تفاصيل آخر حوار لحسن كامي: حدد وريث المكتبة.. ونسبه لعائلة محمد علي

أمنية الغنام

الجمعة الموافق 16 من نوڤمبر الماضي، استقبل الفنان الأوبرالي الراحل حسن كامي في مكتبته “المستشرق” بوسط البلد، المصور الصحفي أيمن برايز بناء على طلبه، ليمتد اللقاء أكثر من ساعتين، وأسفر عن 6 ڤيديوهات تحدّث فيها كامي عن شرائه للمكتبة، وأهم مقتنياتها من لوحات وكتب ومخطوطات، وأبرز ذكرياته عن زوجته التي عشقها وتأثر لموتها.

مع رحيل كامي يوم 14 ديسمبر الحالي، وما أثير بشأن أحقية ملكية مكتبته من بعده، ومصير ما فيها من كنوز ونوادر الكتب في شتى المجالات؟، وهل حقًا باعها لمحاميه الخاص بكل ما فيها؟.. كل ما سبق دفع “إعلام دوت أورج” للقاء ومحاورة المصور الصحفي أيمن برايز، للوقوف على محتوى الڤيديوهات – التي اختص وأهدى 3 منها لـ”إعلام دوت أورج”- ربما نجد من كلماته وعباراته ما يدلنا على حقيقة الأمر.

على غير العادة

بدأ برايز حديثه بأنّه وكامي كثيرًا ما تبادلا الاتصالات الهاتفية، إلاّ أنّه فوجيء على غير العادة بمكالمة من كامي قبل وفاته بنحو شهر، طلب منه زيارته في المكتبة، وحين حاول برايز الاعتذار لانشغاله في مهمة تصوير إحدى الزيارات الرئاسية في منطقة الأهرامات، واستأذنه في تأجيل اللقاء للأسبوع التالي، أصرّ كامي وقال له: “مش هتلاقيني الأسبوع الجاي”، وكأنّه يشعر بدنو الأجل.

أمام هذا الإصرار انتهى برايز من مهمته واتجه لمكتبة حسن كامي في الثانية ظهرًا، “صوّر ڤيديو يا أيمن” هكذا قال كامي لبرايز بعد استقباله والترحيب به، وبدآ تجاذب أطراف الحديث، ليقول إنّه ينتوي أن يشمل اللقاء جولة في أركان المكتبة خاصة الدور العلوي لها، فهو كبير وبه مقتنيات نادرة وموسوعات عالمية.

تحدّث كامي للمرة الأولى عن أشياء لم يتحدث عنها من قبل، وعن أهمية وقيمة مكتبته التي زارتها شخصيات مهمة على مستوى العالم، مثل الملك الحسن الثاني ملك المغرب، والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وكان من المفترض أنّ يزورها لاعب كرة القدم الشهير “ميسي” في أثناء زيارته الأخيرة لمصر، لكنّ صعوبة الإجراءات الأمنية ألغت الزيارة، وآخر من زاره فيها كان العالم الأثري الكبير زاهي حواس، بصحبة بعض الشخصيات من الولايات المتحدة الأمريكية واشتروا بعض الأشياء من المكتبة، كما كان يرتب قبل رحيله بأيام لتغطية زيارة إحدى الشخصيات المصرية المهمة لمكتبته، ثم اصطحابها بعد ذلك لڤيلته لتناول الغذاء.

علاقة ممتدة

في أثناء اللقاء تلقى كامي اتصالًا هاتفيًا من ديوان رئاسة إحدى الدول – لم يذكر إنّ كانت عربية أم أجنبية- ، كان قد تواصل معهم من قبل ليخبرهم أنّ الكتاب الذي طلبوا شراءه موجودًا لديه، فكان اتصالهم لتحديد ترتيبات الشراء، كما أجرى كامي مكالمة من هاتف أيمن الشخصي، بملكة مصر السابقة هدى عبود بشأن شراء كتاب نادر.

