كيف تؤثر منصات النشر الإلكتروني على سوق الكتب؟

نرمين حلمي

يتمنى كل كاتب أو مؤلف أن يصل إبداعه وآراءه وكتاباته لأكبر شريحة من القراء، فيما يحاول الناشر أن يضمن ولو جزءا بسيطا من حقوقه المادية لتغطية النفقات وتحقيق هامش من الأرباح، بينما القارئ فيريد اقتناء كتاب بحتوى ممتع وبأقل تكلفة ممكنة وبأسهل طريقة، لذا تقوم صناعة النشر على تحقيق أكبر قدر من المكاسب للأطراف الثلاثة، لكن مع ارتفاع تكاليف النشر الورقي مؤخرا ووجود كثير من العراقيل في مواجهة هذه الصناعة، يلجأ بعض الكتاب لما يسمى بالنشر الإلكتروني، والذي انتشر في الآونة الأخيرة، لكن هل يستطيع النشر الإلكتروني ضبط معادلة النشر بمصر؟ وهل لدينا الآليات المناسبة لتطبيقه بشكل يحد من قرصنة الكتب؟ ويعطي أكبر قدر من الحقوق للكاتب والناشر؟ وهل سؤثر النشر الإلكتروني سلبا على النشر الورقي؟

نرشح لك: أحدث إصدارات دور النشر بصيف 2018

للوصول إلى هذه الإجابات تواصل “إعلام دوت أورج” مع العديد من القائمين على النشر الإلكتروني والورقي كذلك عدد من الكتاب والمهتمين بصناعة النشر بمصر، وبالبحث وجدنا عدة منصات للكتب الإلكترونية منتشرة حاليًا في الوسط الثقافي، منها ما يدعم إمكانية نشر كتب حصريًا بصورة إلكترونية في كافة المجالات، إلى جانب توفير كتب مطبوعة ورقيا بالطلب.

اَلية نشر المنصات الإلكترونية

عدم وجود معايير خاصة أو قيود معينة تُفرض على الكاتب، إلى جانب سهولة الانتشار وبساطة النشر عبر الشبكة العنكبوتية، فضلاً عن الخواص والعناصر السابق ذكرها، جعلت من النشر الإلكتروني مقصدًا للعديد من المبدعيين والمؤلفيين؛ هاربين من مخالب النشر التقليدي ومعاييره؛ التي قد تحول دون إتمام حلم النشر والانتشار، بحسب ما صرح محمد عبد السلام، مدير عمليات النشر والطباعة بمنصة “كتبنا”، المسجلة باتحاد الناشرين المصريين، والتي بدأت عملها بالنشر الإلكتروني منذ عام 2015 حتى الاَن.

أوضح “عبد السلام” أنهم ينشرون لمؤلفين عرب وغير مصريين أيضًا، مشيرًا إلى أن المؤلف لا يخضع لقيود أومعايير خاصة من أجل قبول أو رفض عمله، سوى أن يكون الكتاب لا يحتوى على مخالفات قانونية، لافتًا إلى أنهم يستقبلون الكتاب بمنصة “كتبنا” ويقومون بنشره بعد مراجعته خلال 72 ساعة، مقابل اشتراك سنوي للمؤلف، منوهًا أنه لا يوجد عقد للنشر الإلكتروني، فقط اشتراك سنوي قيمته 200 جنيه، لأي عدد من الكتب للكاتب الواحد، على أن يبدأ سعر بيع الكتاب الواحد بـ 5 جنيهات ومن ثمً يختلف كل كتاب عن الاَخر.

لا يتم إصدار رقم إيداع أو رقم دولي موحد للكتب الإلكترونية، إلا إذا طلب المؤلف أو الكاتب ذلك، ولكن يتم صدورها لنظام النشر الورقي والكتب الورقية التي تصدرها منصة “كتبنا” أيضًا، حسبما أشار “عبد السلام”، لافتًا إلى أنهم يوفرون نظام اَخر غير النشر الإلكتروني، وهو المسمى بـ ” نظام الطباعة حسب الطلب”، حيث تقدم عدة باقات مختلفة، وهن: الذهبية، والفضية، والبلاتينية، ويقوم المؤلف باختيار الباقة التي تناسبه بالتكلفة السانحة له وبالاختيارات التي يفضلها، والتي تتيح أيضًا خاصية إقامة حفل توقيع للكاتب والتي لا تنظمها “كتبنا” في حالة نشر الكتاب إلكترونيًا فقط.

لزيارة منصة كتبنا اضغط “هنا

حقوق المؤلف وضماناته

بالرغم من تشديد “عبد السلام” على أهمية النشر الورقي، إلا أنه يؤكد أن الإقبال متزايد شهريًا على النشر الإلكتروني؛ نتيجة لصعوبة النشر التقليدي، مشيرًا إلى أنهم لا يقتصرون وقت استقبال الأعمال في وقت محدد في السنة، بل تُستقبل الأعمال وتُنشر يوميًا، نافيًا وجود أي سبيل لانتهاك حقوق الملكية الفكرية لدى المؤلف، مشيرًا إلى أن منصة “كتبنا” توفر وسائل لحماية المحتوى المكتوب جيدًا، عن طريق عرض الكتب فقط ولا يمكن تحميلها.

