كيف وظَّف السياسيون وسائل الإعلام الجماهيرية لخدمة حملاتهم؟

محمد إسماعيل الحلواني

قبل قرن من الزمان، لم يتجاوز عدد المستمعين 100 شخص فقط، لكن البث الأول للمحطة الإذاعية المرخصة حدث في الساعة 8 مساءً من يوم الثلاثاء الموافق 2 نوفمبر 1920. كانت محطة KDKA في بيتسبرج، وكانت المحطة تبث نتائج الانتخابات الرئاسية في ذلك العام.

البث الأول

عندما أخذ الرجل المسؤول، فرانك كونراد، يقلب المفتاح للمرة الأولى، لم يكن يدور بذهنه ولم يكن بإمكانه تصور مدى العمق الذي ستحدثه وسائل الإعلام المرئية والمسموعة في الحياة السياسية.

نرشح لك: هل يمكن لـ سبوتيفاي إقناع الجمهور بالدفع مقابل البودكاست؟

وعلى مدار قرون قرأ الجمهور كلمات السياسيين. لكن الإذاعة جعلت من الممكن الاستماع إليهم في الوقت الفعلي، فجأة بدأت شخصيات السياسيين تهم الجمهور بدرجة أكب، وكانت نبراتهم والطريقة التي بدت بها أصواتهم تحدث فرقًا أكبر.

وأصبحت قدرتهم على مشاركة الجمهور في مشاغل حياتهم اليومية والتسرية عنهم في النكبات مكونًا أساسيًا في ترشيحاتهم.

وأشار تقرير ريتشارد جندرمان الذي نشره موقع “هونولولو سيفل بيت” إلى أن تطور الإعلام بجناحيه التقليدي؛ الإذاعة والتلفزيون، متبوعين بجناحه الجديد أي وسائل التواصل الاجتماعي، هو المسؤول عن هذا التحول الجذري بطريقة غيّرت السياسة الأمريكية إلى الأبد.

وفي تسعينيات القرن التاسع عشر، تم إرسال إشارات الإذاعة عبر مسافات طويلة لأول مرة، وهو العمل الذي حصل فيه المهندس جولييلمو ماركوني، على جائزة نوبل في عام 1909. وبحلول العقد الأول من القرن التاسع عشر، كان مشغلو الإذاعة الهواة ينقلون أصواتهم وموسيقاهم، لكن القليل من الجمهور كان لديهم أجهزة الراديو ولم يتم تحقيق أي إيرادات.

في عام 1920، ابتكر موظفو المخترع والصناعي جورج وستنجهاوس فكرة لزيادة مبيعات الإذاعة من خلال توفير البرامج التي يمكن لأعداد كبيرة من الجمهور الاستماع إليها. أما الرجل الذي حقق ذلك فكان هو فرانك كونراد. من مواليد بيتسبرج، أنهى تعليمه الرسمي في الصف السابع، واستمر كونراد في تسجيل أكثر من 200 براءة اختراع. لكن كونراد أدرك أن الإذاعة يمكن أن تغطي السباق الرئاسي، ولذا حدد موعدًا للبث الأول في يوم الانتخابات 1920.

في تلك الليلة، من أول محطة إذاعية تجارية في الولايات المتحدة، أذاع كونراد بصوته نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 1920 في معركة انتخابية ساخنة دارت رحاها بين الديمقراطي جيمس كوكس ضد الجمهوري وارن جيه هاردينج. وتلقى كونراد نتائج الفرز عبر الهاتف، وكان من استمعوا إليها عبر الإذاعة أول من يعرفون النتيجة، وهي الفوز الكاسح للرئيس هاردينج، قبل أن يتمكن أي شخص من قراءتها في إحدى الصحف في اليوم التالي.

