هؤلاء يتحدثون عن هيكل

سميحة ايوب، صلاح السعدني، بسمة، عزت العلايلي، يسرا، وسميرة أحمد عدد من نجوم الفن كتبوا عن علاقاتهم بالاستاذ هيكل، سواء في لقاءات أو عبر متابعة مقالاته ولقاءاته وتحليلاته السياسية، هذه المقالات جاءت إحتفالاً بعيد ميلاد الاستاذ التسعين ونشرتها جريدة الشروق، إعلام.أورج يعيد نشر هذه المقالات.

سميحة أيوب: عندما رفع عنى الحرج فى لقائنا الأول

عندما لمحتك تقف بعيدا حدثتنى نفسى أن أسير فى غير طريقك خشية أن ألتقيك ولا تعرفنى، فقلت لآمال دعينا نسير بعيدا عن هذا الطريق. لكنك بحسك الصحفى والفنى المرهف لاحظت ارتباكى فناديتنى بصوت عال وقلت لى إننى أفضل الممثلات إليك وأصدقهن وأقربهن إلى قلبك، فإذ بشعور الخجل وحمرة الوجه تتملكنى بشكل لم أعرفه من قبل، لا أنسى فى ذلك الموقف ترحيبك بى وحفاوتك البالغة بوجودى فى الأهرام حتى أنك أشعرتنى بأننا أصدقاء منذ عمر طويل .. منذ ذلك اللقاء ــ الذى لن يمحى من ذاكرتى ما حييت ــ وأنا أحرص على قراءة مقالاتك بشكل منتظم ومستمر أكثر من السابق.

موقف آخر جمعنى بك أحب أن أذكرك به، عندما قررت أن تلبى دعوتى لمشاهدة مسرحية «الوزير العاشق» التى قدمتها منذ سنوات وكنت فى هذا اليوم حريصة جدا على الظهور بشكل يليق بمن يشاهدنى من الجمهور بشكل عام وأنت بشكل خاص، وعندما انتهى عرض المسرحية التقيتك فعبرت لى عن شدة إعجابك وانبهارك بالمسرحية وعلقت على الجرأة التى كنا نناقش من خلالها الأحداث السياسية المصاحبة لذلك التوقيت وأخبرتنى بأنى بحق أجسد نبض الشعب البسيط من خلال مسرحى الذى وصفته بالمرآة الحقيقية للمجتمع الذى نعيش فيه. هذا ما جمعنى بك ككاتب صحفى وفنانة، أما ما جمعنى بك قبل ذلك بسنين كمفكر كبير وكقارئة فحدث عنه ولا حرج، فقد تعلمنا منك كيف تحلل الأمور وتضع كل شخص فى مقداره الذى يليق به وتزن الأحداث والتصرفات بميزان العقل ومن خلال ذلك تكون لدى القارئ أو المشاهد لك رؤية مستقبلية ثاقبة ممزوجة بروح التاريخ وعبقرية التوقع المستقبلى للأحداث التى دائما ما تصيب تكهناتك.

عزيزى هيكل .. اسمح لى بعشم الأصدقاء أن أبلغك أسفى لظهورك يوما ما على قناة «الجزيرة»، فقد أضفت لها ما لا تستحقه، فهى ليست المنبر الإعلامى المناسب لقامة تاريخية وسياسية مثلك، لكننى فى واقع الأمر تعلمت من حلقاتك فيها الكثير والكثير إلى جانب حلقاتك مع الإعلامية لميس الحديدى التى أنرت لنا فيها الطريق فى وقت عصيب جدا من تاريخ البلاد.

أخيرا .. أعيد تهنئتى بعيد ميلادك لهذا العام ولا أستطيع وصف شخصك إلا بأنك دائما ما تمثل لنا رمانة الميزان التى تعيد كل شىء إلى طبيعته وتقدر الأمور بمقاديرها الصحيحة.

صلاح السعدنى: حالة مصرية شديدة العبقرية

ومن القرارات المهمة التى أصدرها هيكل خلال توليه وزارة الاعلام إنشاء اتحاد الإذاعة والتليفزيون حتى لا يكون تابعا لوزير الاعلام، واختاره الدكتور مصطفى خليل، الذى أصبح فيما بعد رئيسا للوزراء، كأول رئيس لهذا الاتحاد. لم ينطفئ نجم هيكل بعد أن أقصاه السادات عن رئاسة تحرير الأهرام، فتعاقدت معه على الفور جريدة نيويورك تايمز الأمريكية، وصحيفة أخرى يابانية لكتابة مقالات أسبوعية، فكان واحدا من صحفيين قلائل على مستوى العالم تفرد له مساحة يقدم فيها أسبوعيا مقالة تحليلية عن التطورات السياسية فى العالم. ومن كثرة تقدير هذه الصحف لما يكتبه لم يكن يحصل على مكافأة أو راتب شهرى، وانما كانت تعد الكلمات التى يكتبها ويحاسب على الكلمة بالدولار. هيكل أيضا ينتمى الى الأسرة الثقافية المصرية فهو يحفظ آلاف الابيات من الشعر، وطوال تاريخه يستشهد فيما يكتبه أو يقوله بأبيات لكبار الشعراء بداية من المتنبى وأبوالعتاهية وصولا الى صلاح عبدالصبور، وهذا خير دليل على ثقافته العالية. هناك أيضا واقعة اعرفها بشكل شخصى جدا عن الاستاذ هيكل أحب أن أذكره بها فى عيد ميلاده، وهى حدثت مع شقيقى الراحل محمود السعدنى فى نهاية عهد عبدالناصر، حينها كان هناك خلاف بين الحكومتين المصرية والسودانية، ونشر الاستاذين هيكل وموسى صبرى عدة مقالات ضد السودان. وبعد فترة قررت مصر أن تعيد العلاقة مع السودان الى طبيعتها وعندما فكرت الحكومة المصرية فى ايفاد شخص يكون محبوبا لدى الجانب السودانى لم يجدوا لهذه المهمة افضل من محمود السعدنى لأن علاقاته بالجانب السودانى كانت قوية جدا. وبالفعل ذهب الى السودان وعقد مشاورات مع بعض اعضاء مجلس قيادة الثورة السودانى، وبعد أن خرج من الاجتماع التف حوله الصحفيون السودانيون فقال لهم إن مصر والسودان علاقه ابدا لن تنتهى ولن نسمح بحدوث اى اضطرابات فى هذه العلاقة العضوية. فاستوقفه أحد الصحفيين متسائلا: لكن الاستاذ هيكل والاستاذ موسى صبرى نظما حمله شديدة جدا ضد الحكومة السودانية، فاضطر السعدنى لكى يخرج من المأزق بتركيبته العفوية أن يسب «هيكل وصبري»، وللأسف احدى الصحف السودانية نشرت المانشيت الرئيسى «محمود السعدنى يقول عن هيكل وصبرى وذكرت اللفظ الذى قاله.

وبعد انتهاء الزيارة عاد السعدنى الى القاهرة، وكل ما يلتقى زميلا يقول له الاستاذ هيكل يبحث عنك، فسعى السعدنى الى مقابلته وهو يعتقد أن هيكل لن يرحمه بسبب ما قاله فى السودان، لكن عندما التقاه وجلس اليه، قال له هيكل «على فكره أنا زعلان منك يا محمود»، فتوقع السعدنى أن يكون غضبه من اللفظ الذى ذكره بشكل عفوى ولكنه فضل أن يسأله «زعلان منى ليه يا استاذ؟»، فخيب هيكل ظنه وقال له «ازاى تجمع بينى وبين موسى صبرى فى جملة واحدة واحدة».

فاكتشف أن هيكل تفهم الموقف الذى قال فيه هذا اللفظ، لكنه غضب من الجمع بينه وبين موسى صبرى فى جملة واحدة، فضحك السعدنى قائلا «تصور يا استاذ أنا غلطت فعلا، المرة اللى جايه ان شاء الله هجيب سيرتك لوحدك»

أتمنى من الله أن يحفظه لمصر ويمد فى عمره، ويثبت إيمانه وعقله وفكره، فهو جزء مهم جدا من تاريخ مصر فى العصر الحديث، وواحدا من أفضل الموهوبين المصريين ليس فقط فى الصحافة وانما فى العمل العام عموما. ويكفى أن نقول فى الختام إن هذا الرجل هو الوحيد من أصحاب الفكر فى مصر منذ عهد عبدالناصر الذى لم يأت رئيس جمهورية أو حاكم إلا وطلب استشارته والاستماع الى افكاره ورؤيته منذ عبدالناصر الذى كان مستشاره الاول وحتى الرئيس المؤقت عدلى منصور. بقى أن أدين حرق منزله ومكتبته فى «برقاش» التى كانت تضم الكثير من النفائس يوم فض اعتصامى رابعه والنهضة من انصار المعزول الذين يذكرونى بفعلتهم هذه بجيوش التتار عندما دخلت بغداد.

