مينا فريد يكتب: هل تعلم كم مرة تم التحرش بزوجتك/ أمك/ أختك؟

(1)

“مفيش ست ما حصلش ليها تحرش … مئات الألوف من البنات و السيدات يتعرضن لتحرش لفظي أو تفحص بالعين أو محاولة للمس يوميا في شوارع مصر … لا يزيد عدد من يواجه المتحرش يوميا العشرات ولا تزيد عدد البلاغات عدد اصابع اليد الواحدة”.(إحدى ضحايا التحرش في برنامج تليفزيوني(

” عدد النساء اللاتي سبق و حدث لهن حادثة تحرش على الأقل 99.3 %”، (الأخبار اللبنانية)

و هذا الرقم غير مبالغ فيه .. لو علمت أن تعريف التحرّش الجنسي هو:

أي صيغة من الكلمات غيرمرغوب بها أو الأفعال ذات الطابع الجنسي والتي تنتهك جسد أو خصوصية أو مشاعر شخص ما وتجعله يشعر بعدم الارتياح، أو التهديد، أو عدم الأمان، أو الخوف، أو عدم الاحترام، أو الترويع، أو الإهانة، أو الإساءة، أو الترهيب، أو الانتهاك أو أنه مجرد جسد.
المحجبة يتم التحرش بها – المنقبة يتم التحرش بها – المتبرجة يتم التحرش بها
الفارق الرئيسي هو أن المتبرجة لا تجد رد فعل شعبي مؤيد لها.

(2)

بدايتنا من الزقازيق…

القصة حسب المحضر الرسمي .. بنت من مركز أبو كبير .. سافرت لحضور عرس في مدينة الزقازيق قابلها شقيق العروس و أثناء التوجه للعرس تجمهر مئات الشباب حولها و بدءوا في الاعتداء عليها لأنها ترتدي فستان قصير تخلص الشاب من الجموع و تركها و هرب – جدع الحقيقة هكذا تكون الرجولة -.. مجموعة من أصحاب المحلات نجحوا في إخراجها بعد أن سقطت أرضا و بدءوا في الاعتداء عليها..
أبلغ الأهالي الشرطة و اضطرت لإطلاق الأعيرة النارية لتفريق التجمع المكون من مئات الشباب… و أخلت سبيل الضحية بعد أن أدلت بأقوالها .

حدثت هذه القصة في شارع القومية .. أرقى شوارع الزقازيق.. في مصر..

https://www.youtube.com/watch?v=IZqge81I1vU

أتوقف قليلا عند كل حادثة تحرش كشاب و أسأل ما هي المتعة التي يحصل عليها المتحرش ؟ ما شعوره و هو يلمس فتاة تصرخ ؟ كيف يشعر بإثارة ,ما المتعة في الإيذاء ؟ هل تحول الشعب لأغلبية سادية؟ أو هي محاولة لتفريغ كبت اقتصادي وسياسي بصورة عنيفة؟

(3)

لنتوقف قليلا عن ذكر مقولة التدين و الإيمان و الشعب المتدين بطبعه .. نحن من أكثر شعوب العالم تحرشا بالنساء… و من أكثر شعوب العالم استهلاكا للمخدرات.. و من أكثر شعوب العالم زيارة للمواقع الجنسية.. من أكثر شعوب العالم فسادا .
نحن شعب متدين تدين ظاهري بطبعه.. يحب الأقنعة و يوقر من يلبس القناع بدقة .. يوقر الهيئة و الملابس أكثر من الروح .. الصلاة أصبحت حجة لعدم العمل في أغلب المصالح الحكومية .. و بحجة الصلاة يتغيب الموظف أكثر من ساعة ليعطل مصالح عشرات الناس …

تدخل رجال الدين في الملابس و في الحريات و ليس فقط رجال الدين المسلمين بل أيضا المسيحيين أصبح واضحا و صريحا… أصبحت النساء و أجسادهن هي الوسيلة التي ينفس بها جموع الشعب عن كبته و هي الإطار المحبب لممارسة السلطات…

(4)

