بعد المناظرة الرئاسية.. الخاسر الأكبر: الصحافة الجديرة بالثقة

محمد إسماعيل الحلواني

علّق الصحفي ووزير الإعلام الأسترالي السابق، كريستوفر وارن، على ظروف مهمة تحيط بمستقبل الصحافة الأمريكية، معتبرًا السنوات الأربع الماضية محنة طويلة مر بها معدو التقارير الصحفية.

أشار “وارن”، في مقاله المنشور بمجلة Crikey إلى أنه في الأسبوع الماضي، بينما صعّد دونالد ترامب حديثه حول احتمالات تزوير الانتخابات وبينما اكتشف الرئيس الأمريكي أن إثارة الفوضى أثناء المناظرة الرئاسية هي حلٌ جيد وسهل للتغلب على منافسه “جو بايدن”، كانت الصحافة الأمريكية على موعد مع تغيير جذري ولا رجعة فيه لبعض قيمها الأصيلة والراسخة.

نرشح لك: ظهور أول صور تمثال هاري بوتر الجديد في ليستر سكوير

 

وخلال المناظرة الرئاسية، أعلن ترامب استعداده لعدم قبول نتيجة الانتخابات بل وربما نيته التصعيدية والتشبث بالسلطة إلى أعلنت خسارته في انتخابات 3 نوفمبر، ولم يتنصل من علاقته بالمتعصبين البيض المنتمين لليمين المتطرف ليضع الصحافة الأمريكية في مأزق، فكيف يكتب الصحفيون عن مخالفات للبديهيات تجاوزت جسامتها كافة حدود المنطق؟

أكد “وارن” أن تشجيع ترامب لخطاب يؤيد نظرية المؤامرة والتشكيك في النتائج الانتخابية، والذي تم تضخيمه على قناة فوكس نيوز، يعلي كفة ترامب، ولكن دون شك يخفض كفة مصداقية وسائل الإعلام التقليدية.

في عام 2016، حث الملياردير “بيتر ثيل” أبرز مؤيدي ترامب الصحفيين على الحذر وأخذ كافة تصريحات ترامب على محمل الجد. واعترف “وارن” بأن التهديد بالتلاعب في الانتخابات أمر صعب بالنسبة للصحفيين.

الاستمرار في البيت الأبيض بسياسة وضع اليد

في الأسبوع الماضي، أشعل الصحفي الحائز على جائزة بوليتزر بارتون جيلمان فتيل انفجار صحفي ضخم، في مجلة ذي أتلانتيك. وللمرة الأولى، أوضح تقرير من التيار السائد آليات السرقة المحتملة للانتخابات، مشيرًا إلى اضطراب في بعض إجراءات التصويت والاستقطاب الحاد والتسييس الأمريكي الفريد من نوعه للعملية الانتخابية.

في العادة، كانت السياسة الأمريكية ستتجاهل ما كتبه “جيلمان”، وتلقي بتقريره فوق كومة كبيرة من الأحداث الساخنة الأخرى في الانتخابات. ولكن بعد ذلك قال ترامب الجزء الهادئ بصوت عالٍ. وردا على سؤال حول ما إذا كان سيلتزم بانتقال سلمي للسلطة، قال: “علينا أن نرى ما سيحدث… نتخلص من بطاقات الاقتراع المزورة وسنكون سلميين للغاية – لن يكون هناك انتقال، بصراحة . سيكون هناك استمرار”.

في هذه الأزمة، نظرت وسائل الإعلام الأمريكية إلى بعضها البعض للحصول على عبارات وجمل تستحق النشر. هذه المرة، شوهدت صحيفة نيويورك تايمز تتعثر، وتنشر تعليقات ترامب الساخرة دون أن تتعمق في دلالاتها. وغرد كبير المراسلين السياسيين “بيتر بيكر”: “بالنسبة لأي شخص يتساءل عن الصفحة الأولى المطبوعة اليوم، جاءت تعليقات ترامب الرافضة للالتزام بنقل سلمي للسلطة في وقت متأخر من اليوم، بعد الطبع لذلك كان من الصعب فقط نشر تصريحات الرئيس”.

لكن على شاشات التلفزيون وعلى الإنترنت، انتشر الفيديو على نطاق واسع، مما أجبر الجمهوريين على التراجع خطوتين للخلف بالتزامات مصاغة بعناية لإجراء انتقال منظم.

اندمجت قصة سرقة الانتخابات في قصة ترشيح ترامب للمحكمة العليا، لا سيما بمجرد أن شدد أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون البارزون على ضرورة الإسراع في التعيين لأن المحكمة ذات الأغلبية الساحقة من المحافظين قد يُطلب منها إعلان نتائج الانتخابات.

لقد تحول التهديد بسرقة الانتخابات إلى نقاش حول مسؤوليات وسائل الإعلام في ليلة الانتخابات نفسها، مما ألقى بمعايير صحفية أخرى في حالة تغير مستمر: كيف (ومتى) تؤدي المهمة الأساسية المتمثلة في الإعلان عن الفائز في الانتخابات.
ومع تحولات خطيرة مدفوعة بجائحة كورونا، وتفضيل التصويت عن طريق البريد، قد لا تكون النتائج معروفة في بعض الولايات الرئيسية حتى أيام أو أسابيع بعد ليلة الانتخابات. والأسوأ من ذلك، أن ترامب يمكن أن يتقدم في تلك الليلة، قبل أن يتفوق في الاقتراع البريدي.

ونبهت وكالة أسوشيتد برس الشبكات بالفعل إلى أنه لا ينبغي أن يتوقع الصحفيون نتيجة فورية. ويدرس مسؤولو الانتخابات الامتناع عن العد الجزئي. يتم تشجيع الشبكات على التأكيد على الطبيعة المؤقتة لأي أرقام طوال التغطية وحتى إعلان النتائج بشكل رسمي. وفي ظل هذا الغموض، يجد الصحفيون أنفسهم مجبرين على الاختيار بين انتخابات نزيهة وصحافة جديرة بالثقة وبين الانسياق في تيار الفوضى الحالية وبين الصمت والمراقبة عن كثب.