صحفيون يكشفون أسباب تركهم العمل الصحفي

نشرت مجلة Vice البريطانية تقريرًا للصحفية الفرنسية المقيمة في باريس “جوستن ريكس” تتبعت خلاله العديد من الوجوه الصحفية التي اتخذت قرار ترك العمل الصحفي والاشتغال بمهن أخرى.

وداعبت “ريكس” القراء قائلةً يجب أن تعلق مدارس وكليات الصحافة لافتة تتضمن علامة التحذير: “احترس: هذه المهنة قد تكون خطرة على صحتك”،عندما نشرت نداءً على تويتر تطلب فيه الاستماع إلى الأشخاص الذين تركوا المهنة، لم تكن تتوقع طوفانًا من حوالي 100 رسالة تدفقت إلى صندوق الوارد الخاص بها، وشعرت بدهشة هائلة عندما تعرفت على الأسباب التي قدمها بعضهم.

نرشح لك: بسبب مقال ضد بايدن.. ترامب يهدد برفع حصانة السوشيال ميديا

وقالت “ريكس”: “لا عجب أن دراسة فرنسية حديثة توصلت إلى أن الأشخاص في الثلاثينيات من العمر يديرون ظهورهم للوظيفة غير المستقرة، يدخل الكثيرون ميدان العمل الصناعة محملين بطموحات نبيلة في تقديم أخبار وقصص من الممكن أن تغيّر العالم، ويغادرون بمجرد أن يدركوا أن عملهم في كل يوم يدور حول النقرات الترافيك والمحتوى والمخططات”.

وتحدثت مع العديد من الصحفيين السابقين في فرنسا حول سبب تركهم المجال، وكيف وجدوا السعادة في وظائف جديدة من بينهم:

جاستن دانيال فريمان – من جريدة إلى جزار

بعد الانتهاء من تدريبه في صحيفة “لو تليجرام” اليومية في مدينة بريتاني، أمضى جاستن حوالي أربع سنوات في العمل المؤقت للصحف الإقليمية في المنطقة، كانت صديقته حاملًا في ذلك الوقت، وقال “جاستن” إنه كان مرهقًا وتسرب إلى نفسه الملل بسبب كثرة تغيير أماكن العمل باستمرار، ووجد في النهاية منصبًا مؤقتًا آخر في إحدى الصحف في غرب فرنسا، ثم عرضوا عليه منصبًا دائمًا بعد بضعة أشهر.

وسرعان ما تسبب الإرهاق في الانهيار. قال جاستن: “بدأت أتساءل ما الذي كنت أفعله بحق الجحيم، وكنت أنام دائمًا محتفظًا بهاتفي تحت وسادتي، في حال اضطررت إلى الاستيقاظ في الثالثة صباحًا للكتابة عن حادث سيارة، ثم حلت المأساة عندما فقدنا طفلنا واضطررت إلى إعادة النظر في كل شيء في حياتي، بما في ذلك عملي بالصحافة، عليك أن تعيش بكيانك من أجل عملك، فلدينا هنا وظيفة تتطلب غالبًا العمل حتى أثناء عطلة نهاية الأسبوع والإجازات الرسمية ولا يمكنك قضاء وقت للاستمتاع بأحبائك، وليس لديك أي وقت لنفسك. عليك حقًا أن تتخلى عن حياتك”.

وبدأ تفكير جاستن يتجه إلى الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات، وفي نهاية المطاف استخلص أن الوظيفة لا تستحق كل هذه التضحيات. بعد التفكير في الوظائف المعتادة، يميل الصحفيون السابقون إلى الانجذاب نحو “الاتصالات والأوساط الأكاديمية” انتهى الأمر بجاستين بالعثور على شيء يروق له أكثر: العمل في محل جزارة. بعد أن أنهى تدريبه مؤخرًا.

قال جاستن إنه يحب روتينه اليومي الجديد، حتى لو لم يكن تغيير المهنة سهلاً معلقًا: “إنه عالم مختلف تمامًا. من الصعب أن تبلغ من العمر 30 عامًا، وأن تشاهد شبانًا يبلغون من العمر 18سنة ويجيدون في الجزارة أضعاف ما أجيد أنا”.

دومينيك – من رئيسة تحرير إلى مُدرّسة لغة فرنسية

لسنوات، كانت دومينيك رئيسة تحرير برنامج إخباري تلفزيوني شهير. على الرغم من صعودها إلى منصب محترم، قررت التخلي والخروج مبكرًا عن الملعب. تتذكر قائلةً: “كنت أطلب أشياء شنيعة من فريقي: الالتزام بساعات عمل كانت تبدو شبه مستحيلة والعمل بشكل أساسي حتى الموت وشعرت وكأن ليس لدي خيار آخر بسبب الضغوط الواقعة عليّ”.

أكدت دومينيك على أنها تشعر بالذنب لاستغلالها الصحفيين الشباب، وتعترف: “عندما كنا نتعامل مع صحفيين مؤقتين، كنا نعصرهم مثل الليمون. كنا نعلم أنهم لن يقولوا (لا) أبدًا، واستفدنا من ذلك، ومع ذلك، فإن العديد من هؤلاء المؤقتين استمروا في العمل لسنوات، على أمل الحصول على وظيفة مستقرة”.

