وائل حمدي يكتب: كان عندك إعلام وراح!

الحسبة بسيطة.. عندما تم تدشين اعلان اللواء “عبدالعاطي” بالتوصل لجهاز يعالج الإيدز وفيروس سي، والذي اشتهر فيما بعد بـ “جهاز الكفتة”، كان ذلك ايذاناً بظهور برامج تفضح عورات الناس وتتهمهم بالشذوذ، وبرامج اخرى تستعرض قدرة مقدميها على التعامل مع الجن عبر أجساد المريضات نفسياً!

نعم، هي دائرة واسعة، لكن نقاطها توصل لبعضها بالضرورة، وجوهر الدائرة يتلخص في “عدم المساءلة”.

“جهاز الكفتة” كان ضربة إعلامية بامتياز.. وقتها كانت المؤسسة الحاكمة تسعى جاهدة، لإزالة أي شك في قدراتها غير المحدودة على تحويل “أم الدنيا” إلى “قد الدنيا”.. كانوا يحتاجون لمعجزة، ولما لم يكن في مقدورهم الإتيان بمعجزة، لم يستشعروا حرجاً في ادعاء وجودها.. مؤتمر صحفي، بحضور “الرجل الكبير”، يتم فيه الإعلان عن قرب التوصل لعلاج أكثر الأمراض البشرية فتكاً.. سيأتي اليوم الموعود لظهور العلاج، وسيكتشف الناس أنهم تابعوا وهماً، فهل تعتقد أن هذه مشكلة؟ طبعاً لا.. فالمساءلة غائبة، ولا مجال للمحاسبة على “الضربات الإعلامية”.

ماسورة صرف اعلامية انفجرت في الوجوه منذ ذلك الحين، لنصبح على موعد مع ضربة جديدة كل يوم.. اتهامات بالعمالة والخيانة لكل من يرفض التهليل للنظام الحاكم، ثم تلصص وتجسس وتسريب لمكالمات خاصة باعتبارها أدلة ادانة، ثم طعون في الشرف والأخلاق والذمم.. كل يوم، كل يوم، كل يوم.. انها حرية الضربات الإعلامية، التي تم خلطها في معامل الكفتة بحرية الإدعاء، طالما كانت المحاسبة على ما ندعيه أمراً غير مطروح.

إثارة الانتباه بادعاء وجود علاج نادر لمرض عضال، لا تختلف عن إثارة الانتباه بادعاء عمالة فلان وخيانة علان، ولا تختلف أيضاً عن إثارة الانتباه بادعاء ضبط وكر لممارسة الشذوذ، أو بادعاء القدرة على مواجهة الملبوسين بالعفاريت.. كلها ادعاءات قادرة على لفت الأنظار، وطالما ان الإدعاء الأول لم يجد من يحاسب أصحابه على كونه كاذباً، فلن تجد الإدعاءات التالية من يحاسب اصحابها على كونها منحطة أو مقرفة أو مفبركة أو سافلة.

في الأيام والأسابيع الأولى التالية لمؤتمر “عبدالعاطي”، وأمام سطوة الثقة الإعلامية التي أحاطت بإختراعه العلاجي المتفرد، وجد بعضاً من أصحاب العقول الراجحة انفسهم مضطرين لتبني منطق “ولم لا؟ ربما”.. والآن، يجد الملايين انفسهم مضطرين للتعامل مع القيء الإعلامي المستمر بنفس المنطق “ولم لا؟ ربما”.. انها السنة السيئة التي يتحمل صاحبها وزرها كلما تكررت.

لمتابعتنا عبر تويتر اضغط هنا

اقرأ ايضا

سلوى اللوباني: إعلامكوا للهلوسة

رولين القاسم : ما لا يطلبه المشاهدون

مي سعيد: “رضاعة” إعلامية