سمير غانم.. (إكسير السعادة)!

نقلاً عن المصري اليوم

لماذا تُمنح جائزة فاتن حمامة التقديرية لسمير غانم؟!.. الإجابة هي مقابل ما أنجزه في مشوار عمره الفنى المديد الذي نتمنى له المزيد من العطاء..

سؤال ردده البعض بقوة ومباشرة بينما الآخرون كان السؤال يُطل من أعينهم، كلما قرأوا هذا الخبر (سمير غانم سيحصل على جائزة تحمل اسم سيدة الشاشة العربية)، ويجب بالمناسبة في البداية أن نذكر تلك الحقائق، أولا تم اختيار اسم سمير غانم بإجماع آراء اللجنة العليا لمهرجان القاهرة. ثانيا لم نتوقف كثيرا أمام أن سمير يصنف كفنان كوميدى بينما سيدة الشاشة تقف على قمة فنانى التراجيديا في العالم العربى، وذلك لأننا لا يعنينا في كثير أو قليل تلك التقسيمات الدرامية تراجيدية أو كوميدية، ما يهمنا بالدرجة الأولى هو العطاء ودرجة مصداقيته وأيضا جماهيريته، وبناء على توفر تلك المعايير تُمنح الجائزة، وسمير في الاختبارات الثلاثة صاحب باع طويل وإنجاز من المستحيل إنكاره.

أنا واحد من هؤلاء الذين وجدوا في طرح اسم سمير لتلك الجائزة منطقا يتجاوز حتى الإنجاز الفنى الذي حققه برغم غزارته وتنوعه في كل المجالات سينما ومسرحا وتليفزيونا وإذاعة، فنحن نتوقف هنا، أمام فنان منحنا قرابة 60 عاما من الضحكات الصافية، هذا الإشعاع وتلك البهجة التي أحدثها في قلوبنا، تتجاوز الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والفوازير و(الإسكتشات) التي لعب بطولتها أو شارك فيها نجمنا الكوميدى الكبير، والتى تعد لو خضعت للإحصاء الرقمى بالمئات، أهم من هذا الرصد المباشر، هو أن سمير غانم صار المصدر الطبيعى للضحك في مصر والعالم العربى، فهو العنوان الأثير لإكسير السعادة، الذي يخرج مباشرة من القلب، ليستقر في القلب، أنت لا تسأل عن قيمة الضحكة عندما تضحك، ولكن يكفى أنك تضحك تلك هي القيمة التي منحها لنا سمير غانم، ولا تزال توابع تلك الضحكات تسكن قلوبنا، فهى من فرط صدقها تتجدد كلما شاهدناها أو حتى تذكرناها، لاشك أن سمير غانم واحد من قلائل جدا ستظل ضحكاتهم تؤنس حياتنا كلما شعرنا بحاجتنا إلى ضحكة تغسل همومنا في هذا الزمن الضنين.

الإنسان ابن العصر الذي يعيشه وسمير غانم ابن زمن الصورة، أقصد الصورة المجانية العائلية التي واكبت دخول التليفزيون البيت المصرى وبالطبع العربى.

https://www.e3lam.org/2017/11/21/262222

عصر الصورة المجانية طرح مفردات مختلفة في التلقى، قبل ذلك كنا نعيش من خلال السينما زمن الصورة مقابل أجر، أنت ترى الفنان على الشريط السينمائى بعد أن تدفع حق تذكرة دار العرض، بينما يكفى أن تضغط على زر التليفزيون لتشاهد فنانك المفضل وإذا لم يعجبك لديك زر آخر للإطفاء أو ثالث للبحث عن عمل فنى آخر، أتحدث عن زمن التليفزيون قبل أن تدخل الفضائيات بقناواتها المتعددة والتى تقترب من 1500 فضائية ناطقة بالعربية تستطيع بمصاحبة (الريموت كونترول) أن تتنقل فيما بينها.

سمير غانم المولود في مطلع عام 1937، أي أنه وعمره 23 عاما كان التليفزيون العربى قد بدأ البث في مصر.

عرفنا (ثلاثى أضواء المسرح) مجموعة من الشباب في مطلع العشرينيات من عمرهم دخلوا إلى قلوبنا عن طريق التليفزيون

جورج وسمير والضيف طرقوا الباب بضربة ثلاثية الأبعاد، فلماذا الثلاثى؟.. هذا هو السؤال، إنه الرقم الأشهر في العالم، الدراما مدينة بتلك الثلاثية القائمة على قالب (الزوج والزوجة والعشيق أو العشيقة)، أحيانا يطلقون عليه الثالوث الدموى لأنه يؤدى للعنف والقتل، بين الأطراف القريبة، ويبقى الوجه الآخر لتلك الثلاثيات التراجيدية، أقصد الوجه المرح الكوميدى ستجده أيضا مقرونا بالثلاثة، الأصدقاء والأعداء والأغبياء والمغامرون واللصوص وغيرهم أغلب العناوين الفنية للأفلام مدينة لرقم ثلاثة.

