شيكو وهشام ماجد.. نكتفى بهذا القدر!!

طارق الشناوي – نقلًا عن المصري اليوم

 

إيقاع الضحك يتغير من فترة زمنية إلى أخرى، وهذا بالطبع لا يعنى أن نتوقف عن الضحك مع النجوم القدامى بمجرد بزوغ نجم جديد بمفردات عصرية مغايرة لما تعودنا عليه، ولكن من الممكن أن يُصبح هناك إضافة يحملها فنان الكوميديا القادم هناك، ولاشك حاجة لا شعورية لدى الجماهير تؤدى إلى بزوغ لون جديد من الكوميديا، وكما أن الحاجة أُم الاختراع، فإن تعطش الناس لضحكة مختلفة هو الذي يهيئ عادة مشاعرهم لاستقبال لون جديد.

فكرة الثلاثية جزء من الثقافة المصرية، كان لدينا ثلاث مطربات أطلق عليهن الثلاثى المرح، وظهر بعدها ثلاثى النغم، وعدد كبير من الأفلام تعتمد على البطولة الثلاثية، وهكذا استقبلنا قبل بضع سنوات الثلاثى هشام ماجد وأحمد فهمى وشيكو، هذا الثلاثى يذكرنا بما حدث في بدايات التليفزيون المصرى عام 60، الذي واكب أيضا بدايات الثلاثى جورج وسمير والضيف، حيث كان يجمعهم محاولات أثناء الدراسة في نهاية الخمسينيات في فريق التمثيل بالجامعة، عندما اكتشفهم المخرج التليفزيونى محمد سالم وقدمهم في دائرة أوسع انتشارا وهو التليفزيون، الذي كان في تلك السنوات لايزال وليدا، وهو ما تكرر أيضا مع هذا الثلاثى الجديد الذي جمعتهم في مطلع الألفية الثالثة فرقة كوميدية شاركوا فيها أثناء الدراسة، ومن هنا كانوا بحاجة إلى عين خبير تلتقطهم، لتقدمهم في مساحة جماهيرية أوسع.

وهكذا قبل أقل من عشر سنوات كان الكاتب والمنتج محمد حفظى هو العين التي قدمتهم أبطالا لأول مرة في السينما، كانوا يعرضون أعمالهم بروح الهواية، فقرر أن يُدخلهم إلى دائرة الاحتراف، وأنتج لهم أول أفلامهم (ورقة شفرة) للمخرج أمير رمسيس. الأعمال الفنية في مجملها التي رأيناها لهذا الثلاثى تُشبههم، بها أيضا ملامحهم وطموحهم وزمنهم، وهى في مجملها تقع في إطار (البارودى)، التي تعنى محاكاة ساخرة لشخصيات ومواقف فنية من الأفلام المصرية القديمة، وتحديدا ما دأبنا أن نرفع لها تعظيم سلام من فرط الوقار والاحترام، فهم يتمتعون بروح ساخرة تعيد النظر، أو هي بالأحرى تُطل بعين أخرى على القديم والمتعارف عليه وتحيله إلى حالة سينمائية ضاحكة، ونتابع ذلك بوضوح في أفلامهم التالية لـ(ورقة شفرة)، مثل (سمير وشهير وبهير)، و(بنات العم)، وصولا إلى (الحرب العالمية الثالثة) الذي قفزوا فيه لذروة القمة الجماهيرية، وهكذا ستجد مهما كان الخط الرئيسى الذي تحمله أفلامهم فإنهم في النهاية يرتكزون على نفس النقطة، وهى السخرية من الأفلام الشهيرة، وكأنها رأس الخيمة السينمائية التي يتحركون تحتها.

ولا يبتعد أبداً عن تلك التيمة فيلمهم الأخير (حملة فريزر)، تلك الحرب العسكرية التي وقعت تاريخيا في رشيد بين عامى 1807 و1809، وهى واحدة من البطولات المصرية التي دحر فيها شعب رشيد، بقيادة على بك السلانكى، حاكم تلك المدينة، العدوان الإنجليزى، تغلبنا بالإرادة الشعبية وعزيمة الجنود على حملة الجنرال (فريزر)، طبعا كاتب القصة هشام ماجد، ومؤلف السيناريو والحوار ولاء الشريف، أخذا فقط اسم فريزر بما يوحى به من صقيع وبرد ليصبح هو العنوان، وصار عليهما في كل حوار يسبق أو يواكب عرض الفيلم التأكيد على أنه ما يجمعهما بالحملة مجرد تشابه في الأسماء، قصة خيالية كعادتهما في افتراض المستحيل، لمحة خارج السياق الشائع لخلق حالة كوميدية بهامش فانتازيا، ودائما هناك سخرية من الأفلام المصرية حتى استخدام القبلات يتحول إلى سخرية من ممثلة الإغراء التي تؤكد أن الشخصية الدرامية هي التي يتم تقبيلها وليست الممثلة في الواقع، ومن هنا تأتى محاولة البحث عن الضرورة الدرامية من أجل أن يدور العمل الفنى في نفس المياه الإقليمية التي تعودا على السباحة الدرامية داخلها، لتبدأ منذ اختيار الممثل المغمور الذي أدى دوره شيكو لكى يساعد أجهزة المخابرات في الحصول على المعلومات الخاصة بالعثور على جهاز في إيطاليا لمكافحة موجة الصقيع التي تعانى منها مصر، التي كنا نتباهى بأنها لا تعرف سوى الاعتدال المناخى ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بالصقيع، فيبدأ رجال المخابرات في تأمين عملية البحث عن الجهاز، بحجة أنهم يصورون فيلما سينمائيا للممثل المجهول (شيكو)، الذي يؤدى دور الفيل، وتتم الاستعانة بممثلة إغراء مجهولة نسرين أمين، وتتعدد المواقف التي تعيشها الشخصيات، التي تتناول الخيانة الزوجية باعتبارها الأكثر جاذبية في السينما، ولأننا في إيطاليا فلقد كان ينبغى أن يتم استدعاء المافيا كعنصر مكمل، وأيضا وعلى طريقة الشىء لزوم الشىء فهناك حسناء تُقدم باعتبارها من أصل مصرى تؤدى دور زعيمة مافيا، وهى اللبنانية دارين حداد، كما أن أحمد فتحى يؤدى دور الوسيط المصرى- الإيطالى الذي يتولى الترجمة بين الجانبين.

منذ البداية والمخرج سامح عبدالعزيز يحاول أن يُقدم تفاصيل حالة الصقيع التي تعيشها الشخصيات ولا يستسلم فقط للإفيهات الكوميدية، ولكنه يحرص على أن نرى الجو العام، بينما السيناريو لم يكن يملك سوى القليل من الخيال، وهى مسؤولية المخرج الذي يبدو أنه لم يبذل أي جهد في إنقاذ السيناريو، الذي يعتمد على صياغة تنويعات على تيمة البارودى بتقديم مواقف عن أشهر مشاهد السينما، وهى المنطقة الدرامية التي يجيدها هشام وشيكو، إلا أنهم لم يخلصوا للفكرة الأصلية، وهى الحصول على الجهاز، التي بطبعها قادرة على أن تلد مواقف درامية مختلفة، بدلا من لى عنق المواقف للدخول إلى نفس المنطقة التي عصروها حتى آخر قطرة، وكأنهم يتمثلون طريق شعبان عبدالرحيم الذي لم يستطع تجاوز اللحن الواحد مهما تعددت واختلفت طبيعة الكلمات، فهم أيضا يقدمون نفس النغمة الدرامية.

المخابرات تعنى مباشرة الجدية بالطبع، وهذا يهيئ الفرصة لقدر أكبر لإثارة الضحك، هشام ماجد وبيومى فؤاد يمثلان هذا الجانب، بينما أحمد فتحى يبدو أنه النكتة المساعدة، وشيكو كان هو هداف الضحك، وهو بالمناسبة أخف الثلاثى دما، فهو يملك قدرا من التلقائية، ويدعوك للتعاطف معه، ويبقى هشام ماجد ربما يكون له نصيب أوفر في الكتابة الدرامية، لا أستطيع الجزم بالطبع فهم دائما، سواء كانوا ثلاثة أم ثنائيا، فأنت في الحالتين لا تستطيع أن تحدد الأكثر عطاء على الورق، ولكنى أتصور أن هشام ماجد في مجال الأداء الكوميدى هو الأقل قدرة على إثارة الضحك، ربما كان يستمد تواجده معهم بنفس المساحة من موهبته الأصيلة في الإضافة على الورق، هذا بالطبع مجرد افتراض لما يمكن أن تُسفر عنه مثل هذه التكتلات الثلاثية، كان ثلاثى أضواء المسرح بالمناسبة بينهم أيضا تلك التباينات، جورج هو الأكثر موهبة في فن الأداء، وسمير الأكثر قدرة على ارتجال الضحك، بينما الضيف أحمد هو العقل المفكر والقادر على التوجيه، وقد يمهد لضحكة يفجرها أي منهما، ولهذا كان هو الوحيد بينهم الذي مارس الإخراج.

(حملة فريزر) متواضع فنيا، ولكن يجب علينا ونحن نقيم الشريط السينمائى أن نضع خطا فاصلا بين التجارية والإسفاف، وهو بالطبع فيلم تجارى مباشر يخفق في تحقيق الهدف، ولكنك لا يمكنك أن تصفه بالإسفاف، هو فيلم فقير مصاب بأنيميا في الضحك إلى حد النُدرة، الجمهور ينتظر ضحكة فلا يجد أكثر من مجرد شروع في ابتسامة، الشاشة لم تحترم التعاقد والاتفاق المسبق مع المشاهد الذي كان يطمع في قدر مستحق من الانتعاش، وهذا ليس له علاقة بالمناسبة بانفصال أحمد فهمى عن شيكو وهشام، ولكن الرهان على الكوميديا في صقيع حملة فريزر كان بمثابة ضربة بداية خاسرة، وتعددت بعدها الخسائر!!.

نرشح لك: “عشان خارجين” فيلم بالهرمونات لا طعم ولا لون ولا رائحة!