وليد رشاد يكتب: أستاذي العزيز.. "لويس جريس"

كان من اجمل لحظاتنا الدراسية فى كلية الاعلام بجامعة القاهرة تلك اللحظات التى ندرس فيها داخل قاعات المحاضرات من خلال الصحفيين التى كانت تحرص ادارة الكلية احياناً على استقدامهم لتدريس بعض المواد لطلبة الكلية … ومنهم “فاروق هاشم” من الاهرام ،”سميرغريب” الناقد الفنى ورئيس صندوق التنمية الثقافية وقتها، “محمود معروف” نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية وقتها. الا انى اتوقف طويلاً امام الصحفى الكبير “لويس جريس” الذى استمر لسنوات طوال يدرس مادة الترجمة الصحفية لطلبة السنة الدراسية الثانية ولا اعرف ان كان ما زال حريصاً على متابعة تلك العادة او انه اعتزل بسبب تقدم العمر. ولا انكر انى كنت شغوفاً باسلوبه وادبه الجم منذ شاركت فى اول محاضرة له. الرجل كان بالنسبة لى اشبه بفارس من الزمن الجميل كان يأتى قبل موعد محاضراته ولا يهتم بعدد الحاضرين ولا بتسجيل الحضور من عدمه وكان يأتى ومعه اوراق الترجمة مصورة بعدد نسخ كبير ليوزعها بمنتهى الذوق على الطلاب.

محاضراته لم تكن تتوقف عند حدود الترجمة الذى يبدو انه كان بارعاً فيها ولكن كان الاهم بالنسبة لى هو ذلك السيل من المعلومات السياسية والتاريخية والاجتماعية التى كانت تنطلق من الرجل دون توقف.

كان يرجع بنا سنوات للزمن الجميل ايام شبابه عندما كانت مصر تحت الحكم الملكى ويحكى لنا كيف كانت مصر فى تلك الفترة مجتمع كوزموبوليتانى يضم العديد من الاعراق والجنسيات فى تألف وانسجام فريد.

نرشح لك : 10 معلومات عن لويس جريس.. صعد اليوم لسناء جميل

يحكى لنا عن مغامراته الشبابية البريئة عندما نزح من صعيد مصر وكان يدرس فى القاهرة ويحرص على زيارة المتاجر الكبرى ليرى ويتكلم مع البائعات اليونانيات والارمن وغيرهم من الجنسيات التى كانت تحفل بها مصر ايام الملكية.

ولكنى لا اعرف لماذا حتى هذا اليوم لا انسى ملاحظته الخالدة التى قالها لنا فى احدى المحاضرات والتى ما زلت اذكر تفاصيلها حتى يومنا هذا رغم مرور سنوات كثيرة. فقد فوجئنا به فى احدى المحاضرات يؤكد لنا ان الغرب منذ نجاح تجربة “محمد على” ادرك جيداً القوة الكامنة فى الشعب المصرى وان المصريين الذين بنوا الحضارات العظيمة فى الماضى يستطيعون ان يستعيدوها فى سنوات اذا توافرت لهم الادارة الحكيمة دون تدخلات خارجية.

وان الغرب تدخل بقوة لايقاف تقدم جيوش “محمد على” بقيادة ابنه “ابراهيم باشا” والتى دقت بعنف ابواب الدولة العثمانية التى كانت تحول بيننا وبين اوروبا. وتدخل الغرب تدخلاً سافرا بمعاهدة لندن والفرمان الشهير فى عام 1841 والذى كسر اجنحة محمد على وحصر توسعاته فى مصر والسودان. ومنذ ذلك التاريخ قرر الغرب الا يترك مصر فى حالها اكثر من مدة معينة مهما كانت الظروف لان مصر تستطيع ان تكون قوة عظمى فى خلال 25 عام. وبدأ يستعرض لنا تاريخ الغرب ومن بعده امريكا فى الوقوف امام كل رؤساء مصر. حيث ورطوا عبد الناصر فى حرب مع اسرائيل، والسادات سيطروا عليه من خلال اتفاقيات السلام وبعدها تم الاغتيال، اما مبارك فاكد ان امريكا تعمدت قرص اذنه من بداية عهده حتى لا يفكر فى الخروج من الفلك الامريكى، وذكر لنا واقعة لم اكن قد سمعت عنها وقتها وهى واقعة اختطاف السفينة “اكيلى- لاورو”. واكد لنا (حسب روايته) ان الرئيس الامريكى “رونالد ريجان” ظهر على الشاشات التليفزيونية يؤكد ان “مبارك” كاذب !! حينما اكد الرئيس “مبارك” للفدائيين الفلسطنيين ان حياتهم مصانة فى حال التسليم بينما قامت طائرات امريكية بقطع مسار طائرتهم واجبارها علي الهبوط في مطار سيكونيلا التابع لاحدي قواعد حلف الناتو بجزيرة صقلية وهى كانت وسيلة امريكية للضغط على مبارك واخضاعه.

وعندما افكر مراراً فى ملاحظته عن علاقة الغرب بمصر ادرك جيداً مدى عمق تحليله وتفهمه للسياسة والتاريخ. ولذلك كنت ولا زلت اعتقد ان نوعية الكاتب الصحفى “لويس جريس” كانت مفيدة لنا كطلبة فى كلية الاعلام ربما اكثر من الاساتذة الاكاديميين، لان اولئك الصحفيين كانوا يضيفون لنا بجوار العلم النظرى الخبرة العملية المطلوبة والتى استطاع معظمنا من خلالها شق طريقه فى دنيا الاعلام سواء المرئى او المكتوب …

 

 .