لكن للتعرف أكثر رأي المؤلفين الذين لديهم تجارب مع النشر الإلكتروني تواصلنا مع الكاتب محمد تهامي، مؤلف كتاب “التسويق السياسي”، الصادر عن منصة “كتبنا”، الذي أكد اعتزازه بتجربته في النشر الإلكتروني سواء بنظام النشر الإلكتروني ذو الإشتراك السنوي أو من خلال نظام “الطباعة حسب الطلب”؛ واصفًا النشر الإلكتروني بأنه “مستقبل النشر”، مادحًا إمكانياته التي قد تشير إلى حجم مبيعات وإيرادات الكتاب بصفة مستمرة إلى الكاتب بدون أية “تلاعبات”.

شدد “تهامي” على أهمية الكتاب الإلكتروني من وجهة نظره، في ظل ارتفاع أسعار الكتب، وتوافر كتب ”pdf” من خلال المنصات والمواقع الإلكترونية، إلى جانب صعوبة صناعة الورق، التي يطالب الكثيرون بوقفها لأضرارها البيئية، بحسب وصفه، لافتًا إلى أن تكاليف نشر الكتب الإلكترونية لا تقارن بالورقي على الإطلاق.

نرشح لك: كيف تشتري كتبًا دون أن تُعلن إفلاسك؟

وفي السياق ذاته، نفى الكاتب إبراهيم عادل، مدير نادي القراء المحترفين، حتمية حفظ أو ضياع حقوق المؤلف من قِبل النشر الإلكتروني؛ منوهًا أنه لا يوجد “ضمانات في الحياة”؛ لافتًا إلى أن الكتب الورقية يُمكن أن يُسرق محتواها أيضًا، موضحًا أن الكاتب عليه أن يسجل الكتاب في دار الكتب لضمان حقوقه.

هل أثر النشر الإلكتروني على بيع الكتب؟

تنم مؤشرات مبيعات الكتاب الورقي في أوروبا والدول الأخرى خارج مصر، عن إزدهار ملحوظ، حيث زادت بنسبة 25 % في الفترة الأخيرة، وفقًا لما بث عبر قناة “BBC العربية”. الأمر الذي استشهد به “عادل” في حديثه لـ “إعلام دوت أورج”، مؤكدًا رؤيته أن “الكتاب الورقي أهم وأفضل بالطبع، موضحًا أن الكتاب الإلكتروني لا يُهدد مكانة الكتاب الورقي مهما وصلت درجة انتشاره سواء في مصر أو خارجها، ولا يُشكل خطرًا على حركة بيع وشراء الكتب في المكتبات، مشددًا على أهمية المكتبات ودورها، مشيرا إلى أن حركة بيع الكتب ورقيًا في ازدهار شديد، وليس كما يدعي بعض الناشرين.

الفرق بين النشر الإلكتروني محليا ودوليا

شريف جوزيف رزق، مدير دار “التنوير” للنشر بمصر، وهي الدار صاحبة حقوق نشر الترجمة العربية لكتاب “فن اللا مبالاة” بالوطن العربي، أكد أن النشر الإلكتروني انتشر في أوروبا وأمريكا بدرجة كبيرة ولكنه تراجع في السنوات الأخيرة، موضحًا أن معدلات النشر الورقي تزدهر هناك حاليًا عن الإلكتروني، لافتًا إلى أن النشر الإلكتروني لم ينتشر في العالم العربي، بل أن “الكتب المقرصنة” هى التي انتشرت بالفعل بشكل كبير جدًا، وهو الأمر الذي تسبب في الإضرار بالصناعة، مشيرًا إلى أن “كتب pdf” مجانية لا تُعد بمثابة نشر إلكتروني، بل هى مجرد وسيط إلكتروني، ولكنه أثر سلبًا على المجال.

نرشح لك: أسعار ومنافذ بيع “فن اللا مبالاة”.. كتاب يقرأه محمد صلاح

أوضح “رزق” أن منصات النشر الإلكترونية المتواجدة حاليًا في العالم العربي، ما زالت مبتدئة في عملها ولم تترك أثرًا ناجحًا بشكل ملحوظ، بحسب وصفه، باستثناء منصة “كيندل- “kindle والتي بدأت عملها مؤخرًا، ويتفاءل “رزق” بوجودها في أوساط النشر الإلكتروني.

للتعرف أكثر على منصة “kindle” وكيفية شراء الكتب اضغط هنا

متى تدعم النسخة الإلكترونية النشر الورقي؟

يرى البعض أن النسخة الإلكترونية تزيد من شهرة النسخة الورقية من الكتاب ذاته، سواء على النطاق المحلي أو الدولي، تُظهر المواقع أو المنصات، الكتب من خلال الإعلان عنها أو عرض أجزاء صغيرة من الكتاب المنشور ورقيًا، ثم يطلب منك شراء بقية الكتاب كاملاً لاستكمال قراءته، إن كنت ترغب في ذلك.

