ضيف الأستاذ إبراهيم عيسى… وضيف كل صاحب قضية

د.محمد فياض

ربما لم أجد كلمة مناسبة تصف إبراهيم عيسى أفضل من كلمة “الأستاذ”… نعم هو الأستاذ بالمعنى الجامع المانع الحقيقي للكلمة، في كل مقالة وكل رواية وكل تحليل وكل إطلالة تجد نفسك أسيراً وغارقاً في عالم إبراهيم عيسى.

ومنذ أيام كنت على موعد مع فيلم “الضيف” للأستاذ إبراهيم عيسى، كانت حفلة الواحدة صباحاً في مدينة الإسكندرية، ورغم برودة الجو وموعد الحفلة إلا أن القاعة كانت ممتلئة بجمهور متعدد الأهواء والمشارب، على مقربة مني بعدة مقاعد كان يجلس السلفي والإخواني والليبرالي وغيرهم من أصحاب اتجاهات عدة أدركت طبيعة أفكارهم من تعبيرات وجوههم على مدار عرض الفيلم.

الأبطال والإخراج وكل عناصر الفيلم كانت بديعة ورائعة ولكنني لم أرى طيلة عرض الفيلم سوى مؤلفه، لم أرى سوى إبراهيم عيسى، حتى شعرت أن النجم القدير خالد الصاوي كان يعيش نفس حالة إبراهيم عيسى، وكأنه كان يجسد شخصه وروحه، منذ اللحظة الأولى لبداية الفيلم وأنا أرى الكاتب، هو الكاتب بلحمه ودمه وأفكاره، إلى أن حل الضيف، لتبدأ طلقات مولانا النارية… الجهاد والحجاب والنقاب وابن تيمية والبخاري والفهم الصحيح لآيات القرآن، التنوع والتعدد والمحبة والتعايش، تعايش بين ترانيم وتراتيل، بين مسلمين وأقباط ، قضايا فشل الجميع منذ سنوات أن يعرضها كما عرضها الفيلم، كما عرضها الأستاذ، قضايا هي قلب تجديد الخطاب الديني، فيلم اختصر في زمنه القصير كل حكاية تجديد الخطاب الديني، تلك الحكاية الدرامية الأليمة التي اختصرها إبراهيم عيسى في حواره مع “الضيف”.

نرشح لك: “ضيف” إبراهيم عيسى الجديد على السينما المصرية

ونتيجة لكل ما عرضه بطل الفيلم، أو كاتبه، حل عليه الضيف الذي قرر أن ينهي حياته، ليس كما انتهت حياة فرج فودة، أو الشيخ الذهبي، أو كما حاول ضيوف آخرين أن ينهوا حياة نجيب محفوظ، بل كانت المحاولة أكثر قذارة وأكثر وضاعة، محاولة تليق بعناصر سلفية متطرفة، اختصرت الدين في اللحية والنقاب والكره وإقصاء الآخر، اختصرت المرأة في المضاجعة، والجنة في الجنس، والوطن في حفنة عفنة من تراب، والله في العذاب، والدين في القتل والدماء، ضيف قرر أن ينهي حياته لأنه صاحب قضية، لم يقوى على مقارعته الحجة بالحجة، ولا المنطق بالمنطق، ولكنه كفره، وقرر أن يسفك دمه كمتحدث باسم الله، ضيف يتقزز من الآخر ويكرهه ويحاول تدميره، ضيف أثبت أن الإرهاب ليس مرتبطاً بالفقر، ولا بالجهل، ولا بالشكل والوسط الاجتماعي، ضيف سمته الشكلية ككل سمات دعاة الإسلام الوسطي الجميل، الإسلام المودرن التي تفيض وجوهههم سماحة وقلوبهم سواد، وعقولهم جاهلية، رأيته كما جسده الرائع أحمد مالك فعرفته، أعرفه جيداً، أراه كل يوم في حياتنا، أراه عندما يُكفر ويحرض ويقتل، رأيته في انتخابات الإخوان، وفي اعتصام رابعة، رأيته فى جموع السلفيين، رأيته في تعليقاتهم على ما نكتبه، رأيته في كل من سبونا وكفرونا، رأيته فى وجه كل داعشي وقاتل ومتطرف وإرهابي، خلقه نص إبراهيم عيسى فجعله كما هو لحماً ودماً، وأبدعه أحمد مالك وهادي الباجوري، هذا الضيف الذي نقاومه كل يوم ونكسب من أرضه كل يوم نقاومه كما قاومه الأستاذ، وكما قاومه الدكتور “يحيى التيجاني” خالد الصاوي العظيم، الرائعة شيرين رضا أيقونتي الأغلى في الأداء، نقاومه حتى لا ينخدع فيه آخرين كما انخدعت فيه الرائعة جميلة عوض أو فريدة، نقاومه حتى لا يقتلنا ويكفرنا ويسبي نسائنا، نقاومه حتى لا يستعيد خلافته الساقطة زمناً وفكراً وأخلاقاً وتاريخاً، نقاومه حتى نحافظ على الوطن وحدوده ومدنيته، نقاومه حتى لا تعود الجزية ولا لا يعود أهل الذمة والجواري، نقاومه لأننا نكره الدم والعنف والتفجير والتفخيخ، نقاومة لأننا نحب الله ونؤمن أنه رب القلوب ورب الرحمة ورب الحق ورب الخير ورب الجمال.

