"عشان خارجين" فيلم بالهرمونات لا طعم ولا لون ولا رائحة!

طارق الشناوي – نقلًا عن المصري اليوم

ربما يختلف معى كثير، ولكن هذه هى قناعتى، أن الفيلم التجارى رغم أنه لا يستحق قطعا الإشادة، إلا أنه لا يستحق أيضا على الجانب الآخر الشجب والازدراء، 80% على الأقل من الأفلام التى تنتجها السينما فى العالم تقع تحت طائلة قانون تلك النوعية، التى تعنى البحث فقط عن مشاهد تحدث تواصلا مباشرا مع الجمهور، إلا أن هناك فارقا كبيرا بين مخرج يملك الحرفة فى تقديم شريط تجارى، وآخر يُخفق فى الوصول إلى الناس.

الخط السحرى بين العمل الفنى والجمهور تستطيع أن تحيله فى الأسبوع الأول إلى طاقة جذب إيجابية يملكها النجم، بعيدا حتى عن مستوى الفيلم، ولكن فى الأسبوع الثانى، يبدأ حضور الشريط الفنى ليلعب دور البطولة، وحيث إنه لم تمض سوى أيام قليلة على بداية عرض أفلام العيد، فلا شك أن الصراع على جاذبية النجوم يحتل صدارة المشهد.

شاهدت حتى الآن خمسة من بين أفلام العيد الستة، الفيلم الوحيد الذى تأخر عرضه، ومن ثم لم أتمكن من اللحاق به عند كتابة هذه السطور هو «لف ودوران»، بطولة أحمد حلمى وإخراج خالد مرعى، الأفلام الخمسة ينطبق عليها توصيف السينما التجارية، وجميعها أخفق فى الوصول إلى الجمهور، بالطبع مع اختلاف الدرجة، حيث تباينت الحظوظ الجماهيرية بينها، حيث لم نسمع صوت شباك التذاكر إلا وهو فى حالة وهن.

أشفقت على محمد سعد وأنا أراه يتراجع بل ويترنح سينمائيا كان نجمه يهوى مع فيلمه (تحت الترابيزة) إخراج سميح النقاش، فقد النجم بوصلة تواصله، فهو لا يدرى ماذا يريد وما الذى يريده منه الناس، تخيلته وكأنه يقول النكتة هو فقط التى يضحك عليها، بل ويعلو صوته بالقهقهة فلا يدرك سوى بعد نهاية الضحكة ألا أحد هناك ولا أحد يشاركه القهقهة، بالأرقام يقف سعد فى ذيل القائمة بين كل أفلام زملائه، رغم أنه كان الأسبق منهم جميعا زمنيا فى عالم النجومية، كان هو النجم الأول فى مثل هذه الأيام وقبل 14 عاما، شركات التوزيع تنتظره، ويعمل النجوم لطلته ألف حساب، بينما هذه المرة كانت بعض حفلات فيلمه الأخير يتم إلغاؤها، لأنه لم يقطع له أحد التذكرة، وهو أقصى عقاب يناله فنان، يتابع عن كثب كيف تنكرت له الجماهير وينسى أن البادى أظلم.

تابعت «صابر جوجل»، أقصد محمد رجب فى الفيلم الذى شارك فى كتابته أيضا وأخرجه محمد حمدى، كان رجب يطلب ويُلح فى الطلب من أجل أن يعتمده الجمهور كنجم جماهيرى «فرز أول»، وهو الأمل الذى لم يتحقق حتى الآن، وبرغم قناعتى بأحقيتى فى استخدام لن، فأنا لا أريد أن أصادر على المستقبل وأقول لن، وهكذا كان رجب صاخبا فى كل شىء، الأداء والنظرة والقفشة، فكان يعلو نداءه للجمهور مؤكدا وبصوت مزعج أنا نجم شباك، ولايزال يردد برغم تكرار محاولاته وإخفاقاته أنا نجم شباك.

ورأيت شيكو وهشام ماجد فى «حملة فريزر» لسامح عبدالعزيز، كان شيكو وهشام فى أول لقاء يجمعهما كثنائى بعد انفصال أحمد فهمى يسعيان لتأكيد أنهما شريكان فى النجاح السابق الذى ناله فى الماضى هذا الثلاثى، حيث وصل للذروة قبل نحو عامين فى فيلم «الحرب العالمية الثالثة»، إخراج أحمد الجندى، إلا أن الأمر لم يُسفر فى «فريزر» سوى عن قليل من الضحك، بينما رفيقهما الثالث أحمد فهمى فى «كلب بلدى»، إخراج معتز التونى، أثبت أن لديه ككاتب سيناريو خيالاً، صحيح أن التجربة لم تكتمل سينمائيا وقبلها دراميا، السيناريو كانت لديه مساحات كان من الممكن لو أمسك بها المخرج أن تنقلنا لمنطقة أبعد، لو امتلك لحظات أعمق وأكثر سحرا، فهو أخطأ عندما تعامل مع الفكرة وكأنها فقط وسيلة لخلق مواقف كوميدية، ولهذا كثيرا ما شاب الشريط غلظة لفظية أو حركية، لأنه لم يُدرك أن الأمر أعمق من نكتة وأثمن من مجرد اللهاث وراء إفّيه. وبالطبع هذه مجرد انطباعات سريعة سيأتى تباعا تفنيدها عند تناول هذه الأفلام بمساحة أكبر، إنه بمثابة الموجز، أما الأنباء بالتفصيل فهى هذه المرة من نصيب «…عشان خارجين».

