بين عيسى وسوسن بدر.. كيف اختلف جمهور مهرجان أسوان؟

إيمان مندور

متابعة الأزمات والأحداث عموما لا تصلح بدون العودة للجماهير، لأن أي تغيرات حضارية تحدث سببها الحقيقي هو التغيّر العميق الذي يصيب أفكار الشعوب، أو كما يؤكد غوستاف لوبون في كتابه الشهير “سيكولوجية الجماهير”، بأن الأحداث الضخمة التي تتناقلها كتب التاريخ ليست إلا نتاجًا للمتغيرات اللامَرئيّة التي تصيب عواطف البشر.

لذلك كان لا بد من الالتفات لصوت الجماهير أولا خلال تغطية فعاليات الدورة السادسة من مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة، لا سيما ما يتعلق بأبرز حدثين في المهرجان، ألا وهما تكريم الفنانة سوسن بدر، وأزمة اعتذار الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى عن رئاسة لجنة تحكيم مسابقة الفيلم المصري بالمهرجان، على خلفية تصريحاته المثيرة للجدل عن المايوهات ورحلة الإسراء والمعراج.

نرشح لك: مهرجان أسوان يطلق وثيقة الحماية ضد الاستغلال الجنسي

غضب إبراهيم عيسى

اختلاف تعامل الجمهور مع كلا الحدثين كان لافتا للانتباه بشكل كبير، فالاعتذار الذي صدر بشكل مفاجئ قبل ساعات من حفل افتتاح المهرجان، لم يكن إلا احتواءً لغضب الشعب الأسواني، الذي لم يصل مدى غضبه إلينا في باقي أنحاء مصر، ولا حتى عن طريق السوشيال ميديا، رغم أنهم كتبوا ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكننا بشكل أو بآخر لم ننتبه لحجم الغضب.

وهو ما علمت تفاصيله حين تواصلت مع عدد من أهالي أسوان، فقد كانت “البلد مقلوبة” كما يقولون بالعامية وبكل ما تحمله الكلمة من معنى، بسبب إعلان حضور إبراهيم عيسى لأسوان للمشاركة في المهرجان، بعد تصريحاته الأخيرة، وتم التهديد بالتصعيد وأنهم لن يقبلوا بحضوره بينهم، ولن يسمحوا بتواجده في المهرجان بسبب ما قاله عن النساء المصريات، بأنهن جميعا ارتدين المايوه خلال فترة الستينيات والسبعينيات، بل والتقطن صورا به، ربما لا تزال موجودة لدى أحفادهن، ثم حديثه عن إنكار معراج الرسول الكريم للسماء.

“إحنا هنا بلد المليون راجل يا أستاذة.. عيب في حقنا لو ده حصل”.. قالها لي بائع في بازار حين علم أنني ضمن حضور المهرجان، وحين سألته عن سبب رفضهم لتواجد الإعلامي الشهير، أوضح أن هذه الأمور “مبتعديش عندهم”. نفس الأمر قالته صاحبة أحد المحلات، حين أخبرتني أن أسوان بلد طيبة و”ناسها أطيب ناس”، لكن غضبهم – رغم قلته – لا يقدر عليه أحد، لذلك لم يكونوا ليسمحوا بتواجد إبراهيم عيسى بينهم بعد تصريحاته.

هذا المعنى تكرر معي من بائعين مختلفين، وسائق تاكسي، وصاحب حنطور وغيرهم ممن التقيتهم خلال اليومين الماضيين، ورغم أن اللقاءات كانت في أماكن ومناسبات وأوقات متفرقة، إلا إنهم أجمعوا على نفس الرأي “إبراهيم عيسى لا”.

المفارقة أن كل هذا الغضب “الأسواني”، سواء اختلفنا أو اتفقنا معه، لم يصل إلينا أو ندرك مدى انتشاره قبل المهرجان بين الأسوانيين على السوشيال الميديا وفي الشارع نفسه.. وهو ما يستحق البحث عن سببه، فضلا عن التساؤل حول موقفهم من حلقة أمس الأول لإبراهيم عيسى التي أكد فيها أنه لم ينكر المعراج بل نقل الأراء التي تقول ذلك.. وبالتالي يكون السؤال الأهم الآن: هل سيصلهم تصريحاته الأخيرة بنفس انتشار الأولى؟!

تكريم سوسن بدر

على الجانب الآخر، كان هناك احتفاء كبيرا من الجمهور بتكريم الفنانة سوسن بدر بجائزة إيزيس للإنجاز من مهرجان أسوان، وحرص على حضور ندوتها على هامش المهرجان عدد من السيدات النوبيات، وأعربن خلال الندوة عن مدى تقديرهن لسوسن بدر ومسيرتها الفنية، وطالبنها بتقديم أعمال فنية تناقش قضايا المرأة النوبية، مثلما أجادت تقديم المرأة الصعيدية والريفية والأرستقراطية وغيرها من الشخصيات.

اللافت في الأمر، أن الناقد الفني طارق الشناوي أدار الندوة بجدارة كعادته، لكنه تحدث أكثر من سوسن بدر نفسها، وبدت الندوة وكأنها ندوة تكريم طارق الشناوي وليس سوسن بدر، بل حتى في اختيار الأسئلة لم يسمح إلا للجمهور الأسواني ثم مداخلات بعض النجوم الحضور، ثم انتهت الندوة على ذلك. فلم يسأل الصحفيون، ولم تتحدث النجمة بالقدر الكافي، ولم يعلم أحد فيما بدأت وكيف انتهت الندوة، لكن رغم ذلك ظهر مدى محبة وتقدير الجمهور لسوسن بدر، وترحيبهم الكبير بتواجدها في أسوان.

في النهاية تظل مفارقة تعامل الجمهور مع كلا الحدثين تستحق التأمل والدراسة، فضلا عن إدراك صعوبة نيل محبة الجمهور، وأن السعي لمحبتهم من البداية يظل دوما أقل كلفة من السعي لتصحيح صورة خاطئة وصلتهم عنك.. سواء عن قصد أو دون ذلك!