغنيات واحدة من تأليف عبد الوهاب محمد هي “آه لو تدري بحالي” واثنتين من تأليف جوزيف حرب هما: “بيني وبينك خمرة وأغاني”، و”أمشي إليك”، لكن القدر لم يتح لعشاق فيروز والسنباطي سماع هذه الأغاني رغم الانتهاء من أغنيتين منهما وتسجيل بروفاتهما النهائية.

نرشح لك: محمد عبد الخالق يكتب عن فيروز “المصرية” (2-3)

إذا اشتعلت نيران الحرب الأهلية اللبنانية في أواخر 1980، ليعود السنباطي لمصر ويطلب من فيروز أن تنتقل للقاهرة بعيدا عن أجواء الحرب لاستكمال مشروعهما، لكن فيروز رفضت بشدة ترك لنان في محنته وصممت على البقاء في منزلها الذي تعرض بالفعل جزء منه للقصف، ورغم ذلك لم تغادره طوال الحرب، و لينشغل الجميع بالحرب وآثارها، ثم رحل السنباطي بعدها بعام واحد 1981، لتظل الألحان مسجلة بصوته في حوزة الموسيقار ميشيل المصري رافضا منحها لأي جهة حسب وصية السنباطي، مؤكدا أنه أوصى أبنائه بدفن هذه الألحان معه في قبره عند موته.

كمال الطويل و”بكرة يا حبيبي” الذي لم يأتِ

داعب التلحين لفيروز خيال الملحن المصري الكبير كمال الطويل، ودون اتفاق رآها في لحن جديد وضعه لها على كلمات للشاعر عبد الرحيم منصور، وانتهي بالفعل من وضع اللحن كاملا بروح ومذاق يناسب فيروز، لكنه لم يتواصل معها أو يسمعها اللحن، ليخرج في النهاية بصوت الفنانة الجزائرية وردة، في واحدة من أروع وأرق أغنياتها “بكرة يا حبيبي”.

السينما الفيروزية مصرية 100%

“السينما ابنة شرعية للمخرج” … هذه قاعدة فنية اتفق عليها الجميع، وهى أن الفيلم السينمائي ابن شرعي للمخرج، يُنسب له، ورغم اشتراك عناصر عدة في العمل السينمائي، نجد دائما جائزة “أحسن فيلم” يتسلمها المخرج وتضاف لرصيده، ورغم أن فيروز قدمت للسينما ثلاثة أفلام فقط طوال مسيرتها الفنية التي تجاوزت الستين عاما، كلها تدور حول قصص وأسماء وأحداث وأماكن لبنانية، فإن اللافت أن الأفلام الثلاثة أبناء شرعيين لمخرجين مصريين هما (هنري بركات – ويوسف شاهين)، أي أننا يمكننا بكل ثقة القول أن فيروز التي تَمنَّعت على أو مُنِعتْ من الغناء المصري، عندما أرادت استكمال صورتها الفنية الغنائية بأعمال سينمائية، -وهي خطوة مهمة جدا لم يُهملها أحد من عمالقة الغناء، وكانت سببا لحفظ تراث غنائي ضخم، في ميزة لم تتوفر للسابقين- لم تجد هي والأخوان رحباني غير السينما المصرية لتقدمها للشاشة الذهبية.

يوسف شاهين “بياع الخواتم”

بدأت فيروز مشوارها السينمائي القصير بفيلم “بياع الخواتم” عام 1964 من إخراج يوسف شاهين وتأليف الأخوين رحباني، وقصته مُقتبسة من مسرحية تحمل نفس الأسم، وشاركت فيروز في التمثيل به شقيقتها هدى حداد.

حكى المخرج العالمي يوسف شاهين قبل وفاته في أحد لقاءاته التليفزيونية ذكرياته حول هذا الفيلم وكيف تعامل مع فيروز والرحبانية قائلًا: “كانت فيروز صغيرة ورقيقة جدًا وهادئة، بينما كان عاصي الرحباني مؤلف الفيلم يمثل معنى “الديكتاتورية الفنية” حرفيا، ويتصرف بشكل حادٍ وقاسٍ مع فيروز، وأثناء عمل بروفات أحد المشاهد طلب شاهين من فيروز القيام بشيء ما لكنها لم تنفذ ما طلبه كما يجب، وهنا (حسب يوسف شاهين) اندفع عاصي صارخا في وجهها يعنفها لماذا لم تنفذ المشهد كما طلب المخرج”.

أضاف “شاهين”: “لم أتمالك أعصابي أمام هذا التصرف فنهرته بشدة وقلت له لا تتدخل، ما فعلته هو ما كنت أريده”.

بركات المصري ذو الجذور اللبنانية “الأصل يحن”

بعد “بياع الخواتم” بثلاثة أعوام، قدمت فيروز فيلمها الثاني، ثم الثالث بعده بعام واحد، والفيلمين من إخراج هنري بركات، “شيخ المخرجين” المخرج المصري ذو الجذور اللبنانية.

يذكر أن الرحبانية عندما فكرا في تقديم فيلمهم الثاني 1967 (سفربرلك) تواصلا مع يوسف شاهين لإخراجه، لكنه اعتذر لعدم رغبته في تكرار نفسه، فوقع اختيارهم على بركات الذي حملت أهم كلاسيكيات السينما المصرية اسمه، وكان يعيش في هذه الفترة (بعد النكسة) في لبنان، فأخرج ثاني أفلام فيروز من تأليف الأخوين رحباني، وشارك فيه عاصي الرحباني ممثلا لأول مرة، ودارت أحداثه في إطار تاريخي وإن كان يلقي برمزية على أحداث العصر، حيث تدور أحداثه في عام 1914 عندما استولت القوات العثمانية على كل مخازن القمح بلبنان للقضاء على المقاومة الشعبية، وألزمت الجميع بالعمل في تقطيع الحطب.

أما الفيلم الثالث والأخير في مسيرة فيروز السينمائية فكان عام 1968 بعنوان “بنت الحارس” من تأليف الأخوين رحباني وأخرجه هنري بركات أيضا، وتدور قصته حول فتاة تحاول مساعدة والدها بعدما رأت ما تعرض له من ظلم.