قد يستغرب البعض طبيعة علاقة كامي مع أيمن برايز، لكن المصور الشهير يقول: “كانت علاقة ممتدة ترجع لسنة 87، حين التقيته لتغطية أوبرا عايدة في الهرم، وكان هناك بعض الصعوبات التي تهدد تنظيم العرض لكن كامي تصدّى لها بشدة، وكان وقتها ممدوح البلتاجي رئيسًا للهيئة العامة للاستعلامات، فما كان منه ومن الجميع إلا تذليل الصعوبات كافة وإقامة أوبرا عايدة في موعدها المحدد، وبحضور الرئيس الأسبق حسني مبارك وزعماء وملوك الدول، منذ ذلك اليوم توطدت العلاقة بيننا، ولا أنسى أبدًا كيف كان يحكي لي عن اللحظة التي علم فيها بوفاة ابنه الوحيد، وكان وقتها يقدم عرضًا أوبراليًا على مسارح روسيا، فما كان منه سوى الانتهاء من العرض وتكملته للنهاية ثم التفرغ بعد ذلك لحزنه”.

حكاية العمر كله

يستمر برايز في حديثه قائلًا: “من المشروعات المستقبلية التي كان كامي ينوي تنفيذها، سلسلة مطاعم سياحية، خاصة أنّه كان يرى أنّ المجال السياحي بدأ في الانتعاش مرة أخرى، ومع ذلك فالمكتبة بالنسبة له (حياة)، حتى أنّه رفض بشدة عرضًا بالشراء تقدم به أمير عربي ذو مكانة بارزة جدًا مقابل 50 مليون جنيه، فبداياته مع المكتبة تعود للستينيات، حين حاول شراؤها بما فيها من موسوعات من مالكها اليهودي، لكنّه رفض، وبمرور الموقت أصيب مالكها بالمرض وسافر للعلاج واختفى تمامًا، وتركها للموظف المصري الذي كان يعمل لديّه، فعاد كامي مرة أخرى وطلب شراؤها من الموظف لكنّه أيضًا رفض بشدة لكن الذي حدث بعد ذلك أنّه مرض مرضًا شديدًا هو الآخر وكان في حاجة للمال، فاتصل بكامي وأخبره بموافقته على بيع المكتبة بمبلغ مليون دولار، وسدد كامي المبلغ كاملا على مدار عامين منذ 30 عامًا”.

شغف كامي بالمكتبة وحرصه على شرائها، يعود لحبه للثقافة في المجالات كافة، ورغبته في اقتناء ما هو نادر من التراث، وربما كانت لأصوله التي تمتد لأسرة محمد علي الذي ذكر أنّه “جد جد جد جدي” علاقة بذلك، فهو يرتدي في إصبعه خاتم أسرة محمد علي، ومعه شهادة بأنّه يحمل لقب أمير أمراء.

يتوقف برايز هنا ليقول: “بالمناسبة الخاتم ومحفظته وهاتفه المحمول ونظارته وساعته الخاصة وساعة زوجته التي كان يرتديها أيضًا ولم تفارق يده، اختفت بعد وفاته في مستشفى (الأنجلو) التي كان بها”.

يقول برايز: “بعد وفاة زوجته التي كانت تقوم على المكتبة وأقسامها، حرص على تطويرها بحضور المزادات وشراء المزيد من الكتب والمخطوطات واللوحات، وأراد بعد تركه الغناء الأوبرالي والتمثيل التفرغ تمامًا للمكتبة، لذلك لا أعتقد أبدًا أنّه باعها لأي كائنٍ من كان، فهو حتى آخر لحظة كان يتلقى اتصالات من أوروبا لعمليات شراء وبيع عادية جدًا لأشياء من المكتبة، ويتصرف فيها بكل سيطرة وتمكن”.

نرشح لك: من هو سيد سيف في دور “كلب البحر”؟

وجّه برايز سؤالًا للفنان الراحل عن مصير المكتبة بعد وفاته ومن يرثها، فأجاب بكل وضوح “أختي نيجار، على الرغم من وجود بعض الخلافات البسيطة بيننا”.

