كيف تسببت السوشيال ميديا في زيادة العنف والتطرف العالمي؟

أسماء مندور

تحت ذريعة “حرية النشر”، ساعد عمالقة التكنولوجيا الأمريكيون، القادة السياسيين في نشر وجهات نظر متطرفة مدعومة بالعداء العنصري وجميع أشكال التحيز الأخرى، لعدة سنوات، مما أدى بدوره إلى تفاقم العنف والاضطهاد الذي يستهدف المجتمعات الضعيفة في جميع أنحاء العالم.

وكشف تقرير جديد صدر هذا الأسبوع عن هيئة المشروع العالمي ضد الكراهية والتطرف، عن عواقب تواطؤ وادي السيليكون وإهماله، نظرًا لأن المسؤولين التنفيذيين البارزين في وسائل التواصل الاجتماعي تجاهلوا عمل المتطرفين السياسيين واستفادوا منه بشكل متكرر، وقد تعاون بعضهم أيضًا بالفعل بشكل مباشر في صفقات تجارية مشبوهة، فقد ساعدوا في زيادة جماهريتهم في دوائرهم الانتخابية، غالبًا عن طريق تصوير المهاجرين والأقليات على أنهم يمثلون تهديدات قوية على بلادهم.

نرشح لك: تحذيرات بريطانية للمؤثرين من مخالفة القواعد على “السوشيال ميديا”

يأتي التقرير في الوقت الذي تصارع فيه الولايات المتحدة موجة من المشاعر المعادية لآسيا عبر الإنترنت، والتي سبقت آلاف الروايات الموثقة عن المضايقات والاعتداءات الجسدية وانتهاكات الحقوق المدنية ضد الأمريكيين الآسيويين. كما أفاد مركز بيو للأبحاث الصيف الماضي أن 31٪ من الأمريكيين الآسيويين قد تعرضوا للافتراءات والسخرية حول عرقهم وهويتهم، أكثر من أي مجموعة أخرى منذ بداية وباء كورونا.

كيف غيّر الاستغلال السياسي لوسائل التواصل الاجتماعي المشهد السياسي الأمريكي؟

إن العديد من المستخدمين والمعلقين الإخباريين المذعورين من تصاعد العنف ضد الآسيويين والأمريكيين الآسيويين، قد رسموا مسارًا محددًا للخطاب العنصري الذي يصور تفشي فيروس كورونا على أنه “فيروس صيني”، وهي المشاعر التي ساعدت منصات مثل تويتر على تطبيعها طوال عام 2020. وبمراجعة سريعة لأرشيف ترامب على تويتر تكشف أن تغريدات الرئيس السابق دونالد ترامب التي تحتوي على عبارة “فيروس الصين” أو “الفيروس الصيني” تلقت أكثر من 2.1 مليون إعادة تغريد قبل غلق الحساب في يناير.

ويشير تقرير الهيئة الذي نشره موقع gizmodo، إلى أن ترامب انتهك لسنوات المعايير المجتمعية في العديد من المنصات مع إفلات نسبي من العقاب”، وأن قادة التكنولوجيا اتخذوا قرارًا مؤكدًا للسماح باستثناءات للقوى السياسية، وعادة ما يكون ذلك بحجة “حرية النشر” أو تحت ستار “التعليق السياسي” الذي يفترض أن الجمهور بحاجة إلى رؤيته.

وفي أعقاب تحريضه على أعمال عنف جماعية في مبنى الكونجرس الأمريكي، تم طرد ترامب نهائيًا من موقع تويتر؛ لكن اختارت مواقع مثل فيس بوك وإنستجرام ويوتيوب، في غضون ذلك، تعليق عمل الرئيس إلى أجل غير مسمى” أثناء مدوالتهم القرار داخليًا، مما دفع فيس بوك إلى إلقاء المسؤولية على كاهل مجلس الرقابة الذي تم تشكيله حديثًا، والذي يتألف حاليًا من 20 عضوًا تختارهم الشركة.