سمير وطبقا لما رواه لى هو صاحب البذرة الأولى لتلك الثلاثية، منذ أن كان طالبا في كلية الزراعة.

في بداية ظهوره كانت الصلعة هي بمثابة القوة الضاربة له، فأراد أن يتخلص منها تماما، ليصبح الحكم على الفنان الكوميدى الساكن في أعماقه.

سمير غانم ينطبق على ملامحه أمارات الوسامة، وهو يريد التأكيد على ذلك، فهو لم يعتمد على ملامحه الخارجية في إثارة الضحك، من الممكن أن يلجأ مثلا للتعبير الحركى والمبالغة في الأداء خاصة في طريقة المشى والتى تتحول إلى لزمة تتكرر معه مثل مشية (الأوزة)، أو في التعبير الصوتى، الذي يملك من خلاله سمير تقديم العديد من الأصوات وبمختلف التنويعات، إلا أنه لا يلجأ أبدا لتقديم كوميديا الملامح.

سمير حالة خاصة على المخرج أن يأخذها كما هي ويضيف لها فقط هامشا من التفاصيل، ولكن من المستحيل، أن تعيد بناء سمير غانم ليصبح هو الشخصية الدرامية، كما هي مكتوبة نظريا على الورق، عليك أن تأخذ منه وتضيف شيئا يشبه سمير وهذا هو بالضبط ما فعله المخرج الراحل الكبير فهمى عبدالحميد في تعامله مع سمير غانم وهما ينسجان ومعهما الكاتب عبدالرحمن شوقى شخصية (فطوطة).

سمير يتحرك بحرية مفرطة حتى أمام الكاميرا والتى تفرض على الممثل الكثير من الالتزامات والقيود، لأن الحركة محسوبة بدقة وبالطبع الكلمة، زمن اللقطة ووضع الكاميرا والزاوية وأيضا (الميزانسين) لحركة الممثل تفرض الكثير ولا تسمح سوى بالالتزام المطلق بكل تلك التفاصيل، وهو قطعا ما يتعارض مع التكوين الفنى لسمير غانم ولهذا فإن سمير تستطيع أن تعتبره فنانا يشارك في بطولة الأعمال في الوسائط الأربعة، المسرح والسينما والتليفزيون والإذاعة، إلا أن موطنه الأصلى هو المسرح، الممثل في المسرح المصرى عندما يقف على الخشبة خاصة في الأعمال الكوميدية، يُصبح هو الحاكم الآمر الناهى صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، سمير غانم ينتمى إلى هذا النوع من الكوميدية (الكوميدى دى لارتى) الارتجالى، الجينات الإبداعية التي يمتلكها سمير تتحرك وفقا لهذا المعيار، فهو ينطلق من دور إلى دور ولا يضع أي شرط، على الحركة والموقف، يدرك بلماحية كل تفصيلة من الممكن أن يضعها لتخدم الشخصية، ولهذا فإن كاميرا السينما المنضبطة بطبعها من الصعب أن تحتويه أو تقيده. هو يحتاج إلى مخرج يستوعبه ويحدد معه بعدها كيف يضع الكاميرا والزمن ويحدد الزاوية طبقا لحالة سمير غانم. إنه الفنان التلقائى الأول في تاريخنا الفنى، ولكنه لم يعثر بعد على المخرج السينمائى الذي يستوعب تلك الطاقة ويضيف إليها.

نعم هناك العديد من التلقائيين في حياتنا الفنية ولكن الألفة الذي يقف في مقدمة الصف هو ولاشك سمير غانم، فهو الذي صنع إحساسه ولزماته، على الشخصية الدرامية أي شخصية تُسند له بطولتها، هو لا يتعمد أن يخطط لها، بل يتركها هي لتعبر عن نفسها من خلاله.

لو سألته عن خطوته التالية سيقول لك لا أدرى بالضبط أين تلك الخطوة، هو يبدو دائما بعيدا عن التخطيط الذي هو في نهاية الأمر ما يمنح الفنان عمرا إضافيا، ورغم ذلك فإن سمير تمكن حتى من الانتصار على نفسه، فهو لا يزال قادرا على أن يمنح جمهوره ومضة كوميدية تنعش حياته، وكثيرا ما تجده يقفز فوق الأرشيف الخاص به، وأعنى بكلمة أرشيف تلك اللزمات التي نجدها تتكرر بين فنانى الكوميديا لتصبح ملازمة لهم، قد يستدعى سمير شيئا ما من رصيده السابق ولكنه من المؤكد سوف يُضيف إليه لمحة عصرية، فهو لا شعوريا أدرك أن الفنان مع الزمن يرسل أكثر مما يستقبل، هنا مكمن الخطورة وخاصة لفنان الكوميديا، الذي عليه أن يظل محتفظا بقدرته على الاستقبال ليصبح هو والجمهور على نفس الموجة.