أمانة في رقبتي

يستطرد برايز: “بعد ما أثير بشأن المكتبة، تقدمت طواعية للنيابة لأعرض عليها ما لديّ من معلومات عن هذا الأمر وتفاصيل آخر حوار دار بيننا، وتقديم ما الڤيديوهات التي سجلتها له، والتي تعتبر آخر ظهور لكامي، الذي التقط له نحو 800 صورة في أثناء هذا اللقاء بين أركان المكتبة، وحسنًا فعلت وزارة الثقافة بوضع المكتبة تحت الحراسة وجردها من قِبل رئيس الهيئة العامة للكتاب، فلا يعقل أنّ يكون باعها كما يدّعي محاميه الخاص وحصل على ثمنها 40 مليون جنيه، وأسرته لا تعلم شيئًا عن الأمر، أو عن مصير هذا المبلغ، فلا يوجد أي دلالات للبيع”.

فنان “لارج”

يصف برايز كامي بأنّه إنسان لطيف ومحترم بكل المقاييس، يحترم الصغير والكبير، وكثيرًا ما كان يشكره على صور أو موضوعات تخصه يشاركها على صفحته الخاصة (حساب كامي على فيس بوك)، بينها مشاركاته في الأوبرا في عدة دول، ويعلّق كامي: “براڤو الصور رايقة جدًا”، آخرها كانت صوره باعتباره عضوًا مشاركًا جديدًا في نادي الفرسان، مع زاهي حواس ومحافظ الأقصر.

عن بعض المقتنيات

يقول برايز إنّ مكتبة كامي تضم الكثير من اللوحات للطيور والمناظر الطبيعية، بينها لوحة استوقفه كامي أمامها، كانت لتمثال أبو الهول تعود للقرن الـ18 لأحد الرسامين الفرنسيين، وسبب ندرتها وغلوها أنّ هذا الرسّام رسمها بشكل خاطئ، إذ رسم شروق الشمس من ناحية الغرب، ورفض بيعها بمبلغ كبير بلغ نحو 70 ألف دولار”.

 

يضيف المصور: “يقتني العديد من المصاحف المكتوبة بخط اليد، بينها مصحف حجمه صغير مكتوب بماء الذهب، وبكل فخر واعتزاز وأنا أصوره ڤيديو من أمامها، حدّثني عن الساعة الأثرية المعروضة في المكتبة، التي ترجع ملكيتها لجَدّه الأكبر، وكان يتولى مسؤولية الدفترخانة في ديوان محمد علي باشا، ومسؤول كذلك عن إصدار القوانين، إذ صنع تلك الساعة فنان إيطالي عاد لبلده بعد الانتهاء من صنعها، ولم يصنع مثلها ثانية. هذه الساعة كانت السبب في حب كامي (للمزيكا)، لأنها تصدر أصواتًا موسيقية مميزة جدًا وغريبة، وجرسها يضرب بصوت قوي جدًا، صُنّعت هذه الساعة سنة 1870”.

تهديد بالقتل

ينهي برايز حواره قائلًا: “الفنان حسن كامي هاتفني قبل وفاته بيومين فقط وهو في المستشفى، لكن للأسف لم أجب الاتصال، وعلمت من صديق مشترك أنّه في المستشفى، وأرسل رسالة لهذا الصديق يخبره بتعبه ووجوده في المستشفى، فهاتفته كثيرًا أنا وهذا الصديق، لكنّه لم يرد على مكالماتنا حتى علمنا بوفاته. والأن ورغم التهديدات بالقتل التي تصلني في صورة اتصالات تليفونية من أشخاص تحذرني من التحدث أو نشر أي شيء يتعلق بالفنان الراحل حسن كامي، إلا أنّنا كمجموعة من الصحفيين والكتاب والمستشارين ندعم أهمية وحق المكتبة كتراث ثقافي، ونتمنى من أسرة الفنان تحويلها لمتحف خاص به”.

ماذا قالت لنا سناء البيسي عن هيكل ومحفوظ والشعراوي ونصف الدنيا؟