سيناء.. تحية العابرين حربًا وسلمًا

سيناء.. تحية العابرين حربًا وسلمًا
مروان الريس

يتنسم المصريون ربيعًا في وسط نسمات الخريف الأكتوبرية العابرة هذه الأيام، ربيعًا روحيًا تحمل نسماته أحلام جيل لا ينفك يفارق سن السبعين عامًا، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، ويتشارك معه جيل عاصر وشاهد، وجيلان سمعا ورأيا الملحمة كل عام في أعمال مسجلة بين الواقعية والدرامية على أرض التجلي الإلهي المباركة.

عَبَر بطلانا مع ذويهما وأصحابهما، كلٌ تمنحه قوة روحه المتدفقة من القلب عبر شرايين الجسد جناحين يحملانه ليحلق فوق بادية النعيم وموطئ الأنبياء والجيوش العابرة فتحًا أو طمعًا وغصبًا، متمثلين طريق حورس الحربي أمام أعينهم وذود أجدادهم عبر صفحات رمال (توشريت)، لتطهير ما دنسته الأقدام الغاصبة، المستعدة قبلها وطوال سنوات لأي تحرك مباغت من أبناء الأرض وحاملي قضيتها على عواتقهم، إلى أن تجمعت الأجنحة المُشرعة بقوة الروح والإيمان، لتهيم على الأرض فتقتلع الأرجاس والمدنسين من بقعة تلو بقعة إلى أن كَمُلت بعد الحرب بدهاء السياسة.

رياح المحبة لازمت العابرين مرارًا وتكرارًا عبر رحلة من الشرق المصري إلى الغرب والجنوب الغربي الأردني والسعودي، سائرين لزيارة المبعوث الخاتم والعاشق لوطنه وبقعته التي ولد وترعرع فيها، والمبشِّر بمحبته لأهل طيبة، محملين بالمحبة التي علمتهم الإيمان بالأرض كما العرض والعقيدة. لا تكفكف دموعهما مع ذكريات الورد الفواح من جيلهما، ذلكم الشباب الذي ضحى بصمت المُحب من أجل استرداد حبيبته القابعة بين يدي سجّان ثقيل الظل والفعل، نظراتهما تنتقل هنا وهناك عبر الطريق، يرجعان بذاكرتهما إلى الطريق الصعب والمحمل بالتوجس والحيطة، فتستحوذ على داخلهما نبضات الألم حينًا ودفقات السعادة حينًا آخر، وهما ينظران فيريان بعمق الذاكرة أثر دماء الأرواح الطاهرة لأبطال أُسروا في سنوات عجاف، وتلقوا زخات الرَّصاص غدرًا من خلف ظهورهم، ينظران بتأمل عبر زجاج الحافلة التي تقلهما إلى الأسفل، تجاه الرمال التي تكاد تبوح لهما، وكأن أعينهما رادارات تنقل ما تحتها، تبث فيهم أشعة للنهوض، تخرج الأجساد ناثرة عنها حبيبات رمال عقود ماضية، وعلى جانبي الطريق تقف، أيادٍ تلوح وابتسامات آلاف الشهداء المغدور بهم، أُخذوا غيلة بأيدي مفزوعين من مارد الليل صاحب الحق والأرض، في بذاتهم العسكرية الرثة بفعل الكفاح المضني، وعلى رقابهم شاراتهم الحديدية اللامعة، وفي جيوبهم مصاحفهم وأناجيلهم، وبين ثنايا أرديتهم صور أحبابهم، لكنهم معطرون بدماء في أجزاء مختلفة من هذه الهيئات المبتسمة على كثرة ما فيها من جراح. وبين الواقفين أبطال العبور، آلاف من الذين تصدوا لأسلحة العدو بصدورهم لا يهابون من أجل التراب والشرف، هذا أول شهيد في بدء معركة الكرامة من بلدة بجوار بلدتهما، راحا يناديان بصوت لفت المصاحبين لهما، يا (محمد حسين) في الجنة يا رفيق، وهو يلوح لهما بعلامة النصر، وهذا فلان وهذا علان، وفي كل مرة تملأ وجهيهما ابتسامةٌ مغلفة بالدموع، دموع على من انتقلوا وسبقوا، وتركوا كلمات من مثل: (اللي يحب سلاحه يحب وطنه، واللي يهمل سلاحه يهمل وطنه).

تسير الحافلة سريعًا، وينتهي طابور الأحياء عند ربهم، ويقف العابران عن كرسيهما، وينظران عبر النافذة الزجاجية الخلفية للحافلة، وأعينهما تذرف دموع المحبة لرفاق ذهبوا قبلهما إلى جنات وعيون، ويرفعان أيديهما بتحية عسكرية استمرا عليها حتى وصلا إلى شاطئ الانتقال من أرض مباركة إلى أرض مكرمة.

في الذكرى الـ 49 لنصر أكتوبر، رحم الله أبطال سنوات الكفاح المسلح، وفي الذكرى الخامسة لبطلي الأكتوبري- أبي، رحمة الله عليه، وعلى خالي وجيلهم، وجيل أتى بعدهم، وجيلين يُنتظر منهما سير على طريق السابقين

نرشح لك: كرمهم الرئيس في احتفالية القوات المسلحة.. ما قصة أبطال “أبو عطوة” في حرب أكتوبر؟