مينا فريد يكتب : كلمات يونس الأخيرة

النبي يونس الذي يعرفه المسيحيون بإسم “يونان” حسب الإسم العبري له الذي يعني حمامة تحكي كل الأديان عنه بقصة يعلمها الصغير قبل الكبير -رغم بعض الإختلافات – و لكنها تتفق كل الروايات في إبتلاعه من قبل حوت …

بعد أن قرر الهروب من الله تعالى .. هاج البحر عليه فقرر من في السفينة إنقاذها بعمل قرعة تحدد من سبب الغضب الإلهي فوقعت القرعة على يونان و ألقوه في البحر و أرسل الله حوت ليبتلعه .. و عند رجوعه و توبته أنقذه الله و ذهب لتأدية رسالته بتحذير أهل مدينة نينوى من غضب الله … الذين بدورهم يعترفوا و يتوبوا…

يونس مر بكل مراحل الشك و الإيمان و الخوف و الشجاعة .. يونس إنسان صاحب رسالة .. و لكنه إنسان… إنسان به كل ما بأي إنسان من ضعف و أمل وشك و أيضا قدرة على التغيير…

“لوحة لمايكل أنجلو في كنيسة سيستينا في روما لمايكل أنجلو”

في رواية “كلمات يونس الأخيرة” من أفضل ما قرأت في هذا العام يحكي لنا كاتبها يوسف نبيل عن “يونس” الشاب المصري .. مصور الأفراح البسيط الذي يبدأ فيه رحلة تجمع بين الحقيقة و الخيال للوصول لحالة إنسانية موحدة مواجهة لكل سلطة أو إستبداد محيط بالمجتمع بداية من الإستبداد رأس المال لإستبداد السلطة لإستبداد المؤسسات الدينية لإستبداد الذات …عن طريق أكثر من محور سردي.. و أكثر من صراع نفسي .. شخصيا تستهويني الروايات المعتمدة على هذه التيمة .. أشهرها رواية ” نادي القتال” لتشاك بولانيك و “أن تكون عباس العبد” لأحمد العايدي…

يأخذنا يونس في رحلة مرهقة و محزنة تبدأ بفرح ظاهري.. في تصوير زفاف لإثنين من الطبقة العليا في المجتمع في صراع شخصي مرير ما بين ما اشعر و ما يجب أن أفعل…و تمر على الدماء في ماسبيرو باكية و تشهد على قتل الشيخ حسن شحاته الشيعي متألمة.. و ترصد تغيرات الإخوان من رفقاء ميدان كما كان يظنهم الثوار لأعداء في أحداث الإتحادية… ثائرة… بالتوازي مع رصد و مواجهة قد لا تستطيع التحديد هل تمت أم هي فقط أحلام في عقل يونس يتخيلها حتى الجزء الأخير الذي يقول فيه يونس كلماته الأخيرة.

أغلب الأحداث التي يحكيها يوسف في الرواية موثقة بالفيديو .. مثلا في فقرة يحكي عن سؤال من زوجة لقداسة البابا شنودة الثالث عن عدم قدرتها الطلاق رغم ضرب زوجها لها .. يومها رد البابا ضاحكا ضرب الحبيب زي أكل الزبيب…

هي مجرد مثال لأشياء صادمة و لكن و يمكن الإطلاع عليها.. أغلب الأحلام / المواجهات هي أفكار عالم النفس و الفيلسوف الألماني”إريك/إريش فروم” في كتابية “المجتمع السوي و ثورة الأمل” أو أفكار “روجيه جارودي” في كتابه “مشروع الأمل” ….

“روجيه” الكاتب و الفيلسوف الفرنسي هو أيضا صاحب كتاب “حوار الحضارات” الكتاب الأشهر له مع كتاب ” أساطير بنيت عليها إسرائيل”

رحلة يونس المصري لا تختلف كثيرا عن رحلة يونس النبي من مروره بلحظات شك و ضعف و عدم إيمان و ثورة و مواجهة و قرب و إقناع.. لو كان يونس النبي ينادي بالتوبة و الرجوع لله فيونس المصور ينادي بالإنسانية و مواجهة الذات و تغيير أساسيات و محاور الكذب في المجتمع..

