علياء طلعت تكتب: "Roma.. نوستالجيا كوارون الساحرة"

قدم المخرج المكسيكي ألفونسو كوارون، أنواع وأنماط مختلفة من الأفلام، تنقل ما بين المغامرات في هاري بوتر وسجين أزكابان، ليصبح فيلمه درة هذه السلسلة، ثم الديستوبيا في Children of Men، وحتى أفلام الفضاء في الفيلم الشهير Gravity  الذي فاز عنه بأوسكار أفضل إخراج، بينما فاز الفيلم بـ 6 جوائز أوسكار أخرى.

لينتظر العالم فيلمه الجديد 5 سنوات، حتى خرج إلى النور “Roma” هذا العام، فيفوز بالأسد الذهبي في مهرجان “فينسيا” السينمائي، ويحصل “كوارون” كذلك على جائزة “SIGNIS” بذات المهرجان، وعُرض كذلك بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، قبل أن يتم عرضه عالميًا عبر منصة “نتفيلكس” الإلكترونية في 14 ديسمبر القادم، وقدمته المكسيك ليمثلها في مسابقة أوسكار أفضل فيلم بلغة أجنبية لعام 2019 والتي لم يتم الإعلان عن قائمة ترشيحاتها بعد.

قبس من ماضي وروح كوارون Roma:

وضع  “كوارون” في روما جزءًا من تاريخه  لتقع الأحداث في منطقة “روما” بمكسيكو سيتي مهد طفولته، ومن الشخصيات الرئيسية أربعة أطفال تلبس كل منهم قطعة من روح المخرج والمؤلف.

وعلى الرغم من أن الأحداث لا تدور من وجهة نظر الأطفال، بل الخادمة “كليو”، ولكن روح الفيلم ذاتها كلها تعبق بنوستالجيا “كوارون” ورؤيته لهذه الفترة الحاسمة من تاريخ بلاده ومدينته، ليُقدّم الفيلم بالأبيض والأسود ليبدو أنه ينقلنا إلى زمن الأحداث كما فعل بعد ذلك بالملابس التي كانت العلامة الأولى على الأعوام التي يدور فيها الفيلم قبل التصريح بالتاريخ في الثلث الثاني منه.

نرشح لك: “ليل خارجي” .. مشاعر داخلية ووميض فنى !

في أحد المشاهد حيث الأطفال بصالة العرض السينمائي نجد على الشاشة لقطة من فيلم فضاء، في إشارة مُزدوجة إلى فيلم  Marooned لجريجوري بيك، والذي استلهم منه Gravity  عمله الأهم قبل روما، وأيضًا إلى شغفه بعالم الفضاء، هذا الشغف الذي جعله طفلًا يأمل في أن يصبح رائد فضاء أو مخرج أفلام، ليحقق كلا حلميه بإخراج أفلام عن الفضاء.

شخصيات رئيسية على هامش الحياة:

“نحن وحدنا، لا تصدقي من يقول لك غير ذلك، نحن وحدنا”

هذا ما تقوله سيدة المنزل التي هجرها زوجها إلى خادمتها في أحد الليالي وهي عائدة من المنزل غير متزنة سواء بفعل الخمر أم الحزن، كلا المرأتين تعانيان من ذات الخذلان، رجل بذر بذرته وهرب ليجد نفسه في مكان آخر، الأولى تركها الزوج مع أربعة أطفال، ووظيفة لا تجني الكثير من المال، وعائلة يجب أن تحافظ على وضعها الاجتماعي في طبقتها، بينما الثانية الخادمة “كليو”، فتاة ساذجة، تعتبر واحدة من أفراد الأسرة، تحمل طفل رجل لا تعلم عنه سوى القليل ليتركها هاربًا بمجرد معرفته خبر الحمل.

على الرغم من كوننا نعيش الأحداث من وجهة نظر “كليو”، ولكن دومًا نشعر إنها على الهامش، فسواء كان ذلك لاختيار المخرج الكادرات الواسعة أغلب الأحيان، ولم نرى “الكلوس أب” إلا قليلًا، أو لأن أحزانها كانت دومًا تترافق مع أحداث كبيرة تجعل المشاهد يشعر بالتعاطف معها لوهلة ثم ينجرف انتباهه إلى الزلزال في حجرة حضانات الرضع، أو الحريق المرعب في الغابة، أو المظاهرات وطلقات النيران.

يذكرنا مرة أخرى “كوارون” أننا وحدنا، مآسينا مهما لاقت التعاطف لا تعدو كونها لحظات عابرة في مصائب العالم الذي نعيش فيه، ونظل حتى قرب النهاية ونحن نرى “كليو” تُعاني في صمت في حيزها الضيق الحزين، لتفرد لها الكاميرا عندها واحد من أجمل المشاهد السينمائية على الإطلاق، حتى يستشعر المشاهد المآساة الكاملة لتلك الفتاة دون أي تقطيع سواء عن طريق المونتاج، أو اعتراض من حدث آخر، فهذه هي لحظة الذروة التي كان يجب أن يبلغها حزن كليو لتلمس القاع بقدميها، وتتركنا متسائلين هل هناك أمل في الصعود مرة أخرى للسطح؟.

واحدة من أجمل الصور السينمائية في 2018:

Roma  هو الفيلم الثاني الذي آراه في 2018 بالأبيض والأسود، الأول Cold War  للمخرج بافل بافليكوفسكي، والذي رشحته بولندا ليمثلها في الأوسكار أيضًا، وإلى هنا تنتهي التشابهات بين الفيلمين، فعلى الرغم من استعمال كلاهما نفس التيمة البصرية باللونين الذي خلقت السينما بهما في الأساس، إلا أن لكل منهما طابع شكلي مختلف تمامًا.

“كوارون” الذي تولى هذه المرة مهمة مدير التصوير قدم عدد من الخيارات التي أعطت فيلمه هذا “الأستايل” أو المظهر المميز، بدئًا من الابتعاد عن “الكلوس أب”، وأخذ أغلب اللقطات واسعة، والأهم اللقطات الطويلة التي يقدم  كل منها جملًا سينمائية كاملة، استخدم فيها أحجام كادرات مختلفة، تشعر المشاهد بالتجديد وتمنع عن الشعور بالملل، وفي ذات الوقت يصل إليه المعنى الذي يرغب فيه المخرج.

لم يعتمد كوارون على الحوار في تقديم مشاعر وأفكار شخصيته الرئيسية ومن حولها، بل استخدم الكاميرا لتقديم كلاهما، بالإضافة إلى وضع الفيلم في مزاج من الحزن والفوضى التي تشعر بهما كليو طوال الوقت، ولم يعزز صمتها حتى بالموسيقى التصويرية، بل ترك التمثيل المعبر واختيار الكادرات التي تقع بها دومًا وسط الشخصيات والصراعات وحتى المهام المتعددة لتعبر عنها.

بالإضافة إلى غياب الحوار، لم يكن الصراع في سيناريو “كوارون” واضحًا بالمعنى المفهوم، فلم يكن بحث “كليو” عن أبو جنينها، هو الهدف، ولا حتى حملها بطفل غير شرعي هو الأزمة، بل أن الدقائق تتوالى والمشاهد ينتظر ذروة متوقعة فلا يجدها، وذلك حتى الثلث الأخير من الفيلم، الذي حمل زخمًا من المشاعر عوض المتفرج الذي ربما كاد أن يفقد صبره.

من شاهد روما على شاشة السينما في عرضيه بمهرجان القاهرة محظوظًا بالفعل، فالفيلم حصلت “نتفليكس” على حقوق توزيعه، وهو يستحق العرض على الشاشات الكبيرة حتى يستمتع المشاهد بكل هذا الجمال البصري الذي إلى حد كبير سيفقد بعض من سحره عند عرضه على أي شاشة أصغر.

وسام سعيد يكتب: شابووه وبعد (1)..عمرو محمود يس.. صياد جمهور

شاهد: أبرز لقطات حفل افتتاح الدورة الأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2018