لبناء ثقة القراء.. صحفية نيوزيلندية تروي تفاصيل فصل موقعها عن فيسبوك

أسماء مندور

في العام الماضي، في ظل جائحة كورونا، عرضت “سينيد باوتشر” Sinead Boucher، صحفية نيوزيلندية، دولارًا واحدًا لشراء موقع Stuff، الذي يعد أكبر المؤسسات الإخبارية انتشارًا في نيوزيلندا.

أصبحت “باوتشر” بالفعل الرئيس التنفيذي للشركة، وكانت قلقة من قيام شركة الإعلام الأسترالية News Corp Australia، المالك الأصلي لمؤسسة Stuff، بإغلاق الموقع، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية في المؤسسة الإخبارية، وتراجع عائدات الإعلانات.

نرشح لك: فورين بوليسي: في هذه الدول الفقر أشد فتكا من كورونا!

بالفعل قبلت الشركة الأسترالية عرض دولار نيوزيلندي واحد بقيمة 70 سنتًا أمريكيًا لشراء الموقع، وعلى هذا المنوال، وجدت “باوتشر” نفسها، في مايو، صاحبة أشهر موقع إخباري في نيوزيلندا، وحوالي 50 صحيفة ومجلة محلية وإقليمية ووطنية، وكان من أولى القرارات التي اتخذتها بصفتها المالكة هو قرار الانفصال عن فيسبوك.

يوضح اتخاذ “باوتشر” لهذا القرار مدى تعقيد العلاقة بين فيسبوك وناشري الأخبار على مر السنين.

إيقاف جميع المنشورات على فيسبوك و إنستجرام

عملت باوتشر لسنوات مراسلة ومحررة قبل أن تنتقل إلى الإدارة، حيث رأت في “تغيير الملكية” فرصة لإعادة التفكير في نهج المؤسسة الإعلامية لتغطية الأخبار في نيوزيلندا وتركيز الشركة على بناء الثقة مع القراء.

قرار الانسحاب من فيسبوك لم يأتِ من فراغ، ففي عام 2019، بعد بث مباشر لإطلاق النار الجماعي المروع على مساجد في كرايستشيرش بنيوزيلندا، على فيسبوك، بدأت الشركة في إعادة النظر في علاقتها بالشبكة الاجتماعية وتوقفت عن دفع الأموال للإعلان هناك.

وذكر موقع npr أنه بعد أكثر من عام، في يوليو 2020، أطلقت مؤسسة Stuff الإعلامية تجربة جديدة، حيث توقف موقعها الإلكتروني وصحفها ومجلاتها عن نشر أي شيء على الإطلاق على فيسبوك و إنستجرام التابعة لها، وقالت “باوتشر” إن الشركة بدأت تشكك بشكل متزايد في مدى توافق وجودها على الشبكة الاجتماعية مع تركيزها الجديد على الثقة، وصرحت: “ما زلنا نشعر بعدم الارتياح تجاه الكثير من القرارات التي اتخذها فيسبوك أو الكثير من الأشياء التي غضوا الطرف عنها، مثل الكلام الذي يحض على الكراهية والمعلومات المضللة”.

تبعات اتخاذ القرار

كان القرار محفوفًا بالمخاطر، حيث أثر الإنسحاب من مواقع التواصل الاجتماعي على ربع عدد زيارات الموقع، وبشكل أساسي من فيسبوك، وقالت باوتشر: “كنا نتوقع أن يؤدي ذلك إلى انخفاض كبير في حركة المرور لدينا”.

لكن سرعان ما تغير الحال، ففي الوقت الذي انخفضت فيه حركة مرور وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بـموقع Stuff، ارتفع عدد الزيارات الإجمالية للموقع، وتُرجع “باوتشر” السبب في ذلك إلى أن عام 2020 كان عامًا إخباريًا مزدحمًا؛ من الوباء إلى احتجاجات العدالة العرقية العالمية إلى الانتخابات في نيوزيلندا، وبالطبع الولايات المتحدة.

وقالت باوتشر: “يمكننا بالتأكيد أن نرى تغييرًا في الطريقة التي يتفاعل بها الناس معنا ويتحدثون إلينا، فعند الاستماع إلى القصص المتناقلة من الصحفيين، فإنهم يشعرون وكأنهم تمكنوا من إجراء مقابلات لم يتوقعوا يومًا الحصول عليها، ويشعرون أنها ساهمت حقًا في زيادة ثقة الناس بنا، والتفكير فينا كمنظمة ذات مجموعة واضحة من القيم”.

انفصال طويل الأمد

كان من المفترض أن تستمر فترة التوقف على فيسبوك بضعة أسابيع، لقد مر الآن أكثر من ثمانية أشهر، وتقول باوتشر إنها لا تخطط للعودة إلى فيسبوك، رغم تأكيدها الشديد بأن الانفصال عن فيسبوك ليس قرارًا سهلاً لأي ناشر، فالعديد من المنافذ الإخبارية بحاجة إلى أن تكون على فيسبوك للوصول إلى عدد أكبر من الناس، ويؤكد مركز بيو للأبحاث على أن ثلث الأمريكيين يتلقون أخبارهم بانتظام على الشبكة الاجتماعية، وفي الوقت نفسه، تواجه صناعة الأخبار مشكلة مالية حقيقية لأن جزءًا كبيرًا من عائدات الإعلانات يذهب الآن إلى فيسبوك و جوجل.

في الواقع، أصبح فيسبوك قوة مهيمنة في كيفية حصول الناس على المعلومات التي تحاول بعض الحكومات إجبار الشبكة الاجتماعية على الدفع لوسائل الإعلام مقابل الحصول على القصص الإخبارية، حيث احتج موقع فيسبوك مؤخرًا على قانون أسترالي مقترح ينص على قطع جميع الأخبار عن القارة لفترة وجيزة، حيث يؤكد فيسبوك إن ديناميكيات علاقته بالناشرين يساء فهمها إلى حد كبير، ففي الواقع، يحتاج الناشرون إلى مواقع السوشيال ميديا أكثر مما تحتاج تلك المنصات إليهم.

مخاوف لا أساس لها

وفي سياق آخر، أكدت “باوتشر”أنها تدرك حقًا أن الكثير من الأشخاص ما زالوا يستخدمون المنصة كوسيلة أساسية للوصول إلى الأخبار والمعلومات، وتدرك تمامًا مخاطر سحب الصحافة من فيسبوك، ومع ذلك، تقول إنها واثقة من أنها اتخذت القرار الصحيح، وفي حين أن مؤسسة Stuff الإعلامية هي شركة واحدة، في بلد واحد صغير، إلا أن تجربتها قد أعطت “درسًا” للناشرين من جميع الفئات، في جميع أنحاء العالم، وهو أنه “هناك حياة خارج فيسبوك”.

وذكرت أيضًا: “إن اتخاذ هذه الخطوة علمنا الكثير، ومخاوفنا من أنه بدون هذه المنصات سننهار، قد تبددت تمامًا.”