رغم أنها مؤسسة ثرية.. لماذا تطلب ويكيبيديا تبرعات؟

أسماء مندور

إذا كنت زائرًا منتظمًا لـ ويكيبيديا، فربما تكون قد شاهدت مناشدة “يائسة” تظهر على الموقع، تحث المستخدمين على التبرع لإبقاء الموسوعة على الإنترنت، مما يعطي  انطباعًا بأن الموقع يكافح من أجل البقاء واقفاً على قدميه، لكن الواقع مختلف تمامًا، كما أوضح الصحفي المستقل “أندرياس كولبي”، رئيس التحرير السابق لصحيفة The Signpost، لـ موقع “ديلي دوت” الأسبوع الماضي.

في مقال لافت للنظر، يوضح “كولبي” أن مؤسسة “ويكيميديا”، التي تمتلك ويكيبيديا، أصبحت في الواقع أكثر ثراءً من أي وقت مضى، حيث أن الإيرادات المتزايدة للمنشأة غير الربحية، والتبرعات السنوية، التي تحطم الرقم القياسي، كافية بسهولة للحفاظ على تشغيل الموقع.

هدف محدد

مؤسسة ويكيميديا، المنظمة غير الربحية التي تمتلك ويكيبيديا وغيرها من المواقع الإلكترونية التي كتبها المتطوعون، يبلغ إجمالي أموالها، التي ارتفعت بنحو 200 مليون دولار، على مدى السنوات الخمس الماضية، حوالي 300 مليون دولار، ففي الأشهر التسعة الأولى فقط من سنتها المالية الحالية، جمعت 142 مليون دولار من التبرعات وفقًا لوثيقة داخلية، وألغت بالفعل سجلها السنوي السابق.

إذن ماذا تفعل مؤسسة ويكيميديا بكل هذه الأموال؟ لقد استخدمت الأموال لتوظيف مئات الموظفين الإضافيين، وتخصيص الأموال تحسبًا لأي أزمة فيما بعد. كما أن لديها خطط طموحة، وهي مستعدة لإخبار قراء ويكيبيديا أنها تحتاج أموالهم، حتى لو أصبحت أكثر ثراءً من أي وقت مضى.

وفقًا لموقع dailydot، عندما أعلنت مؤسسة ويكيميديا عن إنشاء شراكة مع مؤسسة “تايدز” في يناير 2016، في عيد ميلاد ويكيبيديا الخامس عشر، كان هدفها تجميع 100 مليون دولار على مدى 10 سنوات، كمصدر دائم للتمويل، لضمان ازدهار ويكيبيديا للأجيال القادمة، لكن بعد خمس سنوات فقط، تجاوزت التبرعات 90 مليون دولار، وهي على وشك الوصول لـ 100 مليون دولار، لتصفه بأنه “الهدف الأولي” هذا العام.

جوائز ومنح

 استُكملت التبرعات الرئيسية من أمازون، وجوجل، وفيسبوك، وغيرها، بهدايا قديمة، و25 مليون دولار من مؤسسة ويكيميديا نفسها، لكن تلك الأموال، التي تم التبرع بها، لم يتم تضمينها في صافي الأصول لـ ويكيميديا، التي بلغت 180مليون دولار أمريكي، اعتبارًا من يونيو الماضي، أو الإيرادات السنوية، التي تبلغ حوالي 130 مليون دولار أمريكي. ومع ذلك، يتم تسجيل الأموال التي تحصل عليها مؤسسة ويكيبيديا في التبرعات ضمن نفقات “الجوائز والمنح”.

 تكشف هاتان الحقيقتان أن صندوق إدارة ويكيبيديا قد عمل بفاعلية مع فائض أكبر بكثير، خلال السنوات الخمس الماضية، مما تشير إليه بياناتها المالية،  التي تُظهر زيادة قدرها 100 مليون دولار فقط، في صافي الأصول خلال تلك الفترة الزمنية.

علاوة على ذلك، تُطلق ويكيبيديا شركة هادفة للربح تسمى ويكيميديا، وبناءً عليه، سيؤدي هذا إلى بيع خدمات واجهة برمجة التطبيقات لشركات التكنولوجيا الكبرى، مما يسهل عليهم معالجة محتوى ويكيبيديا، والذي يدعم التطبيقات الصوتية مثل Siri من أبل، و Aexa من أمازون. بالإضافة إلى صناديق المعلومات من جوجل، حيث تعتمد جميع أجهزة الإنترنت الذكية على محتوى من ويكيبيديا لخلق “هالة من العلم” بكل شيء.

الموسوعة الحرة

من وجهة نظر القارئ، لم تغير ثروة ويكيميديا شكل ومضمون ويكيبيديا بشكل كبير. في حين أن ويكيميديا نفسها، التي كان لديها 11 موظفًا فقط، وبلغت نفقاتها 2 مليون دولار في عام 2007، تغيرت بشكل مذهل.

لطالما استاء زوار ويكيبيديا من لافتات جمع التبرعات هذه، لأنه من المفترض أن تكون ويكيبيديا “الموسوعة الحرة”، وليست هي التي تجعل قرائها يشعرون بالذنب. مع أنها لم تتعرض أبدًا لخطر عدم الاتصال بالإنترنت، أو الحاجة إلى إعلانات، أو فقدان استقلاليتها. على العكس من ذلك، ففي كل عام، كانت ويكيميديا تستحوذ على أموال أكثر من العام السابق، وتزيد عدد موظفيها.

هذا العام ليس استثناء،  ففي الأرباع الثلاثة الأولى من السنة المالية الحالية لـ ويكيميديا 2020-2021 ، تم تجاوز الهدف العام المشترك لمؤسسة ويكيميديا، وارتفع من 108 مليون دولار إلى 125 مليون دولار. هذا الهدف أيضًا تم تجاوزه بحلول نهاية شهر مارس، بمبلغ 17 مليون دولار.

عدالة معرفية

 ومع ذلك، بعد بضعة أسابيع، بدأت مؤسسة ويكيميديا في جمع التبرعات في أمريكا الجنوبية التي دمرتها الوباء، وطلبت من القراء “بتواضع” التبرع بالمال “للدفاع عن استقلال ويكيبيديا” و “إخبار المتطوعين أن تبرعهم مهم”.

من الواضح أن الاستقلال المالي لـ ويكيبيديا ليس في خطر، إذًا ماذا يحدث؟ الجواب الرسمي هو أن لدى مؤسسة ويكيميديا خطط عالمية “لتصبح البنية التحتية الأساسية للنظام البيئي للمعرفة المجانية” بحلول عام 2030.

تقول إنها تريد إنشاء “عدالة معرفية”، أي عالم يتمتع فيه الناس، في كل مكان، بإمكانية الوصول إلى المعلومات، بلغتهم الخاصة، مثل مواطني العالم الأول، وهذا سيتطلب زيادات مستمرة في الميزانية. إلى جانب كل تلك المساعي، يساعدها اكتشاف أن لديها أصولًا في ويكيبيديا، التي تم بناؤها من خلال عمل المتطوعين، ويمكنها استخدامها متى شاءت.