عبد الرحمن جاسم يكتب: في حب محمد سلام

عبد الرحمن جاسم عن محمد سلام
خاص إعلام دوت كوم.. من مجموعة مقالات “عُشرية دراما رمضان”

تلميذٌ مجتهد، ومؤدٍ أكثر من متميّز؛ لربما لم يأخذ “بطولته المطلقة” بعد، لكنه “ذاهبٌ” في ذاك الإتجاه بلا منازع.

قبل مرحلة “صعيدي في الجامعة الأميركية”(1998، كتابة مدحت العدل وإخراج سعيد حامد) لم يكن ليتوقع أحد أن يأخذ ممثلٌ شاب دور “البطولة” في “فيلمٍ”. كانت تلك مغامرة بالتأكيد من قبل “آل العدل” ونجحت، ومحمد سلام –اليوم- يستحق أن يحوز مغامرةً كهذه، مغامرةٌ تأخذه إلى مكانه الطبيعي بين صنفٍ “خاصٍ” وللغاية من المؤدين المبدعين.

في مسلسل “الكبير أوي” (بجزءه العام الفائت)، يكسرُ المسلسل البعد الرابع للدراما(fourth dimension)، يحادث الجمهور بشكلٍ مباشر، لكنه هذه المرّة يربطها مع فكرة “الأبعاد المتوازية” (parallel universes) هو –أي المسلسل- لم يشرحها نهائياً، بل فضل تقديمها والتعليق عليها بشكلٍ فكاهي كعادته. يومها وفي تلك الحلقات أي ما سميت “حلقات مهرجان المزاريطة” أثبت سلّام أنه كفءٌ، ماهرٌ، موهوبٌ وحتى عبقري.

هنا ينقسم محمد سلّام إلى كائنين مختلفين يدوران في عالمين مختلفين، كأنما يمنح المشاهد فرصة مقابلة “محمد سلّام” وشخصيته في المسلسل “هجرس” (يلفظها هو “هدرس” بتخفيف الجيم المفخّمة المعتادة للمصريين) ضمن متخيّل لامعقول. هذه الحلقة كانت عبارة عن “انفجار” موهبة قبل أي شيء وكل شيء.

من يعود لمشاهدة الحلقة يفهم ويدرك أنَّ الممثل الشاب وخريج كلية التجارة في جامعة القاهرة، قد تفوق لا على نفسه، بل على معظم أبناء جيله. إنه تحدٍ أكثر من كبير، فأن يؤدي المرء شخصيتين –أو أكثر- ليس أمراً معتاداً، ولا سهلاً، فكيف إذا كان المزج هنا بين “شخصية” سلام الحقيقية وشخصيته في العمل. يمر سلّام في العمل بعدّة مراحل: يقابله الآخرون، ويعاملونه كهجرس، فيما هو “مصرٌ” على أنه “سلاّم” وليس “هجرس” وهذا الأمر مضحكٌ ومؤلم في آنٍ معاً، هنا كان العمل ذكياً لهذه الدرجة. أن نتعاطف مع سلّام ونتضايق على ما يحدث معه دون أن نفقد اتصالنا بالكوميديا. لاحقاً يلتقي الإثنان في مشهد أكثر من سوريالي.

يطرح بول كلي الرسّام السوريالي الألماني/السويسري فكرة أن الفن لاينبغي له أن ينتج الواقع، بل أن يخالط الواقع بالمتخيل، فتكون النتيجة عملاً متقناً: هكذا كان المشهد. عملٌ متقنٌ إلى حد الدهشة والسوريالية في آنٍ معاً. “هدرس” هو “هدرس” و”سلاّم هو سّلام” كلاهما يسبح في فلكه الخاص، مع “حركته، نكتته، شخصيته، ومنطقه الخاصين. إلى هذا الحد كانت موهبة سلّام بائنة، ظاهرة. ولأننا نتحدّث عن موهبة خاصة لا يمكن المرور عنها دون الحديث عن إداءه في فيلم “للإيجار”(تأليف وإخراج إسلام بلال)، هنا يخرج من عباءة “الكوميديا” ويحافظ على “هامش” خاص به من “الجدّية” حتى بمواجهة نجم كبير بحجم “خالد الصاوي”.

صراع “البيت الدرامي”، كما هي تسمية الأمر، يحدث حينما يواجه “ممثلان ماهران” بعضهما في أي عمل، هذا الصراع جعل كلاً من روبرت دي نيرو وآل باتشينو لايلتقيان أبداً في فيلم “حرارة”(heat كتابة وإخراج مايكل مان، 1995)، والذي شهد بطولتهما المشتركة الأولى. لا يخشى سلاّم من التواجه مع أحد، إنه واثقٌ بموهبته وإداءه، وهذا يحسب كثيراً له، فالثقة بالنفس والمقدرة بحسب آلان ديلون الممثل الفرنسي: “هي أكثر ما يحتاجه الممثل في لياليه الطويلة المستوحدة”.

هذا العام، لربما أراد الممثل الموهوب أن يعيد “مظهرة” نفسه ولكن في بيئته المريحة فعاد للعمل مع إحدى أبرز المواهب المصرية حالياً “دنيا سمير غانم” (لدنيا مقال مفصّل من قائمة “عشرية رمضان الدرامية). هناك كيمياء عميقة تجمع بين سلّام ودنيا؛ وهذا أمرٌ يحتاج إلى شيئين على رأي مارتن سكورسيزي المخرج الأميركي العميق: “التوفيق الإلهي والمران المرتفع”، مؤكداً: “لا يكفي أن تحبكما الكاميرا، عليكما أن تعملا وتتدربا معاً، تأكلان معاً، تعيشان معاً، كي ينسى المشاهد تماماً من أنتما، ويتذكّر فقط الشخصية التي تؤديانها”.

هذا بالضبط ما يفعله سلّام كلما اجتمع مع دنيا. ففي “جت سليمة”(تأليف كريم يوسف، وإخراج إسلام خيري) إنه يستلقف النكتة، يعيدها إليها، لتعيده إليه بسلاسة بالغة تجعلنا كمشاهدين، على الرغم من الديكور “الزائف” و”البسيط”، والعالم غير المصنوع بإتقان، أن “سلاّم” هو جزءٌ فعلياً من هذا العالم الغريب المصنوع من أحلام “سليمة”، وأنه لا “يؤدي” أو “يصطنع”. إلى هذا الحد تنجح هذه الموهبة في تقريب العمل إلى الواقع.

إذا ماذا ينقص سلاّم لكي يخطو الخطوة القادمة؟ الخطوة التي تضعه على سكته الصحيحة في أن يأخذ بطولته المطلقة والمنفردة؟ قد يقول لك هو إذا ما سألته بأن الأمر قد لايعنيه، ولكن بحسب كوينتن تارانتينو “ليس هناك من ممثل لايرغب في أن تكون البطولة المطلقة من نصيبه، لا تصدّقه إن قال لك ذلك”. إذا ماذا يحتاج سلّام؟ لربما تغيير في الشكل؟ قليلٌ من “ضخامة”، “عضلات”؟ “حلق شعر”؟ “تغيير شكل لحيته”؟ “لحية كثة”؟ أو “قصيرة”؟ هذه الأمور بالتأكيد خطرت على باله، لا أحد يعرف لماذا لم يفعلها حتى اللحظة؟ هل لأنَّ الدور لم يأتِ؟ ماذا عن “الشر”؟ ألم يحن الوقت كي نرى سلام “شريراً” مرعباً، مخيفاً؟ شريراً واقعياً لا كاريكاتوريا؟ شريراً مكتوباً بحرفةٍ بالغة؟ خصوصاً أن ساحة أدوار الشر فارغة بشكلٍ تام. ماذا عن “anti-hero” بطلٌ اختارته الظروف لا خياراته؟ عن folk hero بطلٍ شعبي شبيه بأدهم الشرقاوي؟ الأسئلة كثيرة بالتأكيد والأجمل أن الإحتمالات لا تنتهي لأن موهبةً محمّد سلام طبيعية وأصيلة. بالتالي: يمكنها القيام بكل ما أشرنا إليه. القيام بكل ذلك طالما أنه يريد.. وهذا هو فصلُ القول.

نرشح لك:

علاقة مشروعة.. أن تُنهي حياتك بالزواج الثاني!

تحليل نفسي لمسلسل “كامل العدد”

“الصفارة”.. انتصار جديد للكوميديا الهادفة