أنطوان خوري: لم أفكر في ترك عائلة الـ BBC

شهد الصحافي أنطوان خوري، الكثير من الأحداث التي غيرت مجرياتها العالم من داخل الاستوديو، مثل اجتياح القوات الأميركية إلى العاصمة بغداد في 2003. واغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 2005، والانتخابات الأميركية في 2008، وهو ممسكا بمذياعه على الهواء مباشرة، يتحدث عما يجري في كل حدث، ويستقبل اتصالات من المراسلين، ممن هم على الأرض، ينقلون ما يجري أيضا في كل حدث.وأوضح خوري في حوار صحافي خاص لـ«الشرق الأوسط»، أنه يجب أن يتطلب على المنتمي إلى بلاط صاحبة الجلالة، الالتزام بالمهنية، وعدم الإدلاء برأيه عند التعليق على الصور التلفزيونية، إذ أننا بشر تؤثر علينا العاطفة في بعض اللقطات التلفزيونية في الأحداث اليومية، ما يؤدي إلى بكاء بعض زملائنا، الأمر الذي قد يعتبره رؤساء تحرير النشرة الإخبارية، بأنها تجييش للمشاعر.

وقال خوري، إن الحافز الذي دفعه لاختيار الإعلام المرئي، هو شغفه للصورة التلفزيونية، حيث يطمح بعد تجارب ناجحة في قنوات إخبارية عربية، إلى أن يكون مذيعا في قناة بي بي سي البريطانية، في تقديم الأخبار بلغات مختلفة، ومنها الإنجليزية أو الفرنسية، ليحقق بذلك إحدى أمنياته العملية.

ويطلعنا الإعلامي اللبناني عن مسيرته المهنية ابتداء في «بيته الأول» الـ«إم بي سي» بلندن ومرورا بتجربة الـ«إل بي سي» في بيروت و«العربية» في دبي وانتهاء بالعودة إلى عاصمة الضباب والالتحاق بـ«بي بي سي العربية» التي يعتبرها خوري «هامش الإبداع والمجال لتنفس الهواء النقي».

مسيرة 22 عاما تضمنت مطبات وتجارب وتحديات أثرت خوري وجعلت منه صحافيا ومحللا سياسيا مرموقا بمهنيته وإنسانيته وموضوعيته.

وبعيدا عن معترك الصحافة السياسية، لأنطوان خوري هوايات تتمثل بحبه للبيئة وهوسه بالفن السابع. فمن هواياته المفضلة المشي في أحضان الطبيعة. وتؤكد الوثائقيات البيئية وتجاربه بنشرات الطقس في «إم بي سي»، حرص هذا الإعلامي على تعليم الشباب الحفاظ على البيئة والمناداة بالاهتمام لقضية متجاهلة. ويعتبر خوري أن برنامج «سينما بديلة» الذي يقدمه عبر شاشة «بي بي سي» عربية، رئته الثالثة. ويأمل محب الأفلام التجارية والبديلة أن يخوض تجربة تمثيلية يوما ما.

وفيما يلي تفاصيل الحوار..

* كيف بدأت حياتك المهنية؟

– بدأت في لندن في عام 1990 كطالب ماجستير ترجمة وصحافة في جامعة لندن. واستغرق الأمر سنتين. وخلال السنتين كنت متعاونا بصحيفة «الحياة»، وعملت معهم أيضا لفترة بعد التخرج. ووقتها كان تلفزيون «إم بي سي» قد افتتح مكاتبه في العاصمة البريطانية، فطلبت منهم أن أتدرب هناك.

* كيف أصبحت على يقين أنك اخترت المهنة التي تناسبك؟

– لاحظت أنني أنتمي إلى عالم الإعلام المرئي لأنني أحب الصورة فهوسي وشغفي منذ الصغر هي السينما وأعشق الفن السابع. الصورة تساعد في تطوير ذهنية الإنسان للصحافة. حيث تكمن قدرة التعبير فيها. ووجدت الأمر تحديا خلال عملي كمنتج متدرب في «إم بي سي» وبعدها سمحوا لي أن أكتب وأسجل تقارير بنفسي، وكانت وقتها في ذروة حرب البوسنة والهرسك فتوسعت وانغمست في الموضوع لمدة عام. وبعد فترة انتقلت لأمور أخرى واكتشفت شغفا أيضا للبيئة بحكم أنني سكنت بأستراليا قبلها وعشت في مزرعة أخي للخضراوات وساعدته في زراعتها. وكنت أقضي معظم أيامي في الهواء الطلق فربطني ذلك بالطبيعة ولذلك عملت على تقارير عن البيئة والاحتباس الحراري والتهديد بذوبان القطبين. وبعدها عملت على عمل وثائقي طويل عن ظاهرة الاحتباس الحراري لمدة 4 شهور بجانب عملي كمذيع للأحوال الجوية.

وبعدها تبلورت عندي فكرة الصحافة التلفزيونية. وتوسعت اهتماماتي من السياسة إلى البيئة إلى السينما.

* ما هي علاقتك بـ«إم بي سي»؟

– أنا أعتبر «إم بي سي» هي بيتي الأول، وأعتبر أنه استثمر بي هناك، حيث اكتشف المديرون السعوديون وزملائي أنني أمتلك قدرات وتركيزا على مواضيع لم تكن عند غيري فميزوني. وليس من الممكن أن أنسى ذلك والتدريب الذي وفروه لي في الأرصاد الجوية وشركة الأخبار الخاصة البريطانية بوصفي مذيعا. لقد كبرت مع «إم بي سي» وابتعدت عن السياسة للعمل في الوثائقيات. مرحلة من عمري الصحافي أشتاق إليها لأنني أعتبرها مرحلة ذهبية وليس لها بديل. أنا على تواصل معهم وعندما أتابع القناة تعز علي لأنني ابن المؤسسة وتمنيت أن أستمر معهم ولكن شاءت الظروف غير ذلك.

* هل تفكر بالعودة؟

– أستبعد لأنني جربت المعيشة في دبي ولم أستطع التأقلم وتعبت نفسيا لارتباطاتي الأسرية في لندن.

* ما الذي تلا تجربتك مع «إم بي سي»؟

– التحقت بعدها بـ«إل بي سي» في لبنان من خلال تجربة الحياة «إل بي سي» التي كانت شركة سعودية لبنانية تنوي إطلاق قناة إخبارية. وتزامنت مع حرب العراق في 2003 التي فرضت على الفضائية اللبنانية «إل بي سي» أي أن تتحول لفترة من الفترات إلى قناة إخبارية. كانت تجربة غريبة ولكن مثرية تعلمت فيها الكثير على مدى عامين وكان دوامي في الليل وكنا نغطي الانفجارات والهجمات في بغداد وديالى والصدر وغيرها. كنا متوترين دائما. وكان عندي برنامج العالم الليلة كان من 40 دقيقة إلى ساعتين لتغطية الأحداث في العراق.

* ما الموقف في تلك التجربة بالذات الذي علق في دماغك؟

– الموقف هذا لن أنساه وهو اجتياح بغداد. كنت على الهواء ورأينا الدبابات الأميركية تدخل بغداد وقصف فندق الرشيد والقنابل المضيئة الرهيبة التي رأيناها لأول مرة في سماء العاصمة العراقية. كان التاريخ يكتب أمام عيني والتحدي الأكبر هو الالتزام بالمهنية ووصف ما يحدث في الصورة فقط دون الإدلاء بآراء شخصية أو التعبير عن مشاعر خاصة حول ما يحدث. مدينة عربية تدمر وجيوش أجنبية تجتاحها.. ولكن لم أكن بموقع أن أعبر عن رأيي والتزمت بالمهنية والموضوعية وكانت تجربة صعبة جدا رؤية العراق ينحدر إلى حرب طائفية أهلية. تجارب تدمع العيون وعندما أسترجعها تؤثر في كثيرا لأنها كانت المقدمة للوضع الذي نحن فيه الآن وكنت شاهدا عليها. فقد كنت متوترا حينها والخوف من فقدان المصداقية في توقيت كان صعبا التأكد من الأخبار لأن التأكد والنفي كان يأتينا.

