"حبل الغسيل".. أقدم وسيلة للتواصل الاجتماعي

حسام عبد القادر

كانت هناك قصة حب خفية بين أبي وأمي، وأقول خفية لأنهما لم يكونا يعلنان ذلك، ولم يكن هناك كلمات غزل صريحة بينهما أمامنا كأولادهما أو أمام الناس، فكانا يخجلان من ذلك، ولم تكن هناك وسائل تواصل اجتماعي وقتها ينشرا صورهما ويضعان لبعضهما القلوب الحمراء، ولا كان هناك فلانتين مثلا يحضران الدباديب الحمراء أو أي مظهر من مظاهر الحب والغرام المنتشرة هذه الأيام.

 

نرشح لك: 6 تنبؤات حول مستقبل وسائل التواصل الاجتماعي

 

ولكن كانت هناك إشارات بينهما أهم بكثير من كلمات الحب والغزل المباشرة، فيكفي نظرة من أبي إلى أمي لكي تفهم ما يريد والعكس صحيح، وكانا يتفقان معا لأي رسالة يريدان توصيلها لنا كأولادهما، من إقناعنا مثلا بتغيير خطة مصيف أو عدم شراء ملابس معينة هذا الشهر لأي سبب وهكذا، وكنا نقتنع بسهولة جدا نظرا لاتفاقهما معا، حتى ولو بدون ترتيب منهما.

وعرفت أن أبي وقع في غرام أمي بمجرد أن رآها مصادفة وكانت ابنة مديره في العمل، وحدث أن ذهب أبي إلى منزل المدير لأمر ما، وفتحت أمي له الباب، فوقع في غرامها من النظرة الأولى كما يقولون.

وعندما تزوج أبي قام بتأجير شقة “إيجار قديم” حيث وقتها لم يكن هناك نظام التمليك، في حي الإبراهيمية الشهير بالإسكندرية، وكان – وما زال- من أهم الأحياء بالإسكندرية وفي وسط البلد، وكانت شقة كبيرة جدا، وكان عمله في حي الورديان بغرب الإسكندرية، وهو نفس الحي الذي يقطن به جدي لأمي وأسرته، وأيضا أسرة أبي تسكن في منطقة تسمى “المتراس” تعتبر جزءا من حي الورديان، وكانت أمي تجلس في شقة الإبراهيمية وحدها طوال فترة غيابه بالعمل والتي تمتد من السابعة صباحا حتى الرابعة أو الخامسة مساء، وخاف أبي على أمي من الوحدة، فقرر أن يستغنى عن شقة الإبراهيمية، ويؤجر شقة بالورديان، فاختار أهم عمارة من عمارتين بالورديان وقتها، وهي عمارة آدم، وعمارة آدم لها قصة عن أهميتها في الورديان وكيف كان ينظر إليها كل ساكني الورديان أنها عمارة العظماء كما يحكي صديقي الدكتور أحمد صبرة في مقال له عن الورديان والعمارة الصفراء، والمقصود بها عمارة آدم، حيث ولدت بها وترعرت وتزوجت بنفس الشقة أيضا.

وتقع عمارة آدم أمام الشركة التي يعمل بها أبي وهي الشركة التجارية للأخشاب، وكان شباك المكتب الذي يعمل به أمام بلكونة شقتنا بالضبط.

وكانت أمي عندما تريد أبي في أمر مهم لا يحتمل الانتظار تقوم بنشر فوطة معينة على منشر البلكونة في منتصف الحبل، وعندما يرى أبي هذه الفوطة يقوم فورا بأخذ إذن من العمل ويعود إلى المنزل سريعا ليرى ما المشكلة.

وظلت هذه الفوطة لغة الحوار بينهما عن بعد، وكانت تستخدم أحيانا للإجابة بنعم أو لا على شيء ينتظرانه معا سيحدث، فإذا كانا في انتظار ضيوف مثلا ولم يأتوا لا تعلق الفوطة أو العكس، وهكذا ظلت هذه الفوطة هي رسائل إس إم إس تقوم أمي بإرسالها إلى أبي الذي كان يلتقطها سريعا ويفسرها ويقوم بعمل اللازم.

وكان زملاء أبي في نفس الغرفة لا يعرفون هذه اللغة السرية، وكانوا يتعجبون عندما يقوم أبي فجأة ويأخذ إذن أو نصف يوم ويغادر إلى بيته، وظلت هذه الرسائل قائمة حتى خرج أبي إلى المعاش.

ومن الأشياء المهمة لدى الأسر المصرية في كل بيت هو “السبت” والذي كان يحل كثير من المشاكل خاصة في عدم وجود أسانسير، وكان أبي عندما يقوم بشراء احتياجات للبيت ولا يريد الصعود حيث نسكن في الدور الثالث، فكان يقف في الشارع أسفل شباك حجرة النوم، وينادي باسم “شريف” أخي الأكبر لأنه لا يصح أن ينادي باسم زوجته، وكعادة أهل البلد حتى عندما ينادون على أمي لا يقولون اسمها وإنما كانوا يقولون لها “أم شريف” فكان ينادي أبي على شريف، فتسمعه أمي حتى لو كانت في المطبخ الذي يقع في آخر جزء بالشقة، وتذهب على الفور إلى الشباك وتقوم بتنزيل السبت لتأخذ المشتروات.

 

نرشح لك: 1.5 مليون مستخدم جديد بتطبيق Telegram يوميا

 

وظل السبت صاعدا ونازلا سنوات طويلة من عمرنا حتى الآن، حيث استخدمه في كثير من الأحيان أيضا، ولكني لا أقوم بالنداء مثل أبي، بل أقوم بالاتصال تليفونيا.

كانت هناك إشارات ولغات للتواصل الاجتماعي ولم نكن نعلم أن هذه الوسائل ستتقدم بهذا الشكل وتتطور هذا التطور الهائل بسبب التكنولوجيا، ولم يحضر أبي وأمي رحمهما الله الفيس بوك وتويتر ولا أعرف ماذا كان سيكون رأيهما في هذه الوسائل؟!