الحقيقة ان أصل الإنسان الهمجية و ليس الرقي … وضعت القوانين لتنظيم حياة البشر و لهذا عند ضياع القانون يتحول الجمع من الإنسانية للهمجية..و الهمجية أسوأ من الحيوانية … لم نسمع عن تحرش جماعي بأنثى الزرافة مثلا في إحدى الغابات ..
ما يسبب انتشار التحرش بهذا الشكل هو غياب دور فعال للقانون.. لو نظرنا في فتاوى الإنترنت من منظور ديني فسنجد جانبين أساسهما واحد و هو حديث “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده … ” حسب كل مواقع الفتاوى الإلكترونية غير المتطرفة يستخدمون هذا الحديث لمواجهة التحرش .. أي عندما تشاهد حادثة تحرش تدخل لأن هذا منكر .. أما في الروايات المتطرفة من المواقع إياها فيستخدمون ذات الحديث لتأكيد أن تغيير المنكر (التبرج) بالإيذاء سيسبب عدم تكراراه…
طبعا كل صاحب عقل سيميل للفتوى الأولى… و لكن هناك نسبة ستميل للثانية.. و لهذا كان الالتزام بالقانون و ليس رد الفعل الشعبوي واجبا… و ليس فقط ضروريا

(5)

حسنا…هناك قانون لمواجهة التحرش موجود بالفعل.. ما الذي يمنعه؟

تحكي نعمة جمال عازر إحدى ضحايا التحرش قصة من ضمن عشرات القصص المماثلة

” كنت ضعيفة عندما تعرضت لأول حالة تحرش باللمس في الشارع وذهبت لإبلاغ القسم فإذا بي اتعرض لنوع آخر من التحرش على يد رجال الأمن بالقسم حيث أخذوا يسألونني “هو عمل غيه؟ مسك….؟ ولا وضع يده على…؟ كلها ألفاظ بذيئة ألمتني أكثر من الحادث نفسه ، ثم اخذوا يتبادلون الابتسامات تجاهي ويسألونني ” أنتِ كنتي رايحة تقابليه؟” ، “أنتِ تعرفيه قبل كده؟”، وجدتني اخرج مسرعة من القسم وعندما عدت بعد فترة وسألت على رقم المحضر لأتابع القضية وجدتهم أعطوني رقم وهمي ولا يوجد محضر بهذا الرقم.

تقاعس الشرطة ومن بها من فئة من محدودي العلم و الثقافة ممن يواجهون الضحية -و خصوصا لو كانت متبرجة بالمفهوم الشعبي -بطلب العفو و عدم تعريض مستقبل الشاب للضياع.. رغم تسببه في إذاء نفسي و بدني للضحية.. تقاعس يجب الوقوف أمامه كثيرا…و هو مسئولية الدولة أولا وأخيرا.

الكل معرض للتحرش بشكل أو بآخر.. و مجتمع به من يغتصب طفلة ترتدي البامبرز .. لا تستبعد منه أي شيء …
هل نسيتم قصة السيدة المسنة التي تجمهر أهل قرية بالكامل عليهم لتعريتها و تصويرها إمعانا في إذلالها … هل لازلتم تذكرون كيف انتهت القضية ؟ هل تذكرون المحافظ / مدير الأمن و تعليقاته المبسطة للأمور … هل تذكرون كيف مررت القضية من النيابة؟ أظنكم تعرفون كيف مرت .. كما تمر القضايا المماثلة في مصر…

(6)

“إحنا أصل الحضارة و الباقيين كانوا خيام”

حسنا في بلاد الخيام كما يحب مطبلاتية الإعلام ان يصفوها مع كل مشكلة و خلاف سياسي أو حتى بدون سبب … من باب و النبي لنكيد العزّال…

الإمارات – عمان – قطر … لا يوجد ظاهرة تحرش رغم ضمها لمختلف جنسيات الأرض و دياناتها و عدم وجود أي تضرر من رؤية فتاة ترتدي شورت قصير جدا في الشارع.. بلاد الخيام أصبحت لا يوجد بها سنويا حوادث تحرش أو اغتصاب إلا حوادث لا تتعدى عددها أصابع اليد الواحدة .. لماذا ؟

لأن الكل يحترم القانون … يخشاه .. يعلم تمام العلم أن الشرطة لن تتأخر في المجيء و لن تطلب من الضحية التنازل و لن يمر أي فعل مهما كان صغيرا يفعله…

كفانا تغني بالحضارة و التدين و معايرة الآخرين بالتاريخ .. فضائحنا ملء السمع و البصر …. حتى أصالة ابن البلد الجدع التي كنا نتغنى بها لما تعد موجودة…. لدينا تاريخ و لديهم حاضر … ترى من سيكون أفضل في المستقبل ؟

لا نريد أن نكون أد الدنيا …. نريد أن نكون زي الدنيا .. الدنيا الحقيقية التي يتمتع بها المواطن بالأمان فقط الأمان.

و الأمان لا يأت من محاربة الإرهابيين فقط .. الأمان يأتي من تنفيذ القانون .. الأمان يأتي من الفكر .. من التعليم … و الأمان في رأيي نحتاجه أهم من الإيمان ..

“و اللي عنده قانون ينفذه” ..