* وبعد تجربتك مع «إل بي سي» هل عدت إلى «إم بي سي» مجددا؟

– عدت إلى «إم بي سي» من خلال مكتب «العربية» في لندن كمراسل وكمذيع وكضيف في دبي. طلب مني حينها الأستاذ عبد الرحمن الراشد الذي أعتبره من أهم الصحافيين وأكن له كل الحب والاحترام أن أعود إلى دبي ولكن لم أستطع التأقلم وفضلت أن أعيش في لندن وأتنقل بينها وبين دبي وعملت معهم لمدة 3 أو 4 سنوات كمراسل متجول في المملكة المتحدة وأوروبا وكنت أسافر إلى دبي لأشارك كمذيع بتغطيات مثل الانتخابات الأميركية وانتخابات لبنان وتفجيرات لبنان واغتيال رفيق الحريري ومن ثم أحداث اليمن كنا نغطيها عبر تقنية الـ«فيديو وال» وكنا أول ناس في الـ«إم بي سي» استخدمنا التحليق الافتراضي وأنا فخور لأنني نلت جوائز على هذه الأمور التقنية فقد استثمروا في وأنا رديت الجميل وأنا فخور بذلك. وبعدها ذهبت إلى «بي بي سي».

* كيف التحقت بـ«بي بي سي»؟

– التحاقي كان سهلا ومباشرا، كنت أعرف أن صلاح نجم هو مدير «بي بي سي» وكان مديري في «العربية» وكلمته وطلب مني أن أقدم طلبا كغيري من الزملاء والتقوا بي ووافقوا علي بعد فترة المفاوضات والتحقت بهم. ولكنني ما زلت على تواصل مع عائلتي في «العربية» ومنهم عبد الرحمن الراشد ونخلة الحاج.

* كيف اختلفت تجربتك مع «بي بي سي» من غيرها؟

– كانت «بي بي سي» فترة ومرحلة مختلفة عما سبقها، فأصبحت أقدم برامج تحليلية مثل العالم هذا المساء أنا ورانيا العطار ودينا وقاس ومع ملاك جعفر. وطورت أنا وراغدة زويني برنامج عالم الظهيرة وغيرها. واشتركت أيضا في برنامج عن السينما البديلة المستقلة وساهمت بتطوير الفكرة وأقدمه منذ 3 سنوات وأعتبره رئتي الثالثة التي تبعدني عن إحباط السياسة وشكل متنفسا آخر. وأحببت الفن السينمائي المخبأ. وبعدها كرمنا صانعي الأفلام الشباب في مهرجان عن قرب الشهر الماضي. برنامج سينما بديلة يدعم الشباب لأنه يبث السبت في الليل ويشاهده ملايين الناس حول العالم ونسخت محطات أخرى هذا البرنامج. ومهما أتتني عروض من الخليج وبريطانيا ولندن بأضعاف راتبي لم أفكر في ترك عائلة «بي بي سي». لأنني دخلت مجال الإبداع والسينما من خلال «بي بي سي».

* وهل تفكر بدخول عالم السينما نظرا لشغفك بها؟

– هناك مخرجون عرب شباب طلبوا مني التمثيل بأفلام. وكانت لي تجربة تمثيل من خلال سيناريو كتبته منى ديلي مخرجة سينما بديلة ومثلنا فيها أنا ورضى الماوي زميلي المقدم ومنى حلت كضيفة شرف في ثلاثية. وكانت تجربة ممتعة. ولقيت إعجاب المشاهدين. ولذلك أحب أن أحاول التمثيل. ومعروض علي دور صحافي في فيلم في دبي حيث كتب السيناريو بناء على شخصيتي. ولكن لو خضتها يجب أن أكون حذرا لأن شخصيتي الإخبارية جادة.