وها هو الأستاذ الذى جعل من السينما منبراً لتجديد الخطاب الدينى فينجح فيما فشل فيه الجميع، ليظل هو كما هو الأستاذ إبراهيم عيسى، ليظل متفرداً ومغرداً فى سرب هو قائده بعيداً عن كل طيور الظلام، طالما سمعت عنه كل أوصاف الدنيا فهو الشيعى والشيوعى والمسيحى سراً، هو العميل الممول من الصهيونية العالمية، والمُخرب للوطن وصاحب الأجندة، وصاحب النتيجة ، وصاحب التوجه، وهو السبب الرئيسى في ثقب خرم الأوزون، سمعت كما سمعت ، سمعت عنه ما لم أسمعه في أبو لؤلؤة المجوسي، وعبد الرحمن بن ملجم، اتهمه البعض أنه من سلالة قتلة عثمان في الفتنة الكبرى، أو أنه عبد الله بن سبأ، سمعت أنه من حاصر مكة وقتل الحسين واجتث جذور العلويين، أخبرني أحدهم أنه هو من أسقط الخلافة، وأدخل الاحتلال إلى الوطن، أخبرونى أنه إخوانياً، وسلفياً وشيوعياً وثورياً وفلول!!!

ودخلت عالم إبراهيم عيسى وأنا مكتمل ناضج متعلم حاصلاً على الدكتوراه ومدرساً بالجامعة وميسور الحال، دخلت عالمه لأجدني أراجع كل ما تعلمت وكتبت وسمعت، لأندهش بإنسانيته وفكره وإيمانه حتى النخاع، وجدته يعرف الله أكثر من شيوخهم وضيوفهم، ويؤمن برسوله أكثر من كل ذقونهم، ويدرك معنى الإنسانية أكثر من كل منظماتهم، رأيته أستاذاً وعالماً ومؤمناً بدين العقل لا بدين النقل.

استمعوا لرسالة الفيلم جيداً وافهموا رمزياته وقضاياه، وإلى كل صاحب قضية قاوم ضيوفك الذين حولوا حياتك إلى سواد، لا تيأس بل قاوم واكتب ونور وافهم وانشر الفهم والوعي، كونوا كيحيى التيجاني وكإبراهيم عيسى، شاهدوا الضيف، لتفهموا المسألة… وأصل المسألة..

وإلى كل قائم على الأمر في مصر لا تتركونا نواجه ضيوفنا وحدنا، لا تتركوهم يقتلونا ويكفرونا، لا تتركوهم يتآمرون على مستقبلنا، كيف أنشر التنوير ومصيري بين يد إخواني وسلفي وداعشي لا يزالون كدود الأرض ينخرون في مدارسنا وجامعاتنا ولجان ترقياتنا، لا تتركونا كما تركتم يحيى التيجاني وفرج فودة والشيخ الذهبي ونصر حامد أبو زيد…

وفي النهاية شكراً لإبراهيم عيسى لأنك في حياتنا…

مازن فوزي يكتب: فيلم (الضيف).. عودة الفيلم الحواري للسينما المصرية

شاهد: مختلفة – طريفة – صادمة.. آراء المشاهير المثيرة للجدل