أوله صداع وآخره ملل.. الخاسرون من نتف "ريش"

إيمان مندور

بعد أيام من الأزمة المشتعلة حول فيلم “ريش” في مهرجان الجونة السينمائي، عقب انسحاب الفنان شريف منير من العرض، وتصريحاته التي تلت ذلك بأن الفيلم “مسيء لسمعة مصر”، وأن الفقر الموجود فيه لا يعبر عما يحدث في مصر من إنجازات، ثم التصريحات المتتالية من نجوم الفن لدعم شريف منير أو دعم المخرج عمر الزهيري، استيقظ الجميع صباح اليوم على تسريب الفيلم على مواقع التواصل الاجتماعي.. والفاعل كالعادة مجهول!

بعد تسريب الفيلم انقلبت الآية، وشعر كثيرون – إن لم يكن الجميع- بخيبة أمل كبيرة، لأنهم اكتشفوا أن العمل لا يستحق كل هذا القدر من الجدل، وأنه “ممل فنيا” بدرجة كبيرة، لكن بعيدا عن تقييم الفيلم، وهل هو كذلك بالفعل أم لا، نجد المفارقة الأكبر أن كل أطراف هذه الأزمة خاسرون.. لا نستثني أحدا.

نرشح لك: ليلة “العفوية المصطنعة” بين فيفي عبده وسمية الخشاب

أولا: الخاسر الأكبر دوما من المزايدة الوطنية هو الفنان شريف منير. الفنان لم يعجبه الفيلم فخرج من العرض ولم يكمل مشاهدته، هذا حقه، لا يوجد ما يجبر أحدا على الإشادة بعمل فني أو استكمال مشاهدته “بالغصب”، الفن أذواق كما يقولون، ولم ينتقد أحد شريف منير في ذلك، لكن الاعتراض جاء على المبرر الذي قاله حول سبب الانسحاب، بأن “الفيلم مسيء لسمعة مصر”، بل وطالب “الجهات” في مداخلة تلفزيونية بمشاهدة العمل والحكم عليه، لا يهم ما يقصده الفنان الوطني شريف منير على الهواء مباشرة بـ”الجهات” التي يجب أن تشاهد فيلما سينمائيا وتقيّمه إن كان يضر بسمعة مصر أم لا، لكن المهم أن هذا الموقف ومن قبله مواقف كثيرة للفنان تجعلنا نقول بملء الفم أن الوطنية ليست كذلك يا شريف!

ثانيا: دفاع الفنانة هالة صدقي عن شريف منير كان على قدر الحدث بالفعل، فالفنانة أرادت تصليح ما أفسده زميلها، لكن كلامها زاد الأزمة اشتعالا، حيث أكدت أن الفيلم خيالي وليس واقعيا، وبالتالي لا يعبر عن الفقر في مصر، خاصة أن أماكن التصوير ليست في القاهرة “عشان كده تحس بغربة”، ثم واصلت نقدها لمخرج العمل وأبطاله بأنه “مش جايب ممثلين لكن جايب ناس من الشارع يمثلوا”. لكن بخلاف ذلك، كان التصريح الأكثر جذبا للانتباه، هو أن الفيلم بدأ تصويره منذ 4 سنوات، أي قبل التطوير الذي حدث في مصر مؤخرا فـ”خلاص بقى ديموديه”.. نعم هكذا قالت، ولا تعليق.

ثالثا: انتقادات الإعلامية بوسي شلبي تصدرت مشهد الأزمة أيضا، بعد لقاءها مع أبطال الفيلم على هامش المهرجان، وحديثها معهم بطريقة وصفها الجميع بـ”العنصرية والتعالي”، لا سيما حين قالت إن “المخرج عمر الزهيري فتح باب رزق لأسرة من المنيا لم تكن تحلم بأن تصل لهذا المكان في الجونة”.. بوسي جانبها التوفيق بالطبع في طريقة تعاملها وكلامها مع أبطال الفيلم، لكن يبدو أن هذا الموقف فتح الباب لحسابها عن مجمل تاريخها.. الشخصي والمهني.

رابعا: لم يتوقع أحد أن الفيلم سيتم تسريبه، وبالتالي أخذ الجميع راحته في مدح أو ذم العمل، فلم يشاهده سوى حضور المهرجان فقط، وبالتالي ما نقوله لن يجادل فيه العامة، أو على الأقل لن يدركوا “المبالغة” فيه، وهو ما حدث مع الفنان خالد النبوي، الذي أدرك كثيرون عقب تسريب الفيلم أن ما قاله “مبالغ فيه” بدرجة كبيرة، فقد وصف دميانة نصار بطلة الفيلم بأن أدائها يصعب على “المحترفين”، وأن الفيلم رائع وبمثابة فخر للسينما المصرية، بالطبع كثير ممن شاهدوا الفيلم قبل أو بعد التسريب لن يأخذوا “مبالغات” خالد النبوي على محمل الجدية مرة أخرى. من حقه بالتأكيد أن يصف البطلة والعمل ككل بهذا الشكل وأن يعبر عن إعجابه الشديد به، ومن حق الجمهور أيضا أن يحكم بنفسه ويقرر من سينصت له لاحقا من أصحاب الآراء المتوازنة.. لا المبالغ فيها.

خامسا: الجمهور وجد نفسه محاطا بأزمة لا علاقة له بها، تصريحات متتابعة من أطراف مختلفة، دفاع عن الفنان تارة، ودفاع عن المخرج تارة أخرى.. دفاع عن السينما من جهة، ودفاع عن الإنجازات من جهة أخرى، نجوم يختلفون مع بعضهم البعض والإعلام يناقش ويتابع ويوضح… والجمهور لا يزال في دوره الأساسي مجرد “متفرج”، لم يستفد من الأزمة سوى “الصداع”، وحين تم تسريب الفيلم لم يحصد سوى “الملل” بعد مشاهدته، بشهادة الكثيرين، فالجمهور يبحث عن المتعة الفنية، والفيلم لا ينتمي لنوعية الأفلام الجماهيرية التي تستهدف إمتاع المشاهدين لتحقيق أرباح معينة، ولمثل هذا يوجد لدينا منذ سنوات طويلة مصطلح “فيلم مهرجانات”، الذي يختلف حوله صناع الفن أنفسهم.

لكن في النهاية، سواء كان الفيلم يستحق كل هذا القدر من الإشادة أو من الذم، لا شيء مؤكد في هذه الأزمة سوى أن لسان حال الجميع الآن يقول… لو أن شريف منير صمت قليلا!