* من هي قدوتك في الإعلام؟

– هناك الكثير من الناس أنا أحبهم وأتعلم منهم. ففي لبنان هو عادل مالك أستاذ الجميع بقدراته الصحافية وإنسانيته. لقد تعلمت منه الكثير وملاحظاته لي لطيفة جدا على شكل رسائل مكتوبة. وأحب ملاك جعفر وأندهش بسرعة من بديهتها وقدرتها على إدارة الحوار. وأيضا رشا قنديل. وغيرهم من زملائي كمهند قنديل وعمر عبد الحميد.

* من هو كاتبك المفضل؟

– غربيا، أحب باولو كويولو لأن لديه روحانية تشبه روحانية جبران خليل جبران. أنا إنسان روحاني جدا. وميخائيل نعيمي ومي زيادة أعتبرهم من رواد الكتاب شعرا ونثرا سبقت عصرهم. ومن القصاصين أعتبر نجيب محفوظ مدرسة.

* ما هي الصحف اليومية التي تتطلع عليها؟

– بشكل يومي «الشرق الأوسط» و«الحياة» و«إيلاف» أتابع مواقعها الإلكترونية. وأقرأ الصحف الورقية عندما تكون متوفرة. أحب موقع «بي بي سي» عربي لأنه متجدد وعدة مواقع لبنانية ومصرية وليبية. ومن الصحف الأجنبية، «الغارديان» هي صحيفتي المفضلة.

* ما رأيك بالإعلام الجديد؟ هل سيحل محل الإعلام التقليدي؟

– أعتقد أن الإعلام الجديد يكمل الإعلام التقليدي. وبعد عقدين من السنين قد يحل مكان الإعلام الجديد إعلام من نوع آخر. والذين قالوا من 20 عاما بأن التلفزيون سينتهي أخطأوا. قد يتغير شكله ولكن لم يختف ولا السينما أيضا.

* هل اختلف المشاهد مع الإعلام الجديد وظهور ظاهرة «الصحافي المواطن»؟

– أكيد، أصبح المشاهد شاهدا يوثق بكاميرا هاتفه عرضا لأزياء أو حتى مجزرة بسوريا. أصبح المواطن يوثق ويكتب التاريخ. كلنا تحولنا إلى صحافيين. هذه الظاهرة تساهم في إثراء المحتوى ولكن جودتها ليست عالية بعد وتحتاج إلى تطوير.

* كيف تواكب «بي بي سي» التطور هذا؟

– هناك الكثير من المشاريع والأفكار للتماشي مع الإعلام الجديد لمواكبة العصر. فبإمكانك مشاهدة تقارير «بي بي سي» على الجوالات. وتطوير تطبيقات فعالية نقلتنا إلى مكان آخر.

* ما الدور المميز الذي تلعبه «بي بي سي» في ظل التغيرات الشرق الأوسطية وسط مناخ سياسي شائك؟ وخصوصا مع زيادة القنوات الإعلامية العربية بكثرة في الآونة الأخيرة؟

– لم يقل لي أحد ما في «بي بي سي» أن أهاجم أو أحرض أو حتى أن أكون لينا مع ضيف.. ولم يقل لي أحد احجب هذه الصورة أو ضع رقابة على هذا الخبر. «بي بي سي» تعتمد على حرية التعبير وهذا أمر أعتز فيه. فهناك حرية مطلقة لتوصيل الموضوع إلى المشاهد من دون إملاء أو أوامر من أي أحد أو أي جهة. نقع بأخطاء مثلنا مثل غيرنا. ولكننا حريصون على موضوعيتها ونريد الأفضل دائما لرواية الصورة من كل أبعادها لمشاهدينا. «بي بي سي» بالنسبة لي هي هامش الإبداع والمجال لتنفس الهواء النقي.

المصدر : الشرق الأوسط