تختلف أو تتفق مع يونس في أفكاره في الرواية حقك.. ستصدقه ربما..ستتمنى الهرب مع رفاقه للعيش في الصحراء و تكوين مجتمع جديد مواز .. ممكن…ستفهم أسبابه… أكيد … ستستشعر حبه للحياة و رغبته في السلام .. لا شك في ذلك…

يوسف نبيل خريج الألسن الروسي الحائز على جائزة ساقية الصاوي عامي 2008 و 2012 و جائزة “إحسان عبد القدوس” -جائزة هيئة قصور الثقافة لأفضل رواية تنشر فى سلاسل النشر الإقليمى على مستوى الجمهورية عن رواية موسم الذوبان-

لم يأخذ حقه في الأوساط الشبابية مثل أمثاله في جيله .. و لكنه كروائي و أديب شاب و مترجم من أهم المترجمين للروايات الروسية حاليا بدأ مرحلة جديدة في هذه الرواية في الوصول للناس …

لست بناقدا أدبيا ولا فنيا و لكنها للأمانة رواية رائعة تستحق تماما أن تقرأها …رغم قوة خيوط الرواية و صدقها هناك نقاط ضعف كانت من الأفضل أن تتلاشى ليصبح تقييمها يقترب من الخمس نجوم…

البداية هي الغلاف.. الغلاف من الواضح بذل مجهود كبير في تصميمه و محاولة وضع أفكار كثيرة فيه للوصول للمضمون و الحقيقة أن كثرة التفكير لا تفيد دائما… يعتمد بعض الناشرين على غلاف جذاب بشكل حديث يعتمد على الجرافيك مع عنوان مثير أو تصوير فوتوغرافي كما يفعل أحمد مراد و بعض الأحيان يكون المحتوى لا شئ.. هنا القصة إختلفت غلاف مزدحم أقرب لسكتش حصة الرسم … بالإضافة أن اللون الازرق غير مناسب أبدا للجذبهو لون البحر و بارد لا يتناسب أبدا مع الصراعات الداخلية و الخارجية التي تبدأ من الصفحة الأولى حتى النهاية…ربما مالت المصممة لقصة يونان/يونس.. ربما..

“غلاف الرواية من تصميم ماريا سمير”

ثاني نقطة ضعف هي الجمع و التصغير..من المقبول للقارئ العادي أن يسمع عن نماذج سلبية في أي تجمع بشري.. أما ذكر أن الكل سئ أو عرض كل النماذج السيئة فقط في الرواية تجعل المتلقي يقول ” هو يبالغ” و تجعل القدرة على تغيير فكر القارئ ضعيفة جدا.. أيضا الضغط على تعريف كل من يقبل الظروف بالجبان المستسلم الضعيف… تجعل المتلقي و إن كان هناك إمكانية للموافقة بكل غضب يلفظ كل تلك الأفكار ….

تحضرني قصة ذكرها أحمد خالد توفيق في إحدى مقالاته…

” إبراهيم نصر في التسعينات كان يقدم الكاميرا الخفية .. في إحدى الحلقات قام بدور جزار عنيف وقفت سيدة بسيطة أمامه لشراء اللحم فوضع لها الدهن بعد أن حصل على المال و بسبب شكله المرعب و سكوته كانت السيدة البسيطة تخشى أن تعاتبه.. هنا يأتي دور أحد الممثلين الذين يأتون للضغط عليها و يدوس على جراحها و يواجهها بضعفها.. هل تعلم ماذا فعلت السيدة البسيطة ؟ ثارت في وجه من يحاول أن يجعلها تأخذ حقها و قامت بإلقاء ما أخذته من الجزار في وجهه”

أخيرا بقى أن أذكر أن الرواية نشرتها دور نشر روافد و موجودة في عمر بوك ستورز – البلد – آفاق – سنابل – ليلى …

لو أحببت قبلا نبوءات عز الدين شكري فشير في “باب الخروج” أو الصراع النفسي القوي في “نادي القتال” … أنصحك بقراءتها اليوم قبل الغد…

شخصيا..

أتمنى من قلبي التوفيق ليوسف نبيل الذي أتفق أو أختلف مع أفكاره لا يسعني سوى تصديقه و تقديره و أتمنى أن يأخذ حقه فقط حقه في التقدير في أوساط الشباب بما يتناسب مع إبداعه…