بسمة: متعة الاستماع إليك

أكن كل تقدير واحترام للأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل، خاصة للذاكرة والتركيز الذى يتمتع بهما فى هذه المرحلة العمرية «ربنا يديه الصحة والعافية»، ولا يتوفران حاليا فى كثير من شباب هذه الأيام. عندما أستمع اليه أشعر بمتعه وذهول شديدين، ولا أصدق أن من يتحدث أمامى على الشاشة عاصر التاريخ الذى نقرأ عنه فى الكتب، وأنه يتحدث عن هذا التاريخ بالوثائق والمستندات فهذه فكرة مهمه جدا. لا ينقصنى إلا أن أقول له «كل سنه وأنت طيب يا أستاذ».

يسرا: أفكار عظيمة فى مستوى المواطن البسيط

بشكل شخصى أحب القراءة للأستاذ هيكل منذ أن كان يكتب مقالة أسبوعية فى جريدة «الأهرام» يوم الجمعة من كل أسبوع، وافتقدت القراءة له منذ أعلن اعتزال الكتابة المنتظمة فى مثل هذا اليوم قبل 10 سنوات، عندما أتم عامه الـ80 وكتب حينها مقالا مؤثرا جدا كان عنوانه «استئذان فى الانصراف»، ولم يعوضنا عن هذا الغياب إلا ظهوره الأسبوعى على شاشة قناة «الجزيرة» فى برنامج «مع هيكل».

أما فى الوقت الحالى فالحمد لله أنه عاد مره أخرى من خلال لقائه الأسبوعى مع لميس الحديدى على شاشة cbc ليتحدث عن الشأن المصرى فى هذه الظروف الصعبة التى تمر بها مصر، فنحن كنا فى أمس الحاجة الى الاستماع الى تحليلاته فى هذا التوقيت.

أحرص على الاستماع له بشكل مستمر لأنه غالبا تكون هناك تحليلات غائبة عنا كمصريين لأمور سياسيه معقده، لا نفهمها بشكل كامل الا عندما نستمع له.

يمتلك أسلوبا راقيا وبسيطا جدا يصل الى المواطن البسيط، ويلفتنى له أنه يتحدث بطريقة سهلة وكأنه مواطن عادى وليس محمد حسنين هيكل، لذلك رسالته تصل الى كل الناس. وأصدق ما يقوله هيكل لأنى عندما أستمع اليه لا أجده منظرا يكتفى بالتحليل، وإنما دائما يقول فى حواراته كل جديد من معلومات تتعلق بالقضية التى يتحدث فيها، ويؤكد ذلك أن كل ما يقوله على الشاشة تتناقله جميع الصحف فى اليوم التالى، فهو مصدر أخبار بالنسبة للجرائد المصرية والعربية بل والعالمية أيضا. أحترمه دائما لأنه حرص على الجمع بين شباب الفكرة والخبرة التى اكتسبها على مدار السنين، فهو رغم أنه يحتفل اليوم بعيد ميلاده الـ 90 الا أنه متجدد ودائما يبحث عن الخبر، فهو فى كل العصور منذ عبد الناصر وحتى اليوم مطلعا على كل ما يجرى سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.

على مستوى عمله الصحفى أرى أن هيكل نجح فى أن يضع الصحافة المصرية فى مرتبة متقدمة جدا، وأتصور أن كل الصحفيين ــ ليس فى مصر فقط ــ يتمنون الوصول إلى ما وصل إليه هيكل على مدار تاريخه، فهو أصبح نموذجا مهما جدا فى حياة كل صحفى.

الأستاذ هيكل هو قامة وقيمة كبيرة جدا بالنسبة لنا كمصريين وللصحافة والفكر المصرى، دائما يبدعنا بآرائه العظيمة، التى لا يكون أمام المختلفين معها الا أن ينظروا اليه نظرة تقدير واحترام، فقدراته ومهاراته الشخصية فرضت احترامه على الجميع، فأبدا لا تجد شخصيا يختلف معه يتحدث عنه بأسلوب لا يليق بمكانته وكيانه الكبير، وانما يختلف معه بكل احترام.