مع الإشارة إلى أن رد شيريل ساندبرج، المديرة التنفيذية لقسم العمليات في فيس بوك، كان إلقاء اللوم على منافسيها، حيث قالت ساندبرج خلال مقابلة في 11 يناير “أعتقد أن هذه الأحداث تم تنظيمها إلى حد كبير على منصات لا تتمتع بقدراتنا على وقف الكراهية وليس لديها معاييرنا ولا تتمتع بالشفافية”. ويشير التقرير أيضًا إلى أن أكثر من 6000 من مشاركات ترامب على فيس بوك في العام الذي سبق أعمال عنف الكونجرس، ما يقرب من ربع منشوراته لعام 2020، احتوت على خطاب متطرف ومعلومات مضللة حول الوباء وانتخابات 2020، وأن ترامب استخدم موقع فيس بوك للدفع بمعلومات كاذبة ومضللة حول الانتخابات، ما يقرب من 363 مرة على الأقل.

وعلى غرار تويتر، سمح فيس بوك علانية -وعن قصد- لترامب بانتهاك معايير المجتمع، مقابل مشاركة المستخدم والتأثير والربح. وفي إحدى الحوادث الجديرة بالملاحظة، وسط احتجاجات الصيف الماضي وتدمير الممتلكات بسبب وحشية الشرطة ضد السود، أعلن ترامب عبر تويتر أنه “عندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار”، وهي ملاحظة يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها تأييد للعنف من قبل أنصاره، الذين ذهب بعضهم في قوافل مدججة بالسلاح إلى مواقع الاحتجاج الرئيسية.

 

تراخي فيس بوك في مواجهة تحذيرات الخبراء بشأن الدعوات المتزايدة للعنف:

وبينما أخفى تويتر منشور ترامب وراء تحذير مكتوب، من المرجح أن يتجاهله أتباعه، بعد أن تم تكييفه لرؤية شركات وسائل التواصل الاجتماعي على أنها معادية لسياساتهم، قرر الرئيس التنفيذي لشركة فيس بوك مارك زوكربيرج عدم فعل أي شيء، على الرغم من احتجاج الآلاف من موظفيه، بل سعى زوكربيرج بدلاً من ذلك إلى تأطير تراخي فيس بوك كخدمة عامة، مدعياً أن “المساءلة لمن هم في مناصب السلطة لا يمكن أن تحدث بهذه السهولة”.

لكن مع اعتراف رئيسها التنفيذي بالمنشور علنًا، كان فيس بوك نفسه يشجع العنف في تلك المرحلة، عن طريق قراره بمواصلة تمرير الرسالة على مئات الآلاف من المستخدمين على الأقل. ويشير التقرير إلى أنه “في غضون أيام، تمت مشاركة المنشور أكثر من 71 ألف مرة وتم الرد عليه أكثر من 253 ألف مرة، كما تم وضع الرسالة أيضًا على صورة تمت مشاركتها على حساب ترامب على إنستجرام، والتي سرعان ما تلقت أكثر من نصف مليون إعجاب”.

يقول التقرير أيضًا إن شركات مواقع التواصل تصرعلى استخدام لغة شعبوية مثيرة، ومن يقول إن انتشارها لا علاقة له بفيس بوك يجهل تمامًا كيف تلاعب فيس بوك بمساحة الإنترنت لصالح التطرف وكيف غيّر الاستغلال السياسي لوسائل التواصل الاجتماعي المشهد السياسي الأمريكي، بالإضافة إلى أن تراخي فيس بوك في مواجهة تحذيرات الخبراء بشأن الدعوات المتزايدة للعنف من قبل المتطرفين عبر نظامها الأساسي موثق جيدًا.

هذا إلى جانب نشر جمعية الدفاع عن حقوق الجاليات المسلمة، التي جلس قادتها لسنوات في اجتماعات مع كبار مسؤولي فيس بوك- بما في ذلك زوكربيرج وساندبرج شخصيا- جدولاً زمنياً العام الماضي، يُظهر جهودها لتحذير مسؤولي الشركة بشأن الميليشيات المسلحة والجماعات المتعصبة للبيض، التي تنظم الأحداث التي تستهدف المجتمعات القائمة على عرقهم ودينهم.

إذ قالت المجموعة إنها اضطرت للإعلان عن الجدول الزمني، بعد أن ادعى زوكربيرج أن “خطأ تشغيليًا” كان مسؤولاً عن استضافة فيس بوك لصفحة إحدى الميليشيات، تطلب من الأعضاء إحضار أسلحة للاحتجاج في كينوشا بولاية ويسكونسن. (تم الإبلاغ عن الصفحة من قبل المستخدمين 455 مرة على الأقل).