فى أفيش آخر ستختفى من عنوان الفيلم النقط لترى مكانها علامة إكس تعلو البس، وفى كل الأحوال لم أفهم سر اختيار هذا العنوان رغم أنه يعد بمثابة تمهيد للمشاهد، نعم هناك عناوين أفلام لمخرجين عالميين كبار مثل فيلم فلينى «8 ونص» كان يعبر فقط عن أن هذا هو فيلمه الذى يحتل فى مشواره هذا الرقم بعد أن سبقه سبعة أفلام ونصف، إلا أننا ليس لدينا بالقطع فلينى، ولكن لدينا مخرج وهو خالد الحفناوى، ومؤلف فادى أبوالسعود، ومنتج أحمد السبكى، وبطل حسن الرداد، قرروا أن يبحثوا عن عنوان جاذب فلم يعثروا عليه، ولدينا على الجانب الآخر رقابة قررت تبديد طاقتها فى مطاردة عناوين لا طائل ولا معنى من ورائها فقط توجست من البس، على اعتبار أنها عكس اقلع، دائما نترقب الفيلم الثانى للنجم الجديد، فهو الذى يحدد جدارته بالنجومية، وهل يستمر صعوده أم لا؟ مثلا لو لم يحقق «صعيدى فى الجامعة الأمريكية» لهنيدى ضعف ما حققه قبلها بعام «إسماعيلية رايح جاى» ما كان من الممكن الرهان على هنيدى كبطل قبل 18 عاما، وبالطبع ليست قضيتنا الآن لماذا أخفق فى الحفاظ على مكانته بعد أربعة أعوام.

الرداد فى فيلمه الأول كبطل «زنقة الستات» لا شك كان مشروعا لنجم خفيف الظل قادم بقوة لقلوب الناس، كانت الأبواب كلها مشرعة أمامه، كما كان أيضا خالد الحلفاوى يحمل إرهاصة لمخرج لديه إيقاع وقدرة على ضبط الحالة السينمائية، أسفرت فى النهاية عن فيلم كوميدى يبث ضحكات، وحدثت كيميائية مع إيمى سمير غانم التى شاركته البطولة، هذه المرة لم يتحقق هذا التفاعل على الإطلاق، حيث تابعنا شحوبا فى الضحك أدى إلى رغبة عارمة لدى بطل الفيلم حسن الرداد فى البحث عن أى مفردات تؤدى حتى للابتسام، فى محاولة لإقناع المشاهد عنوة أنه بصدد فيلم كوميدى رغم أنه فى الحقيقة كثيرا ما يخاصم الضحك، حاولوا عن طريق بيومى فؤاد إحراز أهداف كوميدية، إلا أن المأزق هو أن الموقف الدرامى لا يحتمل كل ذلك، وكأننا بصدد فيلم قصير أرادوا أن يمنحوه هرمونات صناعية حتى يتضخم حجمه، فأصبح مثل فاكهة هذه الأيام خاليا من الحلاوة الطبيعية، فكانت أغلب المحاولات متعثرة، لم تسفر عن ضحك حقيقى، تستطيع أن ترى على الشريط أن المخرج لم يستخدم أدواته فى هذا الفيلم، لا بتوجيه الممثل ولا باستخدام تتابع بالمونتاج أو بتوظيف الموسيقى أو التكوين أو الإضاءة، حيث لم يتمكن من تقديم أى مفردات سينمائية، رغم أن النجاح التجارى لفيلمه الأول أثبت خلاله أنه يجيد قراءة ما الذى يريده الناس، كان ينبغى أن يمنحه فيلمه الأول قوة أمام المنتج يتمكن من خلالها من فرض موقفه ووجهة نظره، ولكن هذه المرة لم أستشعر سوى حضور السبكى، الغريب أن الفيلم كعادة أفلام السبكى تتغنى بالسبكى، فهو يبدو لى دائما أنه ليس فقط صاحب الفيلم، ولكنه أيضا صاحب الليلة، الذى يوزع النقوط وليس الأجور على من يعمل معه، وعليهم فى المقابل أن يبسطوه ويدلعوه فى نهاية الليلة، حيث يظهر ومعه تميمة النجاح التجارى أو هكذا يراه أحمد السبكى المطرب الشعبى محمود الليثى.

وكما فرضه على المخرج المخضرم يسرى نصر الله فى فيلمه «الماء والخضرة والوجه الحسن» كان من السهل فرضه أيضا على المخرج الشاب خالد الحلفاوى فى «عشان خارجين».

النجم فى بداية المشوار لا يملك طبعا كل الأوراق، والرداد كبطل اختار نوعا من السينما لا تملك أكثر من أن توجه للمشاهد دعوة للضحك، ولكن المقادير لم تنضبط، والضحك كان شحيحا، بل ومفتعلا، النجم الجديد الذى يواجه فى فيلمه الثانى إخفاقا عليه أن يتعلم القدرة على القفز فوق الفشل، والتى تبدأ بالاعتراف بالخطر، فهل الرداد سيعترف بأنه شارك فى فيلم تم حقنه بمزيد من الهرمونات ليبدو أمامنا بلا طعم ولا روح ولا رائحة؟!

نرشح لك: فيلم “محمد” ومتى يُعرض في القاهرة؟