سميرة أحمد: كلماتك حكمة ننتظرها بشغف

ذكرى ميلادك ستبقى لحظة فارقة فى تاريخ مصر كلها بشكل عام والسياسة والصحافة بشكل خاص، فهى اللحظة التى ولد فيها مركز الرؤى والإشعاع خاصة فى هذا الأيام الفارقة من عمر البلاد. الآن نحن فى أمس الحاجة إلى صوت الحكمة وإلى النظرة المستقبلية الثاقبة التى تحسن تقييم الأمور وتضع المفردات فى أماكنها التى تليق بها.. هيكل كان ــ وسيظل ما أحياه الله وأطال فى عمره ــ نبراسا للأمل فى عيون كل المصريين بمختلف أعمارهم وأجيالهم. لا يحضرنى فى عيد ميلادك، الذى أعتبره عالميا، إلا أن أذكرك بجلسات عشاء جمعتنى بك فى حضور سعيد صليحة حيث جمعتنا الأقدار أكثر من مرة لنتناول الطعام فى جلسة كانت أشبه بعشاء العمل والثقافة والفن والسياسة فى الوقت ذاته. حينما كنا نتبادل الآراء ووجهات النظر حول تطور الأحداث السياسية وتلاحقها بشكل أسرع من البرق ، وكم كنت أحب أن استمع بشغف لما يرويه من قصص تاريخية تحاكى الواقع الحالى بكل تفاصيله وهى الرؤية التى كونت عند هيكل خلفية سياسية جعلت بمقدوره أن يحسن تحليل الأحداث والمواقف التى تجرى من حولنا وكأنه شاهدها من قبل صوت وصورة. أطال الله فى عمرك سيدى ورزقك الصحة والعافية التى تتيح لك الاستمرار فى العطاء غير المحدود الذى عودتنا عليه منذ نعومة اظفارنا وحتى الآن .. فكل كلمة تخرج من فمك حكمة وكل خاطرة تدور فى بالك تاريخا، وكل فكرة تلقى بها إلى عقول وضمائر الناس ستشهد لك يوما ما أنك أخلصت لله وللوطن الغالى مصر فى كل مواقفك السياسية وغيرها.

عزت العلايلى: مدرسة فكرية معجونة بروح الوطنية المصرية

مصر التى لا بد أن تذكر بمجرد أن يتسلل اسم الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل إلى مسامع أى شخص فى أى بقعة فى العالم، اليوم نحتفل بعيد ميلاد قطعة أصيلة من مصر المحروسة، فالمعادلة التى أراها اليوم بعينى بمنتهى البساطة هى هيكل + مصر = شىء كبير وقيمة وعميقة.

جمعنى بك لقاء لن أنساه ــ رغم أنه لم يكن الأول أو الأخير ــ فقد اعتدت على أن أتعرف أولا بأول على آرائك السياسية وتوقعاتك التى دائما ما تصيب، زرتك منذ أكثر من 30 عاما عقب مقتل الرئيس أنور السادات وتولى مبارك مقاليد الحكم وكان بصحبتى نجلى د. محمود العلايلى ــ الذى كان طفلا ــ واستطاع بنعومة أظفاره أن يستقى منك الكثير فى هذه الزيارة. أما أنا قفد استطلعت منك رؤيتك حول أبرز الأحداث السياسية حينذاك خاصة فيما يخص العالم العربى، وبالفعل تحقق كل ما ذكرته لى عن مبارك غير أنك للأمانة لم تتوقع هذه النهاية المأساوية التى آل أمره إليها. مازلت حتى الآن على تواصل معك سيدى هيكل ولكنى أعترف بتقصيرى فى السؤال عنك فى الفترة الأخيرة ولا أبرر ذلك التقصير إلا بأننى لا أحب أن أشغل بالك خاصة بعد واقعة حريق مكتبتك.

أتمنى أن تستمر فى عطائك ولا تحرمنا رؤياك المستنيرة التى تضىء لنا الطريق فقد عشنا ــ ولا نزال نعيش ــ فى فكرك لأننا فى أشد الاحتياج إلى رؤية مخلوطة بروح الوطنية لنقتبس من أضواءها فى طريقنا نحو المستقبل بإذن الله وذلك لأنك بالنسبة لكل المصريين مدرسة فكرية عالمية بطعم مصر الأصيلة.

بارك الله فيك علما وفكرا ورؤية ناضجة مستنيرة فنحن فى مصر فى أشد الحاجة إليك كمفكر عظيم ورجل المراحل الصعبة خاصة فى ظل هذه الظروف العصبة التى تمر بها مصر وتربص أعداء الوطن الداخليين والخارجيين بها.

اقرأ أيضًا:

42 معلومة تجعل هيكل الصحفي الأهم في تاريخ الصحافة العربية

هؤلاء انفردوا بالحوار مع هيكل خلال 15 عاماً

هؤلاء جسدوا هيكل على الشاشة

الأيام الأخيرة في حياة “الأستاذ”

محمد حسنين هيكل يكتب: استئذان في الانصراف رجاء ودعاء‏..‏ وتقرير ختامي

شريف عامر يكتب : الأستاذ وخط الزمن

 

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا