فيسبوك وواتساب وإنستجرام .. الانقطاع اللذيذ

منة المصري

لـ ست ساعات تقريبا، انقطع الاتصال بما تسمى مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وإنستجرام وواتساب.

الانقطاع اللذيذ

حالة من الانقطاع اللذيذ على حد إحساسي تجاه هذا الأمر؛ حيث انقطعت مع هذه المواقع كثير من عاداتنا اليومية وكثير من الأخبار وكثير من صور المشاهير وكثير من التلصص على معارفنا وكثير من الترقب لما يكتبه أصدقائنا.. انقطع الوهم الزائف بأن الحياة لا تصلح أو تمضي دون هذا العالم الافتراضي الذي ننغمس فيه حد الاختفاء عن الواقع ومشاكله.. حد الهروب من كل ما هو موجود وملموس وينبغي مواجهته والانخراط فيه.

نرشح لك: أبرز التطبيقات البديلة للمراسلة

ياريتنا نرجع زي زمان

آه لو يستمر إغلاق الفيسبوك وإنستجرام وواتساب للأبد ونعود كما كنا من قبل.. نعم بعد مرور الثلاث ساعات الأولى وأنا أفتح التطبيقات بشكل متتالي ومستمر لعل وعسى أكون من ذوات الحظ وأسعد بعودة العمل بها وحينها أسرع وأزف الخبر للجميع بأن “الفيسبوك رجع يا جماااااعة” وجدتني أتمنى لو يستمر في مقاطعتنا ويغضب علينا للأبد حتى نعود أكثر قربا من أحبابنا الحقيقيين، حتى نعود لمهاتفة بعضنا البعض ونكف عن إرسال الرسائل المكتوبة، حتي نعود للنظر في عيون الآخرين ونحن نتحدث معهم.. حتى نستمتع ونشبع من بعضنا البعض.. حتى نمسك بالكتب المنسية على الرفوف.

استراحة محارب

حالة الانهيار لتلك التطبيقات جعلتني أتخيل ‏لو نعود لما قبل عصر الراوتر وما قبل سرقة كابل التليفون الأرضي وإيصاله بجهاز الكمبيوتر بحثا واستكشافا لعالم الإنترنت الخفي المثير، كما يحكي عنه كل من جربه.

جعلتني أتخيل أيضا ماذا لو قررنا أن نعطي راحة لهواتفنا المحمولة وتركناها جانبا على أقرب طاولة وأعطيناها استراحة محارب بعدما أنهكنا معاصم أيدينا لسنوات طويلة وتشبثت عيوننا لساعات وساعات أمام شاشاتها وأزعجناها وأقحمناها في كل مشاكلنا الشخصية، حتى باتت تُسرع كلما سمعت منا موضوعا تقترح علينا حلولا وتضع في طريقنا مواقع وفيديوهات وسلع لكل ما نحتاج وكل ما يخطر على بالنا.

وأهي جمعية ودايرة يابا

أزعم أنه آن الوقت لاتباع سياسة التخلي.. آه لو تخلينا عن متابعة ومصادقة آلاف الأشخاص والمشاهير الذين أُجبرنا ودُفعنا دفعا لمتابعتهم دون أي اختيار منا فأصبحنا مضطرين لمتابعة وترقب كل ما هو لا يخصنا.

فنتابع كل صورة جديدة ينشرها الفنان الفلاني، ونتابع كل بلد ومكان جديد تزوره الفنانة الشهيرة ونضطر رغما عنا إلقاء المجاملات هنا وهناك، واجب عزاء هنا ومباركة على الزواج هنا وتهنئة على النجاح هناك وهكذا “وأهي جمعية ودائرة يابا” بصوت الفنان خالد الصاوي في فيلم الفرح.

هذه الجمعية والمتابعة والتدخل في أدق تفاصيل حياة الآخرين شكلت هي الأخرى ضغطا كبيرا علينا جميعا، فأصبحنا نتمنى حياة الآخرين التي نراها في صورهم بشكل عفوي لا إرادي، وافترضنا عن جهل وتسطيح شديد للأمور أن حياتك تكمن وتدور حول ما تنشر في بروفايلك.

دكتور نفساني وبسرعة
بعد عودة تطبيقات التواصل الاجتماعي للعمل مرة أخرى، وحالة الفرحة الكبيرة التي عمت صفحات المشاركين تجعل من الضرورة الاعتراف بأننا جميعا أصبحنا على تماس بنوع من أنواع الإدمان والشغف والتعلق المرضي بهذه المنصات، حتى أن الكثيرين اتجهوا لإعادة تشغيل حساباتهم المتوقفة لسنوات على موقع تويتر الذي صمد وسط كل هذه الانهيارات، بحثا عن التواج .. بحثا عن بعض الأنفاس من الأكسجين الإلكتروني.