منى سلمان تكتب: مضيفات لا جواري

أسوا أنواع التمييز ضد النساء هو ما تمارسه امرأة ضد أخرى، كنت قد قرأت بيان نقابة العاملين بالضيافة الجوية قبل الاستماع إلى تصريحات النائبة جليلة عثمان الذي رد على ما وصفه البيان بانتقاد وزن وسن المضيفات و تصورت أن الرد مبالغ فيه و يعكس حساسية للنقد تظهر أعراضها على الكثير من الفئات المهنية المختلفة، فلم أصدق أن سيدة تعمل في المجال العام تتبنى هذه النظرة التي تقيس صلاحية المرأة للوظيفة بحجم خصرها أو عدد التجاعيد التي تحيط بعينيها و تساهم في تكريس هذه النظرة التي تتعامل مع النساء بمنطق السلعة التي لها تاريخ صلاحية وشروط للحفظ ! ثم استمعت إلى تصريحات النائبة في برنامج الزميل عمرو أديب و فوجئت ليس فقط بتصريحاتها و لكن أيضا بمنطقها !

نرشح لك: منى سلمان تكتب: يابس تمامًا بلا أي خضرة

السيدة النائبة التي استشهدت لتثبت وجهة نظرها بأن لا يمكن مثلا لمذيعة أن تطل على الجمهور بلا مكياج لا تعرف أن العالم تغير كثيرا فيما يتعلق بمعايير التنوع على الشاشات و رفض التنميط و معايير الجمال الثابتة، وأن المهن التي كانت تركز طوال الوقت على معايير الرشاقة المبالغ فيها والصبا أصبحت تسعى لمعايير أكثر واقعية و تنوعًا، فهناك العشرات من العارضات النجمات اللاتي يتقاضين أجوراً باهظة لتمثيل المقاسات الكبيرة، وفي الوقت نفسه فإن معظم الشركات العالمية تختار الوجوه التي تمثلها لنجمات في متنصف العمر “وجه لديه ما يحكيه ” كما يقولون.

في قناة اخبارية كنت أعمل بها وقت أن كانت شاشتها قبلة المشاهد العربي كان أبرز وجوهها الأستاذ جميل عاذر أمد الله في عمره و متعه بالصحة والعافية بشعره الأبيض و تجاعيد تحمل خبرة سنوات طويلة وتضفي عليه هالة من الوقار و الاحترام، وكنت أسأل بصوت عال: هل يمكن أن تحتفظ نفس الشاشة أو شاشة أخرى بمذيعة تتمتع بنفس الخبرة والكفاءة وتحتفظ بلياقتها وفي نفس الوقت بشعرها الأبيض وتجاعيد وجهها؟ ولماذا يمكن للمذيع أن يكون نجمًا وكرشه يمتد أمامه أو شعره ينحسر عن مساحات واسعة من رأسه بينما ينظر المشاهد العربي تحديداً إلى المرأة التي تعمل في وظيفة تستدعي ظهورًا عامًا بأن دورها هو أن ترفه عنه من خلال مظهرها؟

ولا أعرف ما هو الجزء في وظيفة المضيفة إذا كانت صاحبة خبرة وتقوم بعملها بشكل جيد وتحرص على مظهر مرتب ونظيف الذي يستدعي سنا أو حجما معينا.

الحقيقة أنني كنت أجد فيما هو شائع من أن هناك قواعد تقيد الزواج والإنجاب للمضيفات – إن كان هذا الأمر حقيقيًا – تمييزًا ضدهن، فلماذا يكون على المرأة أن تختار بين عملها وأنوثتها أو أمومتها؟ ولماذا يكون الاحتفاء بالأنوثة هنا متعلقا بالمظهر وليس الجوهر أو الدور الاجتماعي ؟ أليس الأولى أن توفر لها جهة عملها سبل القيام بعملها وأداء دورها الأسري إذا كانت قادرة و راغبة في القيام بكليهما !

أكتب هذه الكلمات و أنا أمام قناتي المفضلة : ماسبيرو زمان، وأشاهد برنامجًا تقدمه الراحلة فريال صالح بقوام ممتلئ يليق بسيدة خمسينية وبثقة وخبرة وكاريزما قد تنفق الكثيرات سنوات الصبا قبل أن يحصلن على نصفها.