توجيه نوع مختلف من السياسة

في عام 1964، أعلن المنظر الإعلامي مارشال ماكلوهان أن “الوسيلة هي الرسالة”، أي أن نوع القناة التي يتم من خلالها نقل الرسالة أهم من محتواها. وتغيرت انطباعات السياسيين – جنبًا إلى جنب مع مناهجهم في الحملات الانتخابية – مع ظهور الإذاعة.

وعلى مدار قرون، كانت الوسيلة الرئيسية للأخبار السياسية الجماهيرية هي الكلمة المطبوعة. عندما شارك أبراهام لينكولن وستيفن دوجلاس في سلسلة من تسع مناظرات لمجلس الشيوخ الأمريكي في إلينوي عام 1858، كان عدد الحضور الشخصي بالآلاف، لكن الملايين تابعوا المناقشات من خلال مراسلات وتقارير صحفية واسعة النطاق على الصعيد الوطني. كان من المتوقع أن يقدم المرشحون الحجج، واستغرقت كل مناقشة ثلاث ساعات.

بحلول الثلاثينيات من القرن الماضي، كان بإمكان السياسيين مخاطبة المواطنين مباشرة من خلال الإذاعة. ودفع الكساد الكبير فرانكلين روزفلت لإلقاء العديد من الخطب، وخلال الحرب العالمية الثانية تحدث ونستون تشرشل مباشرة إلى الجمهور عبر بي بي سي. ولكن ماكلوهان وصفها لاحقًا بأنها وسيلة “ساخنة”، لأن الخطب التي يتم بثها يمكن أن تثير المشاعر بطريقة جعلت من الممكن أيضًا صعود الشموليين مثل موسوليني وهتلر.

مع مرور الوقت، بدأ السياسيون ينغمسون في استخدام وسائل الترفيه لجذب انتباه الناخبين. في عصر الإذاعة، قام نجوم مثل جودي جارلاند بترديد الأغاني نيابة عن الرئيس فرانكلين روزفلت.

في انتخابات عام 1952، بدأت حملة أيزنهاور بالعمل مع وكالات إعلانية وممثلين مثل روبرت مونتجمري لصياغة شخصية المرشح وصورته التلفزيونية. أكثر من أي وقت مضى، أصبحت الصورة المصقولة بدقة هي مفتاح السلطة السياسية.

بحلول عام 1960، كان هناك 46 مليون جهاز تلفزيون في جميع أنحاء الولايات المتحدة، مما مهد الطريق لـ 66 مليون شخص لمشاهدة أول مناظرة رئاسية متلفزة بين جون كينيدي وريتشارد نيكسون.

كان كينيدي متطورًا تمامًا، لكن ريتشارد نيكسون ظهر في المناظرة الأولى بدا شاحبًا، مرتديًا بدلة تتناقض بشكل سيئ مع فريقه، واعتقد معظم الذين استمعوا إلى النقاش في الإذاعة أن نيكسون قد فاز، لكن الغالبية العظمى من مشاهدي التلفزيون كانوا أكثر ميلاً لكينيدي.

ما الجديد في علاقة السياسيين بوسائل الإعلام الجماهيرية؟

اليوم، ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي على تحويل الخطاب السياسي من الحجة المنطقية إلى الصور والصور الفكاهية التي تشد الانتباه.

يحتاج السياسيون، الذين يتنافسون الآن مع المئات من القنوات ووسائل الإعلام الأخرى، إلى جذب انتباه الناخبين، ويلجأون بشكل متزايد إلى السخرية وحتى الغضب.

قد يعتبر البعض السياسة الحديثة بمثابة تحقيق لنبوءة ماكلوهان: “سيكون السياسي سعيدًا جدًا للتنازل عن منصبه لصالح صورته، لأن الصورة ستكون أقوى بكثير مما كانت عليه في أي وقت مضى”. ويزيد الاعتماد المتزايد على البث ووسائل التواصل الاجتماعي من صعوبة التركيز على مزايا الحجج السياسية التي يقدمها السياسيون. لكن الدراما المرئية شيء يمكن لأي شخص تقريبًا أن يرتبط به على الفور.