تمامًا مثلما يحدث مع المؤسسات الصحفية، التي تمتلك مواقع إلكترونية، قد تساعد على رواج النسخة الورقية لها؛ من خلال نشاطها عبر موقعها الإلكتروني وصفحاتها الخاصة المنوطة بترويج أخبارها ومشاركة القراء عبر مواقع التواصل الإجتماعي.

وهو الأمر الذي اتفق مع رؤية يوسف ناصف، مدير دار “المصري” للنشر والتوزيع، حيث يرى أن النشر الإلكتروني لم ولن يؤثر علي النشر الورقي، إنما هو مكمل مهم للنشر الورقي؛ نظرًا للتطور الطبيعي للتكنولوجيا الحديثة، لافتًا إلى أنه لا يرى إقبالاً كبيرًا على النشر الإلكتروني من وجهة نظره، مبررًا توجه بعض الشباب إليه؛ لصعوبة النشر الورقي الاَن لدى البعض، مشيرًا إلى أنه أمر يعود لحرية اختيار المؤلف، منوهًا أن النشر الورقي سيظل هو الأهم لدى أي كاتب، نافيًا ارتباط فكرة التسويق الجيد للكتاب بشكل نشره، موضحًا أن التسويق الفعلي للكتاب ونجاحه غير مرتبط بذلك.

نرشح لك: 7 أساليب جديدة وغريبة للدعاية للكتب

كما أوضح “يوسف” أن النشر الإلكتروني “بشكل شرعي”، لا ينتهك حقوق المؤلفين، إنما قرصنة الكتب سواء ”pdf” أو “تزوير”، هو الأمر الذي ينتهك حقوق الناشر والمؤلف، ويأثر بالطبع على المنظومة كلها، لافتًا إلى أن النشر الورقي يحفظ حقوق المؤلف الأدبية؛ لعدم استطاعة طبع أي كتاب دون اتخاذ إجراءات معينة، واستخراج رقم إيداع وترقيم دولي.
تفاوت أسعار النسخ الإلكترونية

وعن فكرة توفير نسخ من الكتب الورقية إلكترونيًا، أوضح “يوسف” أنهم يعرضون إصدارات دار “المصري” عبر منصات إلكترونية كثيرة بشكل شرعي، بسعر أقل من ثمن الكتاب الورقي، يصل تقريبًا إلى نصف سعره الأصلي، لافتًا إلى أنه أمر مكمل للنشر الورقي، منوهًا أن الكتاب المطبوع هو “الأساس”، ومن الصعب استبداله بـ “إلكتروني” فقط.

وفي هذا الصدد، أبدى “عادل” استياءه من فكرة طرح بعض دور النشر المصرية لإصدراتها الورقية عبر منصاتها الإلكترونية بنفس سعر بيع الكتاب الورقي، مشيرًا إلى ضرورة اهتمامهم بخفض تكلفته، عاملاً على إثراء المحتوى العربي من خلال النوافذ الإلكترونية.

“التعامل مع الكتاب الإلكتروني قليل ونادر”، هكذا يوضح “عادل” رؤيته اتجاه الكتاب الإلكتروني، مشيرًا إلى أنه لا يوجد إقبال على النشر الإلكتروني مثل الورقي، حتى وإن كان ينتشر بشكل كبير على صفحات التواصل الاجتماعي، لكنه يبقى محدودًا جدًا، مؤكدًا أنه لا يفضل فكرة وجود المنصات الإلكترونية المتخصصة في نشر الكتب بصورة حصرية لديها دون وجود نسخ ورقية أخرى من الكتاب ذاته، مبررًا ذلك لسببين: أولهما لأنه نشر مُقيد ببرنامج وصفحة وموقع خاص بهم؛ يقلل من فرص انتشار الكتاب، وثانيهما بسبب وجود مقابل مادي للنشر على هيئة اشتراك سنوي، وليس مجانيًا.

ما بين هيبة الورقي، وسرعة الإلكتروني، وسهولة التخلص من المعايير والقيود، توصلت أبحاث ومقالات ونقاشات نُشرت سابقًا، لفرضية أن الكتاب الورقي أو الإلكتروني هما وجهان لعملة واحدة؛ وهي “المحتوى”، ومهما تصارع كلا منهما مع الاَخر، يبقى لكلا منهما دوره في إثراء الثقافة ونشر المعرفة، فلم يعد هناك سبيلاً واحدًا لاطلاع القراء، بل أثنان؛ إحداهما ورقيًا واَخر إلكترونيًا، ولم يبقِ سوى سؤالاً واحدًا: كيف تفضل أن تقرأ؟

17 تصريحا لـ هشام الخشن.. أبرزها عن كواليس كتابته لـ “حدث في برلين”