وتبدو دومينيك متأكدة من أنها ساهمت في قرار العديد من الصحفيين الشباب بمغادرة الميدان سواء بسبب صراخها الدائم، أو تعريضها الصحفيين لضغط هائل أو المطالبة بساعات عمل ممتدة. مؤكدة على أنها فعلت فقط ما طلبه منها رؤسائها. كما تتذكر أنها مرت بهذه التجارب بنفسها عندما كانت صحفية شابة.

وقالت: “لكنني أدركت أكثر فأكثر أنه لا يوجد سبب لتبرير ما كنا نفعله وكنت أطلب من صحفي شاب أن يقود سيارته لمسافات طويلة فقط لإعطائي تقريرًا عن الطقس.. هذه ليست صحافة”.

بعد ذلك، فقدت دومينيك والدتها، التي كانت قريبة جدًا منها قبل أن تفرق بينهما ساعات العمل الشاقة. وأصيبت بالاكتئاب، رغم أنها استمرت في الذهاب إلى العمل. وجعلتها مشاهدة برنامج تلفزيوني حول موسم العودة إلى المدرسة القادم تفكر بجدية في أن تغير مهنتها إلى مدرسة، وكان ذلك متزامنًا مع عيد الغطاس. لم أتمكن مطلقًا من إنجاب الأطفال في وظيفتي، وأردت المزيد من المعنى في حياتي اليومية”. واستعدت لخوض امتحان التربية الوطنية، ثم اجتازته في محاولتها الأولى.

والآن، تدرّس دومينيك اللغة الفرنسية بالقرب من باريس منذ عام، وعلى الرغم من أنها يتقاضى ثلث راتبها السابق، إلا أنها تقول إنها لن تتنازل عن مهنتها الجديدة مهما كانت الإغراءات.

لوسي – من صحافة الويب المستقلة إلى الاتصالات المستقلة

تعتقد لوسي أن الحديث عن ترك الصحافة لا يزال صعبًا. قبل بضعة أشهر فقط، قررت أن تضع نهاية لمشوارها الصحفي وقالت: “في البداية كنت أرى نفسي أستمر على الأقل حتى أبلغ الأربعين من عمري. ولكن بعد ذلك انتهى بي المطاف بالإرهاق هذا العام، في سن الخامسة والعشرين”.

وألقت باللوم على الوقت والضغوط المالية للوظيفة. واشتكت لوسي: “لطالما كنت أتقاضى راتبي في وقت متأخر جدًا في مقابل اضطراري للاستعانة بسيارات الأجرة ولم أستطع أن أتخيل القيام بمزيد من العمل دون أن أموت من الإجهاد”.

حصلت لوسي في النهاية على عمل بدوام كامل في موقع إخباري، لكنها وجدت الجو سامًا. ووصفت تعرض زملائها للمضايقة من قبل رؤساء التحرير بسبب شخصيتهم أو أسلوب عملهم أو فاصلة أو نقطة في غير محلها. وقالت: “كانوا يصرخون في وجهي بلا سبب أمام الجميع”، مضيفة أن صحفيين آخرين كانوا يغادرون بأعداد كبيرة.

اختتمت لوسي روايتها قائلةً: “ذات يوم، أدركت أنني لست سعيدة، ولم أكن أعرف أي صحفي سعيد، وحانت لحظة الحقيقة في تقريري السنوي. لقد طلبت زيادة قدرها 250 يورو شهريًا، واعتقدت أنني سأحصل على النصف. بدلا من ذلك، ضحك مديري في وجهي. أخبرني مديري الآخر إذا كنت أرغب في تغيير المهنة، وقال إن لي مطلق الحرية”. بدأت لوسي تعاني من نوبات القلق في المكتب. في أحد الأيام، لم تستطع النهوض من الفراش واتخذت قرار الاستقالة.

بعد أشهر من العلاج وبدء العلاج المضاد للقلق، بدأت لوسي حياة مهنية جديدة في مجال الاتصالات المستقلة. وأضافت: “إنه لمن دواعي الارتياح حقا أن تركت الميدان. الآن أشعر أخيرا بالتقدير في عملي. ناهيك عن أنني أتقاضى أجرًا لائقًا “.

سونيا – من صحفي تلفزيوني إلى مؤلف إعلانات

لمدة خمس سنوات ونصف، تعرضت سونيا للمضايقة والتمييز في برنامج تلفزيوني فرنسي كبير بسبب خلفيتها العربية. كانت الألقاب والملاحظات غير الملائمة حول شهر رمضان وعدم تناولها لحم الخنزير شائعة في مقر عملها السابق، ومضايقات أخرى بسبب أصولها المغربية.

انهارت سونيا أخيرًا، وتركت المهنة بعد سنوات من العمل الشاق. عندما تقدمت لوظائف أخرى، قيل لها في كثير من الأحيان أنها مؤهلة أكثر من اللازم. وعرض عليها موقع إعلامي جديد بعض المهام الحرة ولكن مقابل أجر منخفض بشكل مذهل. وكان تغيير المهنة بالنسبة لها قرارًا صعبًا، ولكن عندما تنظر سونيا إلى حياتها المهنية القديمة، فإنها تتأمل: “هناك عدد قليل جدًا من فرص العمل – لا أحد يرغب في دفع الأجور”، ولكن العمل في مجال الإعلانات يبدو مختلفًا ومجزيًا.