محمد فتحي يكتب: في حُب محمود خليل الحصري

(1) لو لم يفعل الشيخ محمود خليل الحصري في حياته سوى تسجيله المصحف المعلم لكفاه، لكنه فعل ما هو أكثر من ذلك.

(2)
هذا هو بيت العائلة.. جدي الشيخ الأزهري المعمم الذي يخطب الجمعة، ويصلي التراويح إماما بالناس، ويتلو القرآن في المآتم يفتح الراديو دائما على محطة القرآن الكريم، وأجلس بين يديه أُسمعه مما حفظت فيعطيني (النُّص ريال) كما يسميه، وهي لدينا كانت (بريزة) فأتفاخر بها كثروة عظيمة في هذا التوقيت.

أما منزلنا فقد علق فيه أبي مكتبة صغيرة للشرائط التي كان يسجلها لكبار مقرئي القرآن الكريم في مصر، وكان يختبرني في أصواتهم التي يجب أن أتعرف عليها بمجرد بدئه للتلاوة، قبل أن يطلب مني أن أسمعه الآية على طريقة أحدهم، وحتى وقت قريب لم أكن أعرف لماذا اخترت في البداية الشيخ الحصري تحديدًا لأقلده، لكن مؤخرًا عرفت.

(3)
ولد محمود خليل الحصري في قرية شبرا النملة بالفيوم التي انتقل إليها والده قبل ولادته، وأدخله هذا الأخير (الكُتَّاب) في سن أربع سنوات ليتم حفظ القرآن الكريم في سن الثامنة (بالمناسبة أين اختفت الكتاتيب ومكاتب تحفيظ القرآن في مصر؟) وفي المسجد الأحمدي في طنطا قرر الشيخ الطفل أن يبحر في علوم القرآن، فأجاد قراءاته العشر، وتخصص في (علم القراءات)، وذاع صيته في طنطا، حيث كان (نجم) مجالس الناس، يستبشرون به خيرًا حين يبدأ مجالسهم بتلاوة القرآن، ويتمايلون على صوته وهم يقولون: الله الله يا شيخ.

وفي السابعة والعشرين من عمره، وتحديدًا عام 1944 تقدم الحصري لاختبارات الإذاعة ليكون ترتيبه الأول في نتائج الاختبارات، وبعدها وفي نفس المسجد الذي حفظ فيه القرآن عيّن الحصري مقرئًا، قبل أن ينطلق إلى القاهرة ليجد مكانه في مسجد الحسين.

(4)
في حياته الشخصية كان الحصري حريصًا على أن يحفِّظ أبناءه القرآن الكريم، ونقلًا عن صفحته على الويكيبيديا يقول أحد أبنائه: “كان يعطي كل من حفظ سطرًا قرش صاغ بجانب مصروفه اليومي، وإذا أراد زيادة يسأل ماذا تحفظ من القرآن، فإن حفظ وتأكد هو من ذلك أعطاه، وقد كانت له فلسفة في ذلك، فهو يؤكد دائمًا على حفظ القرآن الكريم حتى نحظى برضا الله علينا ثم رضا الوالدين فنكافأ بزيادة في المصروف، وكانت النتيجة أن التزم كل أبنائه بالحفظ. وأذكر أنه في عام 1960م كان يعطينا عن كل سطر نحفظه خمسة عشر قرشًا وعشرة جنيهات عن كل جزء من القرآن نحفظه، وكان يتابع ذلك كثيرًا إلى أن حفظ كل أبنائه ذكورًا وإناثًا القرآن الكريم”.

(5)
أعود لأجيبك عن سؤالي قبل قليل: لماذا اخترت الحصري تحديدًا في بداية حفظي للقرآن الكريم كي أتلو مثله أو أحفظ على يديه ولو بشكل غير مباشر، وأجيبك:

لأنه السهل الممتنع.
كان الحصري متقنًا للقراءات العشر، لكنه في نفس الوقت كان حريصًا على تلاوة القرآن الكريم بالشكل التقريري الذي يجعلك تشعر وكأنك تسمع الآية كما نزلت على سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام. لا يعتني بزخارف الصوت وطبقاته بقدر ما يعتني بمخارج الألفاظ، واتباع أحكام التلاوة، ليبدو وكأنه لا يبذل أي مجهود في تلاوة القرآن الكريم بإعجازه وتشكيله الذي يستلزم مراجعة دائمة، ليرضى الحصري بأن يكون عند كثير من الناس الخطوة الأولى في حفظ وتلاوة القرآن الكريم، ويا له من شرف!! قبل أن تنطلق بعده لو نادتك التلاوة إلى آفاق أرحب، فتنبهر بالمنشاوي، وتذهل من عبد الباسط عبد الصمد وهو يقرأ بدايات سورة التكوير في نفس واحد، وتفرح بسماع صوت الكروان محمد رفعت، وتحب تجديد الطبلاوي، وحرفنة عبد العزيز علي فرج، وترتيل البنا الذي لا يقارن، وجمال شعبان الصياد، وتسجيلات الشيخ عنتر النادرة، وتجليات أبو الفرج الشاذلي، وشرائط السيد متولي القديمة، لكنك ستظل تذكر أن أول من حببك في تلاوة القرآن هو محمود خليل الحصري الذي كان أول من سجل القرآن في العالم بطريقة المصحف المعلم، وأول من سجله إذاعيا بالقراءات العشر، وأول من ابتعث من مصر لقراءة القرآن في الهند وباكستان، وأول من قرأ القرآن في قاعة إيوارت الشهيرة في بريطانيا، إضافة إلى كونه أول من نادى بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم، ترعى مصالحهم وتضمن لهم سبل العيش الكريم، ونادى بضرورة إنشاء مكاتب لتحفيظ القرآن في جميع المدن والقرى.

(6)
سلام على الشيخ الحصري الذي تحل ذكراه اليوم، والذي أوصى قبل وفاته بثلث ثروته لخدمة القرآن الكريم وحفّاظه.

نقلًا عن موقع “التحرير”

اقـرأ أيـضـًا:

صورة أحمد موسى المثيرة للجدل “مش فوتوشوب”

أغنيتان لعمرو دياب في إذاعة أغاني عمر طاهر

المراسلة التي غنى لها عدوية : التعليقات سخيفة !

“أستاذ” محمد صبحي.. مايصحش كده!!

“ستار أكاديمي” في نسخته “المتدينة”.. لن يصنع الفارق

مواقف و طرائف حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولى

 .

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا