محمد أبومندور: التطوير آفة العصر!

في ظل كل ما نحن فيه من شلال وسائل الاتصالات التي لاتتوقف عن التكاثر تبقى الجهات الحكومية قابعة في غياهب بئر الحرمان من تلك الوسائل، وتبقى في عزلة كمن يعيش في جزيرة صغيرة وسط محيط من الماء الراكد. حدث وأن ألقى أحدهم حجراً في ذلك الماء الراكد بإيجاد مشروع لتطوير القطاع الحكومي إلكترونياً فتفائلنا وشعرنا بأمل في غد مشرق، ولكن سرعان ما اصطدم الأمل بصخرة أعداء التطوير والتغيير، فتوقف المشروع لفترة ثم عاد برعاية وزارة التنمية الإدارية فعاد الأمل، ثم توقف مرة أخرى بداعي الميزانية والحقيقة هي أن هناك من لا يريد لهذا المشروع أن يتم، وذلك لتضارب المصالح وللخوف من فقدان الأهمية أو النفوذ. والآن يوجد مقعد شاغر لوزير التنمية الإدارية حيث تم ضم اختصاصها إلى وزارة التخطيط ولم تعد وزارة مستقلة.

إن إحداث التطوير والتغيير في أي مجال كان يمر بمراحل معروفة لمن يقومون به -عن دراية- ولا يعتبر أمراً من الأمور المعقدة كعلم الصواريخ مثلا – مش كيميا يعني- ويتضح ذلك جيداً من كافة التصريحات الحكومية المحبطة والتي تعدنا وتمنينا بالتطوير وفك الاشتباكات في التخصصات وتسهيل الإجراءات ولكن يذهب ذلك كل أدراج الرياح مع أول تغيير على ناصية الشارع الحكومي فيأتي المسؤل الجديد بخطة جديدة للتطوير والتغيير والتي ستقضي على الروتين بكافة آشكالة وتخصر المدة الزمنية لإنهاء المعاملات الحكومية في تلك المصلحة أو تلك إلى ثوان معدودة فنصاب بالدهشة والأمل في غد مشرق- وفجأة تتبخر تلك الاماني وأحلام اليقظة التي عشنا فيها مدة سماعنا لتلك التصريحات الوردية ونصحوا على كابوس الواقع مع أول زعقة من الموظف المكشر قائلاً :”لأ الكلام ده ما ينفعش، والحكاية دي لازم تجيب عليها موافقة من الجهة الفلانية الأول” ويظل الأمر متأرجحاً بين جهة حكومية وتلك والشعب يدور في دوائر سرمدية…

لا أدري لماذا تذكرت قصة قديمة تقول أن مواطناً دلف -دخل يعني – إلى متجر حكومي – حاجة كده زي صيدناوي أو عمر افندي زمان – بعد أن أصابته طفرة التطوير الإداري وطلب من أول بائع قابله أن يبتاع ربطة عنق “كرافته” فابتسم البائع المهذب وقال له أن هذا ليس من تخصص هذا القسم ولكن يمكن أن تجد طلبك في الطابق التالي، فصعد المواطن برشاقة إلى الطابق التالي فسأله البائع بحذر “والكرافت دي علشان بدلة صيفية ولا شتوية؟” فأجاب المواطن المبهور بدقة الموظف “لا، انها بدلة صيفية” وانتظر أن يعرض عليه بعضاً من الخيارات، فما كان من البائع إلا أن قال له” للأسف هنا فعلاً قسم ربطات العنق لكن للبدلات الشتوية فقط!، في الدور اللي جاي ممكن تلاقي طلبك” وابتسم ابتسامة المودع، فصعد المواطن متعجباً ومبهوراُ بحسن المعاملة وشدة الدقة، وفي الطابق الثالث سأله البائع قائلاً” وهل البدلة التي ستستعمل معها ربطة العنق ألوانها من الأزرق والأسود أو الرمادي أم من البنيات والبيج وما شابه؟” فقال المواطن المفتون والمندهش معاً ” لونها رمادي غامق” فابتسم البائع مشيراً بسبابته إلى أعلى قائلاً” الدور اللي جاي حضرتك” فصعد المواطن وقد بدأ بعض الغضب يتملكه لكنه كان يهدئ نفسه بإعجابه بالدقة في التنظيم، وعنما قابله البائع في الدور الأعلى، سارع المواطن بسرد طلبه بدقة “أنا عايز كرافت يليق مع بدلة صيفي لونها على رمادي غامق” فابتسم البائع ابتسامه واسعة قائلاً ” حضرتك فعلاً في المكان الصحيح، لكن للأسغف الصنف ده من الكرفاتات … خلص من عندنا… بس أيه رأيك في التظام؟؟!”

تماماً يأتي التطوير الإداري في القطاع الحكومي بلا نتيجة لأن من يقوم بتنفيذ النظم المطورة والمحدثة غير مؤمن بما يقدمه من خدمات للجمهور، والمهم أننا قمنا بالتطوير وافتتحنا مشاريع التطوير وقصصنا الشريط، أما الخدمة ذاتها فلا يهم وكأن لسان حال الواقع يقول أن التطوير آفة ينبغي مكافحتها بالمبيدات كدودة القطن وعفن البطاطس.

تطوير العقول هو الحل.

اقرأ أيضًا:

محمد أبومندور: في الإجادة إفادة

 محمد أبومندور: مواعيد فشنك

محمد أبومندور: الكبر فينا والعند مالينا

محمد أبو مندور: نصيحة من شخص عادي

محمد أبو مندور : فليمارس جميعنا… الدعارة !

محمد أبو مندور : إعلام “التكاتك” الموازي

.

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا