طارق الشناوي يكتب: محمد خان.. الصديق الذي بكته الشاشة

نقلًا عن جريدة “المصري اليوم”

خسارتي مزدوجة، فنان كبير منح الشاشة المصرية ألق خاص، وصديق عزيز سأظل أفتقده طول العمر، الحضور الحميم لأفلام محمد خان، كان ينافسه بقوة حضوره المبهج في الحياة .

بعد رحلة كفاح في الحصول على الجنسية المصرية، منحت إليه قبل عامين من منصور رئيس الجمهورية المؤقت، كنت أتعجب هل هناك بين كل السينمائيين المصريين مخرج أكثر مصرية من خان، ولم أشعر في أي لحظة سوى أنه المصري الذي تنضح كل أفلامه بروح هذه البلد التي عشقها وهتف بحبها في كل لقطة صورها، فما الذي من الممكن أن يضيفه جواز السفر بعد ذلك .

t

في العديد من المهرجانات داخل وخارج مصر نلتقي، ننسي أن العلاقة بيننا ناقد ومخرج ويتبقي فقط الصداقة، فهو لا يغضب من أي كلمة تتناول فيلم له، لم يحدث أن فرضت الصداقة أي قيود تُكبل انطلاق القلم، لم يحدث أن تناقصت أبدا مشاعره الدافئة دوما معى بعد أي مقال، تناول شيء سلبي في فيلم له.

كثيرا ما التقينا في القاهرة، الأكثر كانت لقاءاتنا خراج الحدود ،باريس وكان وقرطاج ودمشق ودبي وأبوظبي ووهران ومسقط والمنامة والدوحة ونيودلهي ومالمو في السويد وغيرها وغيرها ،كانت لنا دائما فيها لقاءات ومشاغبات، بل ونكات لا يتوقف عن القاءها ،قبل بضعة أشهر، بعد رحلة في عالم الكتابة الصحفية تجاوزت ثلاثة عقود من الزمان تواكبت مع مشواره كمخرج كبير قرر محمد خان أن يجمع مقلاته ويوثقها في كتاب، وأطلق عليه عنوانه الأثير «مخرج على الطريق»، ووجدت تليفون صباحى منه، وهو يقول لي عايزك تكتب مقدمة كتابي، اعتبرت أن هذه شهادة عملية منه على أن لي مكانة خاصة، كناقد وصديق.

tt

ووجدت أن الكتاب يصلح للجميع، لو كانت لديك ميولا فنية أو تتملكك رغبة بين الحين والأخر لاقتحام مجال الصحافة والنقد فأنا أنصحك مخلصا بقراءة هذا الكتاب، إذا لم تكن لديك تلك الميول ولا تطيق سيرتها وترى أن الحياة مليئة بما هو أهم وانفع فأنا أنصحك أيضا بقراءة هذا الكتاب، سوف تجد فيه الكثير من تجارب ودروس الحياة الأنفع والأهم .

محمد خان يقف في بدايات العقد الثامن من عمره ولكن أتحداك أن تشعر أبدا بحكاية أنه تجاوز السبعين بعامين أو ثلاثة، فهو دائما يستقبل الحياة بكل حضور وحبور وشباب، تستطيع أن ترى هذه الشقاوة وتلك الحيوية في فيلم يحمل توقيعه على الشاشة أو في مقال له في جريدة أو نكتة يرويها، فهو يستحق عن جدارة لقب صاروخ النكتة الأول بين السينمائيين ولكن هذه حكاية أخرى.

الكثير من رواد السينما الأوائل مارسوا الكتابة الصحفية مثل احمد جلال واحمد بدرخان ومحمد كريم وبالطبع شيخ المخرجين والنقاد احمد كامل مرسي، وروي لى صلاح ابوسيف أنه في بداية حياته ايضا كان يكتب المقالات، لم تكن الكتابة عن السينما تحديدا ولكن الفن وبدأها بمقال للهجوم على الموسيقار محمد عبدالوهاب، ومن هذا الجيل هناك أيضا كل من المخرجين داوودعبدالسيد وهالة خليل ومجدي أحمد على وكاملة أبوذكرى وغيرهم، وكانوا جميعا هواه على بلاط صاحبة الجلالة، إلا أن محمد خان هو الوحيد الذي مارس الكتابة الصحفية بروح الهاوي والتزام المحترف .

المسافة ليست بعيدة كما ترى بين الإبداع على الورق حتى ولو كان في مقال أو الإبداع على شريط سينمائي، ولكن هناك في الحقيقة محاذير لو قرر فنان الانتظام في ملعب الكتابة أولها ألا يتورط في توجيه تلك النافذة الصحفية إلى منصة لإطلاق صواريخ ضد كل من يختلف معهم سياسيا أو فكريا أو فنيا، وألا يحيل قضاياه الخاصة إلى قضية عامة أو يصفي حساباته مع منتج أو مخرج أو ممثل اختلف معه أو يشيد بعمل فني له على حساب الآخرين .

ومن خلال قراءتي لكل كتابات محمد خان ناهيك عن أفلامه، أستطيع أن أقول لكم أنه وبنسبة تتجاوز 90% لم يكن أبدا طرفا في معركة شخصية، وهي نسبة مرتفعة جدا لا يحققها عدد كبير من كتاب ونقاد الصحافة الفنية المتخصصون، حيث تلمح دائما في ثنايا كتاباتهم أن هناك مصلحة شخصية تُطل عليك بين كلمات المقال، كذلك من المحاذير أيضا الإحساس بالنجومية أو الاستاذية أي أن المخرج يعتقد أنه يكفي أنه يكتب فسوف يقرأ الناس لأن المقال عليه توقيعه ،خان يكتب بجدية وينتقي الكلمة المعبرة كما أن لديه قدرة فطرية على بناء العمود الصحفي ،لم يدرس فن التحرير الصحفي نظريا، ولكنه يعرف كيف يستحوذ على القارئ منذ نقطة البداية وكيف ينهي العمود والقارئ ينتظر المزيد، ولا يكتفي أبدا بأن توقيعه في نهاية المقال يكفي.

تزاملنا في أكثر من مطبوعة مثل «الدستور» و«التحرير» أنا اكتب يوميا وهو يكتب عمودا اسبوعيا يُنشر يوم الاربعاء، وأظن أن اختيار اليوم لم يكن عشوائيا ،لأنه يوم سينمائي بامتياز فهو الذي تولد فيه الأفلام الجديدة وأغلب المهرجانات في العالم كله، وللمفارقة تنشر الجرائد الورقية كلها خبر رحيله اليوم الأربعاء أيضا، دائما ما أفكر مرتين قبل أن أنشر عمود الأربعاء لأن بجواري منافس قوي له قُراؤه وله أيضا جملته الساحرة وعلى أن أكون على قدر التنافس. وعندما نلتقي ،لا تفوتني الفرصة دائما للاقتراب والحديث والاكتشاف وأيضا المشاغبة ،كثير من المعلومات التي عرفتها عن خان، وعدد من الحكايات الفنية التي أباح لي بها ولم يكن طرفا مباشرا فيها ،كانت ثمرة تلك اللقاءات، إلا أنني وأنا أقرأ أعمدته الصحفية التي تقدر بالمئات اكتشفت لأول مرة جوانب كثيرة ،ليس فقط لأن بعض هذه الأعمدة كانت تُنشر في جرائد تُطبع خارج مصر قبل توفر «النت» ولكن لأن تجميع المقالات يرسم في الحقيقة صورا متتابعة تستطيع من خلالها أن تكشف ملامح أخرى للمبدع، كل كتاب أصدره زميل عن المنهج الفني في أفلام خان قبل تصفح هذا الكتاب سينقصه الكثير، لأن خان يمنحك الكثير من المفاتيح لقراءة أخرى لتلك الافلام .

y

تتخلل كتابات خان رؤية للجيل كله أقصد جيل الثمانينيات من مخرجي ذلك الزمن، الذي كان هو عنوانه المضيء، والمعارك التي تصدوا لها أفرادا وجماعات وأيضا ما واجهوه من انتصارات وهزائم .

مثلا في حديثه عن طاقة المبدع تجده يؤكد أن 50% منها يضيع قبل التصوير في العثور على تمويل حقيقي كما، أنه يبدد 25% من طاقته في إقناع شركاؤه في العملية الفنية الكاتب والمصور والمونتير وواضع الموسيقى بأن يتخلى كل منهم عن الأنانية الشخصية لتذوب كل هذه المفردات السيناريو والتصوير والديكور والموسيقي في العمل الفني ورؤيته كمخرج، وهكذا ولا يتبقي له في النهاية إذا تبقي بعد كل ذلك شيء، سوى 25% وهي الطاقة التي يقدمها أثناء التنفيذ، قبل أن تستنفد في ما هو خارج النص ،وهو يذكرني بكلمة الكاتب الكبير عبدالرحمن الخميسي «عشت لا اعزف ألحاني ولكن أدافع عن قيثارتي» وهكذا محمد خان الذي لم يكن يدافع فقط عن قيثارته بل مصريته أيضا، بالطبع خان مصري قُح بالإحساس والمشاعر وقبل أن يحمل رسميا قبل نحو عامين جواز سفر مصري فهو ليس له جنسية أخرى حتى لو حمل معه جواز سفر بريطاني بحكم إقامته الدائمة هناك مرحلة زمنية من عمره، خان شارك في ثورتي 25 يناير و30 يونيو لأنه مصري أولا وثانيا وأخيرا وقبل جواز السفر.

أنه أكثر فنان التقيته على مدى تجاوز ثلاثة عقود من الزمان مشواري في الصحافة سواء في الداخل أو الخارج ،يحرص على متابعة الافلام والأدق مطاردة الافلام، وكنت قد لاحظت حالة الشغف التي تنتابه عندما نقرأ في مهرجان عن فيلم ونجد صعوبة في الحصول على تذكرة، على الفور تنشط بداخلة كل أسلحة البقاء التي تدفع الإنسان للحرص على الحياة في مواجهة الخطر المحدق به، ويبدأ في البحث عن وسيلة للحصول على التذكرة، ويكاد يخرج لى لسانه ملوحا بالتذكرة، وقبل ان يشعر بزهو الانتصار، ألوح له بتذكرة أخرى في جيبي.

الوصية التي طلبها من المقربين إليه انه عندما يصبح عاجزا عن الذهاب للأفلام ان تذهب الافلام إليه، ويعرضونها امامه، كل الافلام التي شاهدها يريد ان يحظى منها برؤية أخرى وأخيرة، قال لى خان انه قرأ عبارة دائما ما تداعبه، وهى ان الانسان يمشى في البداية على اربع مستخدما يديه وقدميه، ثم في طفولته وشبابه على اثنين وبعد ذلك في شيخوخته على ثلاثة عندما يستعين بالعصا، ثم يصل إلى الاربعة مرة أخرى، وسوف يواصل شغفه السينمائى حتى اخر المرحلة الرابعة زاحفا إلى الأفلام .

في أحد الاعمدة يتحدث عن مشروع اقتصادى جمعه مع المخرج الكبير صلاح ابوسيف عندما التقاه في لندن في منتصف السبعينيات، واقترح أبوسيف ،أو لعله خان هو الذي اقترح، ثم تحمس لها أبوسيف ،ان يشرعا معا في إنشاء دكان لبيع الفول والطعمية، وتم الاعداد للمشروع ثم التقي خان في لندن بالمونتيرة الراحلة نادية شكري، وتكتشف أنها كانت بالنسبة له قوة دفع روحية، ليست فقط هي فنانة المونتاج المبدعة ولكنها الانسانه التي لها الكثير من الومضات على مسار حياته كلها، فتحسه على العودة لمصر واخراج فيلمه الروائي الأول «ضربة شمس» ،وينهي تماما مشروع دكان الفول والطعمية، الذي يتحول إلى مجرد نكتة يتندر بها هو وصلاح كلما التقيا بعد أن كانا قد أطلقا بالفعل على المحل اسم واحد من أشهر أفلام ابوسيف «الأسطي حسن» وهو اسم أول أبناء محمد خان (( حسن)) الذي يضع الموسيقي التصويرية للعديد من الأفلام.

النجم الأقرب إليه هو أحمد زكي، مهما كان بينهما من معارك وشغب متبادل وصل العديد منها للصحافة ولكنه يظل الأقرب، خان تمني أن يكون أحمد ممثلا واحمد تمنى أن يُصبح خان مخرجا، فهما على حد قول أحمد زكي (( تواءم من بيوضة واحدة))، ويظل فيلم (( زوجة رجل مهم )) هو العنوان الأبرز لتلك العلاقة ،سعاد حسني هي الأقرب، وكتب عنها ،عمود خفيف الظل عنوانه «سعاد مورتا» وهى ما يتبقي في قعر الحلة بعد تسييح الزبدة ،أراد خان أن يقدم صورة لتلك الفنانة التي تعيش حياتها بتلقائية فلم يجد غير «المورتا» التي تشممها وهو يقرع باب بيتها هو وبشير الديك في حي الزمالك، التقيا في «موعد ع العشاء» واحد من أرق أفلامه، وكانت هي المرشحة الأولى مع فاتن في «أحلام هند وكاميليا»، قبل أن يستقر الأمر على نجلاء فتحي وعايدة رياض، كما ان لنجلاء برغم ما شاب العلاقة من تراشق ستجد انها تحتل مساحة خاصة في قلبه، أقرب المخرجين إلى قليه «خيري بشارة» ولا يكف عن مشاهدة «كابوريا»، ولا ينسي عاطف الطيب، حيث أن خان كتب فكرة أول أفلام الطيب وأشهرها (( سواق الأتوبيس))، وكان سعيدا بنجاح فيلم «الكيت كات» لداوود عبدالسيد ،الكُتاب الذين ساهموا في الطريق فايزغالي وبشير الديك وعاصم توفيق ورؤوف توفيق، الناقد الذي لم ينسه برغم رحيله قبل نحو ربع قرن هو سامي السلاموني، والإعلامي الذي أرتبط به وكان صديقه الأقرب يوسف شريف رزق الله، وعلى صعيد النقاد العرب كان محمد رضا هو رفيقه، الاسم الدرامي الذي حفر بداخله مشاعر خاصة «فارس» طائر على الطريق«ثم»الحريف«ثم»فارس المدينة «

يقول سقراط «تكلم حتى أراك»وأنا رأيت محمد خان ثلاث مرات، الاولى وأنا أشاهد أفلامه والثانية وأنا أقرأ كتابه الممتع ((مخرج على الطريق ))والثالثة وأنا أستعيد بهذه الكلمة لمحات من مشوار لفنان كبير وصديق حفر في قلبي ومضات من البهجة تتحدى الموت!!

نرشح لك

[ads1]

كمال أبو رية: لهذا السبب انفصلت عن ماجدة زكي

رانيا بدوي تبكي بسبب عمرو أديب

أيهما أفضل كليب “عمري ابتدا” لتامر حسني أم كليب “ما بلاش” لمحمد حماقي؟ اضغط هنـــا

بنر الابلكيشن