تامر محسن: يزعجني تصنيفي كـ"مخرج غير جماهيري".. وبعض المؤلفين "ترزية" للنجوم

 

  • تحول النجم من عنصر مهم داخل العمل إلى الآمر الناهي، لذلك أصبح بعض السيناريستات “ترزية” للنجوم.

  • السوشيال ميديا أثّرت على بعض المبدعين، وأنا شخصيًا وقعت في فخ الاهتمام بالتريند.

  • يزعجني تصنيفي بأني “مخرج غير جماهيري” لكن لن أغير اتجاهي وقناعاتي.

  • بعض الفنانين يقدمون الفن كـ”مدرسين ووعّاظ”، وهذا شيء خاطئ، فأنا لست رجل دين أو واعظ أو قاضٍ.

  • لا أستطيع تقديم أفلام أكشن أو رعب أو كوميدي صِرف.

  • سينتهي عصر الثلاثين حلقة قريبًا، وابتعدت عنها بعد “هذا المساء”، وربما لن أعود لها مرة أخرى.

  • القائمون على الدراما والسينما ألقونا في دوامة اسمها “المواسم”، ونحن نغرق للأسف.

 

حوار: محمود مجدي

 

السيناريو هو العمود الفقري للعمل الفني، والسيناريست يلعب دورًا أساسيًا في صناعة الفيلم أو المسلسل، هو رب العمل الفني الحقيقي حتى لو لم تسلط عليه الأضواء بالشكل الكافي. واعترافًا منّا بقيمة ومكانة السيناريو قررنا فتح هذا الملف ومحاورة أهم رموز ورواد كتابة السيناريو في مصر، والحديث معهم عن أهم أعمالهم، والصعاب التي واجهوها في مشوارهم، وتفاصيل صناعتهم للعمل الفني، ومناقشتهم كذلك في العديد من القضايا الفنية التي تدور على الساحة حالياً، ونستضيف اليوم الكاتب والمخرج تامر محسن.

 

كيف بدأ شغفك وحبك للسينما؟

ميولي الفنية بدأت منذ الصغر حيث كنت أقوم بتأليف وإخراج مسرحيات العرائس وأنا في السابعة من عمري، وكنت لا أكتفي بالإخراج والتأليف فقط بل كنت أطبع التذاكر وأوزعها على أهلي وأصدقائي، وظللت مفتونًا بهذا العالم حتى انتهيت من مرحلة الثانوية العامة، وحصلت على مجموع كبير، وكان علي أن أتحذ قرارًا، أما الالتحاق بمعهد السينما، أو الالتحاق بكلية الهندسة وتنفيذ رغبة والدي، وبصراحة لم أستطع التضحية بحلم والدي الذي حلم طوال عمره بأن يكون ابنه مهندسًا، فالتحقت بكلية الهندسة قسم عمارة، وخلال سنوات الدراسة، التحقت بفريق المسرح وقمت بكتابة وإخراج مسرحيتي الأولى “الماريونيت” التي حصلت على المركز الأول في مهرجان المسرح الحر في ذلك الوقت.

 

كيف كان رد فعل والدك بعدما أصبحت مخرجًا كبيرًا ومرموقًا؟

والدي كان فخورًا بكوني مهندسا أكثر من كوني مخرجًا ومؤلفًا، وذلك بسبب ثقافة جيله التي تعتبر ممارسة الفن نوعًا من الترف والهواية، وكان دائما يتساءل عن سبب مناديتي بـ”الأستاذ” بدلاً من “المهندس”، وكان يعتقد أنه يجب أن يكتب اسمي على تترات المسلسلات والأفلام إخراج “المهندس تامر محسن”.

 

عشر سنوات هي الفاصل ما بين تخرجك وحتى عملك الأول مسلسل “بدون ذكر أسماء” عام 2013، ألا ترى أن فرصك في الإخراج قد تأخرت بعض الشيء؟

بالتأكيد، وسبب ذلك أننى دائم الرفض، فمنذ تخرجي وحتى بداية عملي في الدراما جاءني ما لا يقل عن 20 عرضًا للعمل في السينما، لكن لم أكن مهمومًا بدخول الصناعة بقدر اهتمامي بما سأقدمه فيها، ومن كثرة رفضي للعروض السينمائية تصور كل من حولي أن خوفي من الخطوة سيمنعني عنها إلى الأبد، وجاءتني فترة كنت مؤمن بذلك بالفعل، إلى أن جاءت خطوة مسلسل “بدون ذكر أسماء”.

