محمد الخولي يكتب: عن المهنة "المغتصبة"

نقلاً عن “التحرير”

من السهل كتابة مقالات لنقد الإعلام، ومحتواه، وتوجهاته، وتصرفات العاملين فيه، ما أسهل التنظير، والبكاء على مهنية ضاعت، ومبادئ اغتُصبت، وأخلاق انتُهكت، ومواثيق ضُربت في مقتل! كل ما سبق سهلٌ جدًّا، الصعب، بل والموجع دائمًا، أن نعترف بمسئوليتنا عن هذا الانهيار، نحن ملح المهنة، أضعف حلقاتها، نعم، لكننا مسئولون عن هذا الضياع.

في حياة كل منا، قائد، معلم، أستاذ، موجِّه، فتِّش في داخل كل شخص تجد هذا القائد بارزًا في شخصيته، هذا المعلم واضحًا في تصرفاته، هذا الأستاذ منطبعًا في تحركاته، هذا الموجه مرشدًا في حياته. إذا كانت هنا فرصة للاعتراف، والفضفضة، والبوح، فلنقُل بكل أريحيه، واطمئنان، إننا جيل تتلمذ علي أيدي أنصاف، أنصاف في كل شيء، الموهبة، العطاء، حتى الأخلاق، رأيناهم يبيعون كل شيء بالمال، بالشهرة، بلقاء مع رئيس، بصحبة رجل أعمال على طائرته الخاصة.

لكن هذا لا يبرّئنا من مسئوليتنا، في ضياع وانهيار تلك المهنة، نحن لم نكلف أنفُسَنا عناء البحث، أضعنا أهم مبادئ الإعلام، البحث عن الحقيقة، وانشغلنا كأساتذتنا بالبحث أيضًا عن المال والشهرة، ولقاءات الوزراء والرئيس، سرنا على نهج من علّمونا، وأردنا نتيجة مختلفة! أليست المقدمات المتشابه تؤدي إلى نتائج متطابقة؟!

وقفنا عاجزين أمام جهل تَحكَّم فينا، وعنصرية باتت عنوانًا رئيسيًّا، وفساد تَملَّك منا، وأهملْنا مكونات الصحفي/الإعلامي الحقيقي، لم نكلف أنفُسَنا عناء بناء أنفسنا، واكتفينا بـ”الفهلوة” واعتمدنا على “الديسك” وخطفتنا زهوة النشر في الصفحة الأولى.

آمنَّا أن الطريق السهل للوصول هو النفاق، ولا أريد أن أصرّح بالكلمة المناسبة هنا، لا عيبًا في الكلمة وإنما لكثرة استخدامها مؤخَّرًا لدرجة جعلتها بلا روح، ولا تعبير حقيقي عن معناها، لذا فالأفضل الرجوع إلى الأصل، ولنقُل نفاقًا فقط.

ضاعت المهنة لأنها لم تجد من يبحث عنها، ويفتش في أسباب انهيارها، صحيح هي مهنة تحمل دائمًا أوزار السياسية، ونحن في بلد يمرّ بموجات هبوط وانخفاض سياسي لم تحدث تقريبًا في تاريخه الحديث، لكن ماذا فعلنا من أجل مهنتنا؟

أصابنا الغرور، والكِبْر، بلا سبب حقيقي، ولا مضمون يدفع إلى ذلك، كتائب بشرية فارغة، ومفرَّغة من كل شيء، أجيال كاملة، لا تعرف طريقها للقراءة، ضاعت في غياهب مواقع التواصل الاجتماعي، وتاهت بين برامج التوك شو.

في الطريق قابلت زملاء أعضاء في نقابة الصحفيين، ولهم صيت في الوسط، لا يخجلون من أن يصرحوا بأنهم لم يقرؤوا كتابًا في حياتهم، بل يقولون بلا أي كسوف إنهم يكرهون القراءة، وينظّرون بأنها لا تُسمِن ولا تُغنِي من جوع! فلِمَ مضيعة الوقت يا زميل؟

وقفنا مكتوفي الأيدي بين حلم تمنيناه، وواقع لا نستطيع التعايش فيه، سلّمنا ما تبقى لدينا من أمل، لعواجيز يتفننون دائما في الظهور داخل الكادر، ويُصِرّون على أن يظلُّوا عنوانًا رئيسيًّا في حياتنا.

هل أتجنى على أجيال بالكامل؟ أليس من أصول مهنتنا أن لا نعمِّم؟ ألا يوجد من بيننا شاب أو عشرات حاولوا الخروج إلى النور؟ فعلًا، أقع هنا في خطأ مهني كبير، أعترف به، ولا أبرر له.

اقـرأ أيـضـًا:

عبد العزيز عبد الشافي: اسمي مقترن بمحمود الخطيب

أغرب 6 تصريحات عن المرحلة الأولى للإنتخابات

يوسف الحسيني: حزب النور “خد بمبة”   

أحمد موسى عن عبد الرحيم علي: فاز لأنه من رجال 30 يونيو   

أحمد بهجت: غلق دريم وارد في هذه الحالة‎  

 .

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا