مكرم المنياوي.. "دكتور الفن" وفيلسوف الغناء الشعبي

مينا عادل جيد

توفي أمس مكرم المنياوي، المطرب الشعبي الذي كان يُطلق على نفسه “دكتور الفن” وقال أيضًا عن نفسه “إذا ذُكر الفن ذُكر مكرم”. قد ترى أن مثل هذه الكلمات تعكس شخصية نرجسية مغرورة ولكن عندما تعرف من هو مكرم في قلوب محبيه قد تبتسم وتغفر لمكرم المنياوي ألقابه عن نفسه.

نرشح لك  “ألماظ” نظارة أحلام يستفز الجمهور 


جيل الخمسينات والستينات والسبعينات وما قبلهم في المنيا لما تيجي سيرة مكرم المنياوي يقولوا عليه “مكرم” بس ودي كفيلة إنك تفهم إن المقصود بها هو المطرب الشعبي “مكرم المنياوي”، حاجة كده زي الجمهور في القاهرة ما بيقولوا “منير” و”عمرو” على محمد منير وعمرو دياب من فرط شهرتهم.

مواويل مكرم على مدار نصف قرن كانت عبارة عن قصص تعكس العلاقات الاجتماعية في الصعيد، قصص تحتوي على بعض العبر والمواعظ، وبالضرورة تحتوي كل قصة منهم على حكمة قاطعة لا تقبل المناقشة، يقول مكرم مثلًا في موال الزمن “بقول راجل بلا ولد مدفون كأنه مات،” ويقول في موال وعدوا الحبايب “واللي بحطروا (بعزقه) الزمان تاني منين يتلم!؟”، خلاص هي خلصت ومكرم قالها يبقى أمين، إن كنت من جمهور مكرم فعليك أن تقبلها كده.

 

 

علاقة مكرم المنياوي بجمهوره أثارت حيرتي كثيرًا في المنيا، بالضرورة مستمع مكرم يُغمض عينه ويضع يده على رأسه ويتمايل تمايل النواح والحسرة على كل كلمة يقولها مكرم.. لو شُفت حد منياوي أو من الصعيد بيسمع مكرم على شريط كاسيت لا تملك إلا أن تبتسم من توحّد المستمع واندماجه بل وتحليقه في بعض الأوقات مع مكرم لما بيسخن في حتة من الموال ويقعد يكررها.

 

كثيرًا ما كنت أستمع إلى حوارات جيل جدي ومن بعده جيل أبي يستشهدون ببعض الكلمات من أغاني مكرم المنياوي لتثبت صحة كلامهم أو من أجل الدعابة، مكرم بالنسبة لمستمعيه ليس مجرد فنان يغني بلهجتهم ويناقش قضاياهم من خلال موال شعبي، مكرم بالنسبة لهم كان مصدر الحكمة في الحياة وناقل خلاصة التجربة الإنسانية. كل ما يقوله مكرم يعتبر قاعدة لا تقبل النقاش أو التفكير فيها، خلاص مكرم قالها كده تبقى كده، مكرم كان فيلسوف أجيال منياوية كاملة.

بحُكم انتمائي لعائلة منياوية تحب مكرم وتقدره فسمعته منذ طفولتي ومازلت أسمع أبي يُدنْدن بعض مواويل مكرم المنياوي التي يحفظها عن ظهر قلب برغم انقطاعه عن سماعها منذ 30 عامًا تقريبًا، بسبب ندرة هذه الشرائط ولكن مع ظهور الإنترنت عثرت لهم على بعض مواويل مكرم والذي احتفى بها عمّي وكأنه وجد كنزًا وأخذها معه أوروبا ونشرها هناك بين معارفه.

فيه جملة حلوة لمكرم المنياوي بحبها بيقول فيها “بس أنا فيا خصلة حلوة لا أفرح للي يجي ولا أزعل على اللي راح”، هتوحشنا يا دكتور الفن وفيلسوف المنياوية.