نورا ناجي تكتب: لو لم يكن نبيل فاروق ما كنت أنا

كل شيء بدأ وأنا في عمر التسع سنوات، عندما أغراني كتيب صغير يحمل عنوان “سري للغاية” بالقراءة، كنت أريد أن أفهم ما هو السري للغاية، ولماذا تضحك شقيقتي وهي تقرأه وترفض أن تخبرني؟ اعتقدت أن الكتيب به رسومات وصور مثل مجلة ميكي التي أعشقها، لكني اكتشفت أن الصفحات داخله رمادية شاحبة، لا يوجد صور، كتابة فقط، سطور كثيرة وفصول تنتهي بثلاث نجوم، ثم في آخر صفحة كلمة “تمت بحمد الله”.

فضولي أقحمني داخل هذا العالم، عالم رجل المستحيل ثم عالم ملف المستقبل، ولفضولي أنا شاكرة، لأن لولاه لما كنت سأصل إلى هذه النقطة، أن أكتب في هذا الملف، أن أعرّف بصفتي كاتبة، أن أحظى بأعظم متعة مستمرة إلى الموت وهي متعة القراءة.

نرشح لك: إيهاب الملاح يكتب: نبيل فاروق.. وتأسيس شغف القراءة!


صحبني د.نبيل فاروق إلى عالم المخابرات، عرفت في سن مبكرة أسماء مخابرات الدول الكبرى، عرفت مصطلحات كبيرة، معلومات كثيرة، ربما معلومات أكثر مما أتخيل، لأنها إلى ايوم لا تزال منطبعة في ذهني، تجعلني قادرة على فهم الكثير، بالذات بعد إدماني لسلسلة ملف المستقبل، وهو إدمان مستمر إلى اليوم لأنني أتذكر تفاصيل جميع الأعداد، وأحفظ تسلسل الأحداث.

أحب كثيرا التحدث مع الأصدقاء عن أجزاء الاحتلال مثلا، أو أجزاء الفجوة السوداء عندما انتقل نور وفريقه إلى كوكب الطغاة وكيف هربوا منه في النهاية، أو أجزاء حرب الفيروسات ودكتور هاشم المجنون، وبالطبع العدد الأيقوني رقم 100 عندما غرق محمود في نهر الزمن، ثم ظهوره المتقطع في أحلام الفريق، تاركا لي أملا مستمرا بأن يعود من جديد.

في صالة السينما في دبيّ، جلست لأشاهد فيلم إنترستيللر، كان الجميع من حولي مندهشين، فاغرين أفواههم، غير قادرين على استيعاب النظريات الفيزيائية الصعبة، ومصطلح “الزمكان” إلا أنا، أنا كنت قادرة على فهم فكرة الضياع بين الأبعاد، وتواصل البطل مع ابنته الموجودة في مكان وزمان آخر عبر إرسال إشارات معينة، وكنت أدعو لدكتور نبيل فاروق في سري، لأنه منحني هذا التميّز، تميز ظهر بعد سنين طويلة، وبعد أن كنت أعتقد بأنني كبرت على روايات الجيب، وأنني نسيتها أو تجاوزتها، كتبت مقالاً عن الفيلم وشكرت نبيل فاروق الذي رد علي شاكراً، كنت سعيدة لأني تمكنت من إيصال امتناني له، الامتنان الذي لم ولن يتوقف أبدا.

منحني دكتور نبيل فاروق نعمة تنبيه الخيال، أشعر أن خيالي ربما أكثر سيولة من جميع من حولي، يعمل بشكل مستمر ودائم، لأنني مثلاُ لا أنسى عالم الزهرة السوداء الذي سافر إليه نور وفريقه، والملكة الجميلة التي تحافظ على وردتها السوداء بشكل مثير للريبة لنكتشف أنها توأمها، وأنها مسئولةعن استمرار حياتها.

أتذكر أيضا س -18 وجملته الخالدة، وأتذكر ابن الشيطان الذي كاد أن ينتصر على نور، وكيف أنقذه الحب والإيمان في النهاية، أتذكر أطلال القاهرة القديمة بعد الاحتلال الفضائي، والحرباء التي حاربها نور وأكرم في كهفها، ملتصقين ظهراً بظهر، الصورة التي ظلت مطبوعة على الغلاف الخلفي للأعداد إلى النهاية. أتذكر نشوى التي خطفها سادة الأعماق طفلة، لتعود فتاة شابة وخبيرة في الكمبيوتر، وأتذكر زفاف سلوى ونور الرقيق في الأعداد الأولى، وأتذكر قصة حب أكرم ومشيرة، وعشق أدهم لمنى، وقدري الذي لا يتوقف عن الأكل،وتضحيات جيهان وفدوى.

أتذكر تفاصيل تبدو وكأنها ذكريات لأفراد من العائلة وليس لشخصيات خيالية في روايات للجيب، ثم أفكر بانهم بالفعل أفراد عائلتي، لأنني كبرت معهم ومررت معهم بكل المواقف والأحداث.

أتذكر فرحتي بصدور الأعداد الجديدة، وكيف كنت أخبئها بين كتب المدرسة، فرحة استخدامي لمصطلح تعلمته منها في مواضيع التعبير وإشادة المدرس به، أتذكر أيضاً شعوري بالتميّز، وأنني مختلفة لأنني اعرف أكثر، وهذا ما تمنحه إيانا القراءة.

رحل دكتور نبيل فاروق عن عالمنا لكن كتاباته باقية، والأهم هو ما فعله لي ولملايين غيري، لا يمكن أن ينسوا فضله في تغيير مسار حياتهم، وتشكيل وعيهم وتكوينهم، لن أتوقف أبداً عن قول ذلك: لو لم يكن دكتور نبيل فاروق لما كنت أنا أنا.

نرشح لك: إيهاب الملاح يكتب: نبيل فاروق.. وتأسيس شغف القراءة!