هل فقد "مارك زوكربيرج" السيطرة على "فيس بوك"؟

محمد إسماعيل الحلواني

في ظل رقابة مشددة من الكونجرس، وجد عملاق التواصل الاجتماعي نفسه مضطرًا للإجابة عن أسئلة هامة بشأن ما إذا كان بإمكانه التحكم في الموقع الأشهر، فقد مَثُل مسؤولون تنفيذيون كبار من فيسبوك وجوجل وتويتر أمام لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ للإدلاء بشهاداتهم حول ملابسات استغلال نشطاء من روسيا لهذه المنصات في نشر معلومات مغلوطة، مما تسبب بشكل عام في حالة من الانقسام والفوضى في أثناء الانتخابات الرئاسية لعام 2016.

ودارت في أثناء جلستي الاستماع نقاشات مطولة حول تفاصيل هذه الحملات التي يقدر عدد ضحاياها بنحو 126 مليون مستخدم في فيسبوك وحده. ولجأ ممثل فيسبوك إلى التقليل من شأن ما نشره الروس من أخبار وهمية، إلا أن الموقع تعرض لانتقادات لاذعة من أعضاء الكونجرس، ويبدو أن ممثل شركة فيسبوك خرج من جلسة الاستماع بتكليف مرهق للغاية، فقد ألزمه النواب بإيجاد طريقة عالية الكفاءة لإبلاغ عشرات الملايين من المواطنين الأمريكيين بأنهم كانوا عرضة للخديعة من قبل دعاية روسية، وضغط أعضاء الكونجرس وعدد من الاختصاصيين الفنيين على الشركة لكي تقوم بتحديد المستخدمين الذين تعرضوا لأكثر من 80,000 منشورًا كاذبًا على فيسبوك، وتداولوا أكثر من 120,000 صورة مفبركة على تطبيق انستجرام، علاوة على 30,000 إعلان تبين من تتبعها أنها منشورات دعائية روسية استهدفت إحداث حالة من البلبلة والانقسام في المجتمع الأمريكي، في مثال غير مسبوق للتدخل الخارجي في القرارات الوطنية.

من جهتها، نفت الحكومة الروسية بشكل قطعي قيامها بأي تدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، ونأت بنفسها عن أي تحقيقات في هذا الخصوص. ووجه السيناتور الديمقراطي “جاك ريد” اللوم لمستشار وممثل فيسبوك “كولن ستريتش”، في أثناء جلسة الاستماع أمام لجنة الكونجرس، قائلاً: “عندما تكتشف على منصتك أنباءً كاذبة دستها حكومة أجنبية، فإنني أفترض في ضوء إفادتك التي أدليت بها اليوم، أنك ستقوم بحذفها وإيقاف هذه المهزلة”. ونوه السيناتور “ريد” إلى أن هناك التزام أخلاقي يقع على عاتق إدارة فيسبوك بإبلاغ من تعرضوا لتلك الدعاية الأجنبية بحقيقة ما حدث، إلا أن ممثل فيسبوك رد بأنه غير متأكد من وجود آلية يمكن من خلالها إخطارهم، لأن تقديرات الموقع لأعداد ضحايا الأخبار المفبركة تعتمد على أسلوب “النمذجة”، وليس العد الفعلي للأشخاص والمستخدمين، وأضاف “ستريتش”: إن التحديات التقنية المرتبطة بهذا التكليف من قبل الكونجرس كبيرة وصعبة.

وشكك منتقدو الفيسبوك عبر وسائل الإعلام الأمريكية في أقوال “ستريتش” فأشاروا إلى أن الشركة تتعقب نشاط المستخدمين مثل ماذا يحبون وماذا يروقهم وأي العناصر سيقومون بالنقر فوقها لأغراض الإعلانات الممولة، وصرح “تريستان هاريس”، مسؤول بمنظمة “تايم ويل سبنت” المناهضة للإعلانات عبر منصات التواصل الاجتماعي بأن عددًا كبيرًا من المواطنين الأمريكيين لن يصدقوا أنهم وقعوا ضحية لخديعة أجنبية وأخبار مفبركة ما لم يصدر فيسبوك بيانًا يؤكد ذلك. ووصف “هاريس” فيسبوك بأنه مسرح جريمة مباشر، بل شبهه بكائن حي يتحرك ويتنفس، وشدد على أن الشركة وحدها هي التي يمكنها متابعة ما يحدث ومن ثم يمكنها إيقاف أي خطأ، إن أرادت، وأضاف أن نحو ملياري مستخدم يتلقون الاشعارات حول أعياد الميلاد والأحداث التي تنظم قريبًا في المستقبل وطلبات الصداقة والإشعارات ذات الصلة بالكوارث الطبيعية، فما المانع من إرسال إشعار يفيد بحقيقة ما جرى أثناء الانتخابات؟

جدير بالذكر أن أكثر من 83,000 مستخدمًا قد وقعوا على احتجاج الكتروني مطالبين فيسبوك بالكشف عن ملابسات المنشورات الروسية المدسوسة، وطرح نائب رئيس لجنة الاستخبارات، السيناتور “مارك وارنر”، أثناء كلمته قياسًا على صناعة أخرى، فقال: “إذا كنت متواجدًا في مرفق طبي، وتعرضت لعدوى مرض ما، فسيتعين على المرفق الطبي أن يخبر الأشخاص الذين تعرضوا للعدوى فور علم المرفق بذلك”.

ويتضمن القانون الأمريكي مفهومًا يعرف باسم “واجب التحذير ما بعد البيع”، والذي يوجب إخطار المشترين السابقين إذا اكتشف المصنع مشكلة في منتج ما. وقال “كريستوفر روبينيت”، أستاذ القانون بجامعة ويدنر في ولاية بنسلفانيا، إن هذا الواجب القانوني لا ينطبق على فيسبوك. وأوضح أن المحاكم ستستند في حكمها على الأرجح إلى أن وسائل التواصل الاجتماعية ليست منتجًا بل خدمة، معفاة من الواجب المشار إليه. كما أن المحاكم لا تريد التدخل في حرية التعبير.

وأضاف “روبينيت” أنه على الرغم من أنه يعتقد أن إرسال إشعارات للمستخدمين بشان ملابسات ما حدق أثناء الانتخابات سيبدو فكرة جيدة، إلا أنه لا يرى أهمية كبرى لفعل ذلك.