التنمر على صورة فيروز.. كيف ومتى "توحَّش" الجمهور؟

أسماء شكري

“زي خيول الحكومة لما بتعجز بتنضرب بالنار”؛ استحضرت تلك المقولة الشهيرة وأنا أطالع كم التعليقات السلبية والتنمر والهجوم على أحدث ظهور لجارة القمر فيروز في صورة لها مع ابنتها ريما الرحباني؛ نشرتها الأخيرة على حسابها عبر تويتر وأحدثت تفاعلا وجدلا واسعا على السوشيال ميديا، وحملت أغلب التعليقات من السخافة و “الوقاحة” ما جعلني أتساءل: هل أصبح الجمهور يُعامل النجوم “كبار السن” معاملة “خيول الحكومة”؟ وكيف ومتى “توحَّش” الجمهور لدرجة السخرية من ملامح الشيخوخة والتطاول على شخص لأنه -فقط- أصبح عجوزا!

مجرد سيلفي

الصورة جاءت عفوية صوّرتها ابنة فيروز بطريقة “السيلفي”، وأطلت فيها النجمة اللبنانية بابتسامة هادئة وشعر مسندل بدون فلتر، كما ظهرت ريما الرحباني بشعر قصير وهي تضحك في سعادة، وجاءت بعض التعليقات على فيروز: “هي لسه عايشة؟” “كانت متصورتش أحسن”، “أعوذ بالله”، بل امتد التنمر لريما ووصفها بأنها ذكرا وليست أنثى بسبب قصر شعرها، وكتبت إحداهم: “يا مامي زي العفاريت زي الزومبي هي وابنها المتحول”! والتعليق الأقل حدة استنكر نشر الصورة بدون استعدادات أو طابع رسمي ولام على ريما بأنها عرّضت والدتها لتلك الانتقادات.

نرشح لك: أبناء الفنانين والسوشيال ميديا.. شهرة وحجب وانتقادات


لسنوات طوال، شاهد الجمهور صورا ولقاءات لنجوم محبوبين وهم في شيخوختهم، ولم نجد هذا التنمر أو السخرية من مظهر الفنان وملامح كبر سنه كما حدث مع فيروز، رأينا أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ويوسف وهبي وفؤاد المهندس وغيرهم وهم فوق السبعين؛ ولكن لم يقلّ عشقنا لهم ولم يهاجم شيخوختهم أحد، بل على العكس ما زلنا نسعد بمشاهدتهم في كبرهم من خلال اللقاءات النادرة، التي تعتبر من كنوز هذا الجيل الذهبي.

“دلع” صباح

ربما كانت النجمة الوحيدة التي تعرضت لانتقادات على شكلها هي صباح، حدث هذا منذ أكثر من عشرين عاما قبل عصر السوشيال ميديا، وقتها انتقد الجمهور إصرار صباح على الظهور بأجمل إطلالة من حيث الفساتين والميك آب و “الدلع” بالرغم من أنها كانت قد تعدت السبعين، كما انتقد الجمهور زيجاتها الأخيرة والتي كانت إحداها من شاب في عمر ابنها، ومع تأكيدنا على أن هذه ليست أسباب لانتقاد مظهر أي شخص لأنه “ببساطة” حر في تصرفاته، ولكن بالمقارنة بما حدث مع فيروز لا نجد أيا من تلك الأسباب! فصورتها جاءت عفوية جدا بإطلالة بسيطة بدون بهرجة ولا تجهيزات، مجرد صورة أطلت فيها على الجمهور الذي غابت عنه لسنوات، فماذا جَنت لتلقى كل هذا التنمر؟

لم يحدث هذا التنمر على فيروز في ظهورها الأخير خلال سبتمبر الماضي أثناء زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون لها في منزلها، وانتشرت صورها معه بتعليقات مليئة بالحب والشوق لجارة القمر، فظهورها بطابع رسمي وشكل أُعد له مسبقا من طريقة تصفيف الشعر والملابس والاستعداد للتصوير؛ كل هذا جنّب فيروز السخرية التي طالتها مع صورتها الأخيرة، مما ينذر بأن قطاعا كبيرا من جمهور مواقع التواصل الاجتماعي لم يعد يعرف الرحمة، وأصبح التصوير بـ “الفلتر” هو المنقذ للنجم من التنمر!

سخافات السوشيال ميديا

فنانة بقيمة وتاريخ و “سن” فيروز لم تفعل شيئا واحدا تستحق عليه هذه السخافات، كل ذنبها أنها ظهرت في لقطة سيلفي مع ابنتها كما يفعل الملايين حول العالم، وبدلا من أن يسعد المتنمرون بأنهم اطمئنوا عليها وشاهدوها بعد غياب، سخروا منها ومن ابنتها، فمتى توحّش الجمهور لهذه الدرجة وكيف؟ وهل يجب على النجم أن يظل شابا وجميلا وأنيقا دائما حتى وإن طال به العمر؟ بالطبع هذا مستحيل، فالشيخوخة قادمة لا محالة ولن يفلح “فلتر الموبايل” في إخفائها كثيرا.

في رأيي أن سهولة إبداء الرأي والحكم على الآخرين من خلال منصات التواصل الاجتماعي؛ جعل الجمهور يتمادى في النقد الذي تحول في احيان كثيرة إلى “وقاحة”، فهؤلاء الذين لم يكن بمقدورهم قبل سنوات أن يوصلوا أصواتهم إلى المشاهير، أصبح بإمكانهم الآن بضغطة زر إبداء آرائهم بكل سهولة.

اعتزال ليلى مراد

هذا التنمر على فيروز ذكّرني بالفنانة الراحلة ليلى مراد؛ التي اعتزلت الفن قبل أن تصل إلى الشيخوخة بسنوات، واختفت تماما عن الساحة، إذ صرحت وقتها بأنها امتنعت عن الظهور حتى لا يراها الجمهور بصورة مغايرة لما اعتاد عليها وهي شابة وجميلة، فهل النجوم مطالبون بتقليد قرار ليلى مراد تجنبا للتعليقات السلبية؟ بالتأكيد لا، فكل نجم حر في طريقة ظهوره وليس هناك إنسان يشبه الآخر.

فيروز ليست “كائنا فضائيا” ولكنها إنسانة مثلنا جميعا، وعلى المتنمرين على صورتها أن يعوا جيدا حقيقة واضحة لا تقبل النقاش؛ وهي أن الناس لن يظلوا شبابا دائما وسوف يمرون بمرحلة الشيخوخة لا محالة إذا امتد بهم العمر، ومن هؤلاء المتنمرين من ينشر صوره مع أبيه أو جده أو أمه المسنة بكل سعادة، فهل يقبلون التنمر على مظهر أقاربهم لمجرد أنهم من كبار السن؟!

نرشح لك: ممثلتان ومطربا مهرجانات.. من الخاسر الأكبر؟