كما أنني تأثرت بمدرسة الواقعية الجديدة وبسيرة مخرجين مثل عاطف الطيب وداوود عبد السيد وخيري بشارة، فهؤلاء أخرجوا أعمالهم الأولى وهم في الثلاثينات، وبالتالي كان لدي اعتقاد أنني سأكون مثلهم، وقد يكون سبب التأخير أيضًا عائد إلى طبيعتي الشخصية، لأنني أتحرك ببطء دائمًا، وأستغرق الكثير من الوقت في التفكير في الأشياء، وأحب دراسة أي خطوة سأخطوها بتركيز، كما أن لدي حالة من الهيبة والاحترام تجاه السينما، فكاميرا السينما لا تُدار إلا لأمر عظيم، لعمل يؤثر ويعيش في وجدان الملايين.

 

كيف استطعت إقناع السيناريست الكبير وحيد حامد بتحويل فيلم “قط وفار” من فيلم اجتماعي إنساني إلى فيلم كوميدي لايت ؟

هذا يعود إلى تقديري للفترة التي يتحدث عنها الفيلم، فالفيلم عرض عام 2014، وتجاريًا لم يكن مقبولاً أن نعرض فيلم ميلودرامي قاتم، أبطاله في الستينات من عمرهم، فتحدثت مع أستاذ وحيد واقترحت عليه أن نذهب بالفيلم إلى منطقة أكثر خفة وبساطة وشبابية دون الانتقاص من فكرة ورمزية العمل، وبالفعل اقتنع بوجهة نظري، وكتب السيناريو مرة أخرى، وظهر الفيلم بالصورة التي رآها الناس.

 

كيف تصف تجربة عملك مع الكاتب الكبير وحيد حامد؟

وحيد حامد من أكثر الكتاب الذين يقدّرون قيمة المخرج في العمل الفني، لذا يجتهد بشدة في اختيار مخرجي أعماله، وكثيرًا ما كان يقول لي أثناء عملنا سويًا أننا شركاء في عمل واحد، وأن المخرج بمجرد موافقته على عمل معين، فقد بسّط فكره على هذا العمل، أصبح ملكه وليس ملك السيناريست فقط.

 

ماذا عن مسلسل “تحت السيطرة”؟

النقطة الأساسية التي كان يدور حولها المسلسل هي أن هناك فارقًا كبيرًا للغاية ما بين المدمن، والمدمن المتعافي، فالمتعافي تحولت حياته مئة وثمانون درجة بعد تعافيه، يحكي لك قصته المؤلمة بمنتهى الثبات والقوة كما حدث في مشهد ماجد الكدواني الشهير، شخص تسعى للاتصال به والتعلم منه على المستوى الإنساني والنفسي، فنحن في “تحت السيطرة” كنا نحتفل بالمدمنين المتعافيين، فهم خاضوا تجربة مريرة وانتصروا في النهاية، واحتفالنا بهم من خلال المسلسل، دفع بعضهم  للظهور لي شخصيًا في الأماكن العامة، كي يشكروني على العمل، ويقدمون أنفسهم لي على أنهم مدمنين متعافيين بمنتهى الفخر، فقبل “تحت السيطرة” كان المدمن المتعافي في نظر المجتمع موصوم اجتماعيًا “مدمن ويتخاف منه حتى بعد ما بطل”، بينما بعد “تحت السيطرة” أصبح المدمن المتعافي مصدر فخر للجميع.

 

إذا انتقلنا لعملك الرائع “هذا المساء”، هل العمل فكرتك بشكل أساسي؟

نعم، العمل فكرتي ومعالجتي السينمائية، وكان في صورة أشبه بالرواية، ثم حولتها لمعالجة درامية لمسلسل 30 حلقة، وبنسبة كبيرة المسلسل كان ملكي بالعالم والأحداث والشخصيات، ثم جاءت بعد المعالجة مرحلة أكثر تعقيدًا وهى مرحلة السيناريو والحوار، وهنا يأتي دور ورشة الكتابة تحت قيادة السيناريست الرائع  والموهوب “محمد فريد” قائد الورشة، والتي قامت بدور كبير في كتابة الحلقات، و”هذا المساء” يعد معالجتي الدرامية الثانية بعد “تحت السيطرة”.

 

الشئ المحرك لعالمي “تحت السيطرة” و”هذا المساء” هما صفة الفضول، هل هذه الصفة من هواجسك الدرامية اللي تحرص عليها دائماً في أعمالك؟

هذا دور النقاد والباحثين، فهم المنوط بهم تحديد السمة المميزة لأعمالي وليس دوري بالتأكيد، لكن دعنا نتفق أن أفضل نقائص البشر هي “الفضول”، أن تعرف ما وراء الأبواب، تحاول تجربة شيء جديد عليك، هذه أجمل نقيصة من وجهة نظري، وتحدث حولنا طوال الوقت، وهي التي دفعتني لكتابة “هذا المساء”، فإذا تأملت حياتك ستجد أن الآخرين دائمًا يسعون لمشاهدة اللاب توب الخاص بك وكذلك الموبايل، السر دائمًا يكمن في “شيطان الفضول”، الذي لو تركناه سيفتح أبواب جهنم.

 

ألم تخش من ابتعاد الجمهور عن “هذا المساء” بسبب الرتم البطيء والهادئ للحلقات الأولى؟

بالتأكيد تخوفت لكن في العمل الفني عمومًا لا بد أن تكون هناك درجة من المغامرة كي يستمتع صانع العمل بفكرة أن هناك تحد ومغامرة ورهان معين يسعى لإثباته وتحقيقه، وبالتأكيد الوضع تغير في أسلوب بناء المسلسلات في السبع سنوات الأخيرة، وأصبح الإيقاع اللاهث والبداية الجذابة للعمل من دستور “مسلسلات رمضان”، هذا واقع لا نستطيع إنكاره وفي نفس الوقت لا نستطيع الانسحاق له، فإذا تأملنا المسلسلات القديمة سنجد أن الأسلوب الشائع في بناء الدراما كان الرتم الهادئ والصعود من نقطة إلى نقطة، وكنا مستمتعين بذلك كجمهور، ولم يكن لدينا مشكلة معه على الإطلاق، فلكي تشتبك القصة وتصبح متماسكة وجذابة، لا بد لها من معطيات، ففي الفيلم كي تدخل داخل الحدوتة، لا بد أن يمر عشر دقائق من زمن الفيلم، وإذا قسنا نفس الأمر على المسلسلات سنجد أن الطبيعي أن أول ثلاث حلقات يكونوا هم التمهيد وبداية الانطلاق نحو الصراع ونقطة الذروة، هذه الأسلوب في بناء الدراما كنا نلتزم به طوال تاريخنا الدرامي لكنه تغير بالتأكيد في السنوات السبع الأخيرة.

 

لماذا تغير أسلوب كتابة المسلسلات وأصبح الإيقاع اللاهث في الحلقات الأولى هو العرف السائد لمسلسلات رمضان حاليًا؟

لأن حجم الإنتاج زاد، فبالتالي التحدي الأساسي تمحور حول من يجذب الناس أولاً، وأصبح هناك اهتمام شديد بالحلقة الأولى، فتجد مسلسل يحتوي على  جريمة قتل في الحلقة الأولى، مسلسل آخر يعلّي عليه ويقدم جريمتيّ قتل في أول حلقة، مسلسل ثالث يعرض ثلاث جرائم قتل، وتحول الأمر في النهاية إلى سباق، لا أحب أن أخوضه أبدًا، فالشيء الأساسي الذي أراهن عليه وأعد المتفرج به دائمًا هو أنني أقدم عملًا صادقًا، أصيلًا، نابعًا من ذاتي، حتى لو لم تبدأ أحداثه بجرائم قتل لكنه سيفوز بالرهان في النهاية، وهو ما حدث تماماً مع “هذا المساء”.

 

كيف استطعت أن تجمع بين الإخراج والتأليف؟

الحقيقة اكتشفت مؤخرًا أن هذه التوليفة شيء غريب ومختلف، ولكن كنت أتعامل مع الموضوع على أساس أن الأصل في الدراما والسينما أن هناك أفلاما يصنعها المخرج كسيناريست ومخرج في نفس الوقت، وهذا شيء شائع جدا في العالم، ولكن في نفس الوقت أتفق مع من يرى أن هذا شيء مدهش، أولاً لأنه غير شائع عندنا في عالمنا العربي، ثانيا لأن صناعة المسلسلات مرهقة جداً والجمع بين عملين في هذه الصناعة شيء مرهق جداً الحقيقة.

الزميل محمود مجدي والمخرج تامر محسن

لماذا يضطر المخرج لأن يكتب أعماله بنفسه من وجهة نظرك؟

سأتحدث عن نفسي، هناك جزء من فطرتي هو مؤلف ومخرج في نفس الوقت، لكنني في الأساس مخرج أحب الكتابة ومهموم بها، وأرغب من هذه التجارب في الكتابة أن أخبر المؤلفين بشكل غير مباشر أن هذه النوعية من الدراما التي أفضلها.

 

ما معنى مصطلح “مخرج بيفهم في الورق”، ولماذا غاب هذا المصطلح عن الكثير من مخرجينا هذه الأيام؟

أي مخرج حاليًا يريد العمل في السينما أو الدراما أمامه اختيارين، أن يكون صانع عمل من الألف إلى الياء، أو يكون مخرج زوايا وكادرات و”هاتولي الحلقات عشان ألحق أصور”، والاختيار الثاني هو الشائع حاليًا والسبب في ذلك يعود في جانب منه إلى المسلسلات وكواليس تنفيذها، ويعود في جانب آخر للنقّاد، وحديث بعضهم على أن الفيلم سيء لكن المخرج كويس، فبسبب هذا الرأي خرجت أجيال تؤمن بأن الإخراج هو كادرات وصورة حلوة فقط، وأي عيب آخر في العمل لا يخصني كمخرج، مع أننا أساسًا “حكائين”، بمعنى أننا نحكي قصة وحدوتة وسيناريو، فكيف تقنعني بأنك مخرج لا تجيد حكي حدوتة وفي نفس الوقت مخرج شاطر؟!، “طيب ما تخرج فيديو كليب أسهل”، أساس عمل المخرج هو الحكي، مع العلم أن هناك مخرجين لا يجيدون تصليح السيناريوهات أو الكتابة بشكل مباشر لكنهم بنظرة واحدة على النص يكتشفون مناطق الضعف والخلل فيه. وهذا أضعف الإيمان بالنسبة لأي مخرج أن يكتشف عيوب ونواقص السيناريو “مش يبقى السيناريو وحش وأروح أصوره وفي الآخر يتقال الفيلم وحش بس المخرج كويس”.

 

العملية الفنية في مصر بالنسبة لأي منتج، ترتيبها يبدأ بالنجم ثم الميزانية ثم المخرج ثم السيناريست، لماذا انخفض تأثير وترتيب السيناريست داخل العملية الفنية من وجهة نظرك؟

النجم هو العنصر الأهم في العملية الفنية في كل مكان في العالم، هذا شيء بديهي ومن مسلمات المهنة، لكن عندما يزيد دور النجم عن حده هنا تكمن الغرابة والشذوذ من وجهة نظري، فالمسلسلات زادت من سيطرة وتدخلات النجوم، فالقنوات تريد إبهار المعلنين، وبالتالي تشتري مسلسل للنجم الفلاني، أي ما كان محتواه، جيد، ردئ، ليس مهماً، المهم أن اسمه “بيبيع” بلغة السوق، وبالتالي أصبحت كل الإمكانيات مسخرة للنجم، وتحول النجم من عنصر مهم داخل العمل إلى الآمر الناهي، هو الذي يختار المخرج والسيناريست ووصل الأمر أن يختار الفكرة ويطلب من السيناريست كتابتها، لذلك من الطبيعي وفقاً لهذه الظروف أن تتضاءل مكانة السيناريست كثيراً داخل العملية الفنية، ويتحول البعض منهم إلى ترزية أكثر من كونهم أصحاب مشروع وحلم ورؤية يريدون تحقيقها.

 

هل هذا الوضع سيتغير؟

لن يتغير للأسف، لأن هناك إصرار على بقاء هذا الوضع طوال الوقت من قبل العديد من النجوم، وفي رأيي أن الأعمال التي تقوم وتبنى بهذا الشكل لن تصل إلى القلب أبدًا، ولن تنجح في التأثير في وجدان الملايين، باختصار شديد جدًا، الذي يريد تقديم أعمال كي يكسب فلوس، سيكسب فلوس لكن لن يكسب مشاعر ولا أحاسيس الجمهور، والذي يريد تقديم فن حقيقي يريد إيصاله للناس، مهما كانت الصعوبات التي سيواجهها أثناء تنفيذ مشروعه سيكسب الناس في النهاية، وفي جميع الأحوال يجب أن نجيب على سؤال هام جداً ” احنا بنشتغل الشغلانة دي ليه يا جماعة؟” كي نكسب أموالاً ونجومية فقط أم لكي نقدم فنًا جيدًا؟!، وبناءً على إجابة هذا السؤال سنريح أنفسنا ونريح الجمهور معنا، وأنا لا أقصد هنا أن من يقدمون فنًا جيدًا لا يحبون المال، الكل يعمل كي يكسب أموالاً، لكن الأولويات تتغير فقط من شخص إلى آخر.

 

كان لك تصريحاً بعد مسلسل “هذا المساء” قلت فيه إن هناك جيل من كتاب السيناريو “مش متأسس كويس”، كيف؟

أنا أنتمي لجيل إذا أحب أو أراد شيئًا، يدرسه ويتعلم أصوله من الألف إلى الياء، حتى يستطيع تقديمه بالشكل الذي يحلم به، بمعنى أنني أردت أن أكون مخرجاً، فذهبت إلى معهد سينما، وبعد تخرجي عملت مساعد مخرج في أفلام ومسلسلات عديدة، و”اشتغلت” فترة طويلة في الإعلانات التجارية والأفلام الوثائقية، عملت مدة طويلة جدًا “بلية تحت إيد أسطى” حيث تعلمت من مخرجين كبار أصول وقواعد المهنة، هذا ما ينقص بعض كتاب السيناريو حالياً، للأسف هم  تعلموا المهنة بشكل عشوائي وسريع وليس بشكل منهجي، لم يتشربوا أصول المهنة من كتاب وأساتذة وأسطوات سيناريو كبار وعظام، بعضهم أخذ ورشة سيناريو لمدة شهرين، ومؤمن تمامًا بأنه كاتب عظيم ويستطيع العمل بشكل احترافي، السيناريو علم وبحر كبير أنا إلى الآن غير قادر على استيعابه بشكل كامل، وأعمل على نفسي بكل قوة وأخذ “كورسات”، وأقرأ كتبًا وأشاهد أفلامًا حتى أستطيع تحصيله بشكل جيد، فهذا ما أقصده أن الاستسهال والاعتقاد بأن السيناريو ثلاث فصول، وطريقة أمريكية وفرنسية، وأنه ليس علماً له أصول وقواعد وفترة كبيرة يجب على كل سيناريست أن يخوضها في التعلم والإبحار داخل هذا العلم، أنتج جيل من كتاب السيناريو لديه نواقص درامية كثيرة جدًا و”مش متأسس كويس”.

هذا المساء

 

هل الاستسهال والرغبة الشديدة في العمل سريعاً قاصرة على بعض كتاب السيناريو فقط أم ممتدة إلى فروع أخرى مثل التمثيل والإخراج؟

قابلت نماذج كثيرة في حياتي يريدون أن يمثلوا ويكتبوا سيناريو ويعملوا كمساعدين إخراج، وكل خبراتهم أنهم أخذوا “كورس لمدة شهرين”، الكتابة والتمثيل والإخراج تحولت إلى “كورس شهرين واجري اشتغل بسرعة”، مشكلة الاستعجال من المشكلات الكثيرة المصابة بها المهنة، أسأل نفسك الآن أين نحن من العالم؟ّ! أين نحن من الجوائز والمهرجانات؟،  قبل فيلم “يوم الدين”، كم فيلم استطاع الذهاب إلى المهرجانات والحصول على جوائز؟، نحن متأخرين للغاية كصناعة سينما، ومتمحورين نحو ذاتنا للأسف.

 

هل تعتقد أنه توجد أزمة في الخيال لدى صناع الأعمال الدرامية، بمعنى أن خيال الصناع محصور في بعض المناطق الدرامية الكليشهية التي تجاوزها الزمن وتجاوزتها المسلسلات الأجنبية بمراحل؟

بالتأكيد لدينا أزمة ضخمة في الخيال، وهذا يحدث عندما يذهب العقل إلى فكرة التقليد والمحاكاة، فبعض صناع الأعمال الدرامية حالياً لديهم أزمة ثقة، غير واثقين في أنفسهم بشكل يجعلهم  قادرين على التخيل الواسع والإتيان بأفكار جديدة وأصيلة وطازجة، فيستسلموا لفكرة التقليد، يشاهدون “الخواجة بيعمل إيه” ويقلدوه، يرتضون لأنفسهم أن يكونوا مبدعين درجة ثانية، ومبدعي هوليود درجة أولى بالتأكيد، وبالتالي من نحن حتى نفكر أو نحاول نفكر مثلهم “نقلدهم وخلاص”.

 

هل خيال الجمهور يسبق خيال المبدعين حالياً؟

بالتأكيد.

 

هل يجب على كتّاب السيناريو والمخرجين أن يبحثوا عن الشهرة وتلميع أنفسهم طوال الوقت إعلاميًا بجانب وظيفتهم الإبداعية؟

صناع الفن الحقيقيين من المفترض أن يكونوا مثل محركي العرائس، يعملون في الخفاء، عملهم هو الذي يتحدث عنهم وليس هم الذين يتحدثوا عنه وعن أنفسهم.

 

هل السوشيال ميديا أثّرت على بعض المبدعين في أعمالهم بمعنى أنهم أصبحوا يكتبوا ويخرجوا المشاهد والمناطق درامية التي تحقق تريند حتى لو ليس لها ضرورة درامية؟

بالطبع، وأنا شخصيًا وقعت في هذا الفخ أثناء تصوير “هذا المساء” حيث لم أستطع إيقاف فضولي أثناء تصويري للمسلسل عن متابعة ردود أفعال الناس ورؤيتهم للمسلسل ككل، وقابلت هذا الأمر كذلك وقت تصوير “تحت السيطرة” حيث وجدت بعض التعليقات تتحدث عن “اوعوا تموتوا هانيا”، “وحسبي الله ونعم الوكيل لو عملتوا في حاجة”.

هل تعتقد أن نجوم الشباك في السينما يتعاملون مع الدراما على أنها “نحتاية أو سبوبة”، حيث يقدمون أعمالاً تلفزيونية لا تحقق نفس تأثير ونجاح أعمالهم السينمائية؟

عصر السرعة الذي نعيشه، حول كل شيء حولنا إلى شيء خفيف وسريع جداً، فالنجوم تُصنع في سنة، ويخفت بريقها في سنة أيضاً، وبالتالي هناك إحساساً عند بعض النجوم أنه مثلما أصبحت نجماً بسرعة، قد سقط بسرعة “عمري في الشغلانة كله قد يكون ثلاث أربع سنين، من الممكن أن يظهر ممثل يقعدني في البيت في أي لحظة”، هذه الهواجس تدور داخل أذهانهم طوال تربعهم على عرش النجومية، ولذلك أصبح همهم الأول تحقيق أكبر قدر من النجاح في وقت قصير، لاعتقادهم بأن نجوميتهم قد تنتهى سريعاً، وعليه صار التركيز على فكرة تحقيق النجاح أهم من التدقيق فى الموضوع الذى يتم تقديمه، وبالمناسبة أنا أتفهم منطق بعضهم وأشفق عليهم للغاية.

 

لماذا انخفضت نجومية صناع الأعمال حالياً من وجهة نظرك؟

هذا الأمر يعود لمستوى ثقافة ووعي المتلقي، فمستوى ثقافة ووعي الجمهور حالياً ليس هو نفس مستوى ثقافة الجمهور منذ 60 عاماً، ففي الخمسينات وأثناء حفلات أم كلثوم كان السؤال الأول لقطاع كبير من الجمهور، من هو الملحن؟، من هو صاحب القصيدة؟، بينما الآن عندما تستمع للأغنية تمدح المطرب فقط، عندما تشاهد فيلم أو مسلسل جيد تذكر الممثل أولاُ، دون ذكر العناصر الأخرى مثل المؤلف والمخرج وبقية عناصر العمل الفني، وذكرهم هنا ليس من باب المديح، لكن من باب أنهم شركاء مع النجم في مسئولية نجاح أو إخفاق العمل، فبالتأكيد الوضع اختلف كثيراً عن ثلاثون عاماً مضت، والسبب في ذلك يعود للأنظمة والحكومات في المقام الأول، فالحكومة ليست مسئولة عن الكوبري أو محطة الكهرباء فقط، مسئوليتها الأساسية هي المواطن، مسئولة عنه من الناحية المعيشية والثفافية كذلك، وللأسف نحن مجتمع يعيش في قاع دورته الثقافية والاجتماعية والإنسانية، وبالتالي من الطبيعي أن ينخفض وعي المتلقي بما وراء العمل الفني ويصبح تركيزه الأساسي فيما هو أمام الشاشة وليس خلفها، فإذا تأملت استقبال الجمهور لمهرجاني الجونة والقاهرة على سبيل المثال ستجد أن تركيزهم الأساسي كان على “الريد كاربت”، وفساتين الفنانات وليس على الأفلام أو النجوم المشاركين في المهرجان، كل هذا لا يعنيهم، ما يعنيهم فقط فساتين الفنانات على “الريد كاربت”، هذا مثال بسيط يوضح لك كيف ينظر قطاع كبير من الجمهور للفن حالياً.

 

ما رأيك في حالة التعالي الموجودة عند الأجيال الجديدة ضد الأعمال المصرية وتفاخر بعضهم بعدم مشاهدة الأفلام والمسلسلات المصرية؟

الفكرة أن أغلب من يتحدث عن عدم مشاهدته للأعمال المصرية يشاهد أعمال أمريكية فقط، لا يشاهد أعمال كورية أو صينية أو أوروبية، ثقافته البصرية متوقفة على المسلسلات الأمريكية، لكن في النهاية هو يفتقد أن يشاهد نفسه، روحه، حبيبته، أهله، مشاكله، أزماته النفسية في الأعمال المصرية ، فبعض الأعمال الموجودة حالياً روحها “مش مصرية”، وتفتقد إلى الإتقان والمنطق. أتذكر أن في فترة الثمانينات كنا نشاهد بعض الأفلام ونحن نفوت ونعدي الأخطاء الدرامية والإخراجية لصناع الأعمال، ونقول جملتنا الشهيرة “المخرج عايز كدا، فبالتالي ما الذي يدفع المشاهد لمشاهدة أعمال روحها أجنبية ولا تحترم عقله؟!، الأسهل والأبسط له له أن يذهب لمشاهدة الأعمال التي تحترم عقله وذكاؤه.

 

هل يزعجكك تصنيف البعض لك بأنك مخرج غير جماهيري؟

يزعجني بالطبع لكنني لن أغير اتجاهي وقناعاتي، فأنا مثل الذين رقصوا على السلم، لم اختار أن أكون مخرج نخبوي ولم أختار أن أكون مخرج لأعمال تجارية، اخترت اختيارًا وسطيًا تمامًا بين هذين الاتجاهين، وفي رأيي أن هذا الاختيار غير مريح، فهو لا يدفعك للحصول على التقدير الفني والأدبي الكبير، ولا يجعل أفلامك تحقق أعلى إيرادات، لكن في النهاية لن أغيره ويكفيني فخراً أنني استطعت تكوين شعبية محترمة لدى قطاع كبير من الجمهور.

هل الفن عندك رسالة؟  

الفن بالنسبة لي وجهة نظر وأسئلة أريد طرحها على الناس كي يشاركوني التفكير فيها، فأنا درست في معهد سينما كيف أنقل مشاعري وأفكاري وهواجسي من خلال صورة يحسها المشاهد ويتوحد معها ونصبح في النهاية أنا وهو لدينا إحساس واحد تجاه نفس الموضوع، هذا نوع الفن الذي تعلمته وأطبقه حالياً، أما النوع الآخر فلم أدرسه ولا أفهمه ولا يمت الفن بصلة من وجهة نظري، فليس دوري أن أقدم لك الفن في كبسولة وأقول لك “اتفضل خدها”، وأعمل هذا ولا تعمل ذاك، وللأسف بعض الفنانين عودوا الناس على هذا النوع، جعلوهم يبحثون عن الدروس المستفادة من وراء كل عمل، وأصبح بعض المشاهدين يتعاملون مع الفنانين على أنهم مدرسين وواعظين، وهذا شئ خاطئ تماماً، فأنا لست رجل دين أو واعظ أو قاضٍ، أنا فنان أحلم حلم وأدعو المشاهد أن يحلموا معي، وأمتلك مشاعر أجيد التعبير عنها وأتمنى وأحلم أن تؤثر في وجدان المتفرج.

 

ما الأنواع الدرامية التي تحب أن تقدمها على الشاشة ؟ وما الأنواع التي لا تفضلها؟

أنا لا أستطيع أن أقدم أفلام أكشن أو رعب أو كوميدي صِرف، أو أفلام  تفاصيلها ليست مصرية، أحب أن أحكي عن نفسي ومشاعري وهواجسي وهمومي وهذا يكفيني جداً.

 

هل الفترة المقبل سنشاهد أفلام تأليف وإخراج تامر محسن؟

أعتقد أن هذا سيحدث بنسبة كبيرة في المرحلة المقبلة.

 

هل تتوقع انتهاء عصر الثلاثين حلقة قريبا؟

أنا على يقين من هذا الأمر بدليل أنني قررت بعد “هذا المساء” الابتعاد عن تقديم 30حلقة، وربما لن أعود لها مرة أخرى.

 

معنى كلامك، أنه من الممكن أن نرى مسلسلات لتامر محسن 45 حلقة و10 حلقات؟

أنا قررت أن أقدم فنًا، بمعنى أن الحدوتة هي التي ستحدد طريقة سردها، تخرج 10 حلقات، تخرج فيلم، تحرج مسلسل أكثر من موسم، الحدوتة هي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة وليس أي طرف آخر.

 

في ظل أزمة الدراما الحالية، ما هي روشتة تامر محسن  للتعامل مع هذه الأزمة؟

يجب أن نكون فعل وليس رد فعل، فطوال الوقت يوجد من يخطط ويدبر ويبني استراتيجات ونحن ننفذ، من حقنا الآن أن نقرر ماذا وكيف نصنع، فالقائمون على صناعتي الدراما والسينما ألقونا في دوامة أسمها “المواسم”، موسمي الأفلام الضخمة في عيد الفطر وعيد الأضحى، والمسلسلات a class في رمضان، b class خارج رمضان، وبالمناسبة لو كانت قراراتهم تدفع الصناعة للأمام بالتأكيد سأشجعها وأساندها لكن النتيجة كما ترى الآن، نحن نغرق بكل أسف، والأزمة ستطول ولن تنتهي سريعاً، فالأزمات عندما تحدث لا تحل ثان يوم، الحل سيأخذ سنوات، وبصراحة شديدة دراما رمضان “بايظة” وتالفة، وتنفذ في أضيق وقت، ومسلسلات كثيرة تهترء في آخر عشر حلقات والناس تمل وتزهق، والقائمون على الصناعة مستمرون في نفس سياساتهم، ولم يتعلموا شيئاً، فحل هذه الأزمة يجب أن يتم بأيدينا نحن كصناع، يجب أن نتحرر من فكرة المواسم ونصنع فناً حقيقاً طوال العام وليس في موسم واحد فقط.

 

الكتابة علمتك إيه؟

علمتني أن “أي حاجة في الدنيا بتحلو بالشغل”، فالأفكار والأعمال العظيمة لا تأتي من الهوى، أو ما يسمى بالوحي، كل شئ يأتي بالجهد والعمل والدأب الشديد لإنجاز مشروعك الخاص سواء كان فيلمًا أو مسلسلًا.

نرشح لك: بشير الديك: ندمت على ترك حقي في “الهروب”.. و”زعلان” من عاطف الطيب

بشير الديك: ندمت على ترك حقي في “الهروب”.. و”زعلان” من عاطف الطيب