يسلط التقرير الضوء كذلك على المتطرفين الدوليين الذين تغذيهم أيديولوجيات اليمين المتطرف، الذين صعدوا إلى السلطة بمساعدة منصات وسائل التواصل الاجتماعي التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها؛ على سبيل المثال، اعتمد حزب Alternative Fur Deutschland (AfD)، وهو حزب سياسي ألماني قومي وشعبي يميني معادي للمسلمين بشكل مسعور، ومناهض للاجئين بشكل كبير على فيس بوك لنشر رسائل الكراهية. كما يشير التقرير أيضًا إلى ارتفاع هذا الحزب في ألمانيا في عام 2017 ليصبح ثالث أكبر حزب سياسي في ألمانيا، وهو أول حزب يروج لآراء اليمين المتطرف في البلاد منذ أكثر من نصف قرن.

كيف تلاعب فيس بوك بمساحة الإنترنت لصالح التطرف؟!!

وجد باحثون أن تحول الحزب من حزب هامشي في عام 2013 إلى قوة متطرفة هائلة بشكل متزايد، مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتسخير الحزب لوسائل التواصل الاجتماعي لصالحه، وأنه بدءًا من عام 2016 أنشأ هذا الحزب عددًا كبيرًا من المتابعين على كل من فيس بوك وتويتر من خلال مشاركة عدد كبير من التغريدات والمنشورات المثيرة، وأنه بحلول عام 2019 احتفظ الحزب بـ 1663 صفحة على فيس بوك، وهي صفحات أكثر نشاطًا من جميع الأحزاب السياسية الألمانية الأخرى مجتمعة.

يسلط التقرير الضوء كذلك على صعود الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي، وهو أحد منتهكي حقوق الإنسان المتسلسلين، الذي أشرف عند توليه السلطة على عمليات القتل غير القانونية لآلاف من مواطنيه وسجن خصومه بتهم لا أساس لها من الصحة. في نفس الوقت عمل فيس بوك، وهو عبارة عن منصة يستخدمها ما يقدر بنحو 97٪ من الفلبينيين، عن كثب مع حملة Duterte، بل وشارك في رعاية منتدى تم بثه، وفقًا لتقرير بلومبيرج الشامل لعام 2017، على 200 محطة تلفزيونية وإذاعية. وفور انتخابه، ضاعفت الشركة من العلاقة، حيث احتفل موقع فيس بوك بشهرة Duterte، التي ساعد في إنشائها، وأطلق عليه في وقت ما لقب “ملك محادثات فيس بوك بلا منازع”.

كما وثقت منظمة حقوق الإنسان العام الماضي عقوبات شديدة من حكومة دوتيرتي للمواطنين المتهمين بانتهاك قيود covid-19 في البلاد، والتي يتم بثها غالبًا على فيس بوك، بما في ذلك مقاطع فيديو لأشخاص وضعوا في “أقفاص كلاب” حيث أجبرتهم الشرطة ومسؤولون آخرون على الجلوس في شمس الظهيرة كعقاب لهم، هذا إلى جانب العديد من صور الانتهاكات الأخرى “. وتم أيضًا تضمين حسابات مماثلة في التقرير حول تفاصيل مشاركة فيس بوك في المساعدة على انتخاب مسؤولين عنيفين ومتعصبين في دول أخرى، بما في ذلك صعود رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي أدين بتهمة إراقة دماء المسلمين.

يقول مركز الأبحاث: “كان لوسائل التواصل الاجتماعي عمومًا، وفيس بوك على وجه الخصوص، تأثير ضار مروّع على الديمقراطيات والمجتمعات والسكان المعرضين للخطر في جميع أنحاء العالم”، “لقد سخر القادة الشعبويون المتعصبون والأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء العالم قوة وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق أبعاد سياسية لم يكن من الممكن تحقيقها من قبل”.

ونتيجة لذلك أصدر تقرير المشروع العالمي ضد الكراهية والتطرف توصيات محددة ردًا على تلك النتائج، داعيًا شركات وسائل التواصل الاجتماعي إلى إنهاء استثناءات “الجدارة الإخبارية” عالميًا، وتطبيق تدقيق الحقائق على الإعلانات السياسية، وتنفيذ “بروتوكولات وقائية للإبادة الجماعية” من بين أمور أخرى.