مينا فريد يكتب: بين السما والأرض.. الحكاية الثانية (العشاء الأول)

(1)

عام 1950 خرج “فرانك ماكنمارا” مع اثنين من أصدقائه و قرر دعوتهما على العشاء لوجبة من اللحم المشوي في واحدٍ من أكبر مطاعم نيويورك اسمه “كابين جريل”، وبعد نهاية وجبتهم، قرر فرانك دفع الفاتورة، وضع يده في جيبه فلم يجد هناك أي أموالٍ فأحس بالإحراج الشديد، قام مسرعَا واتصل من هاتف المطعم بزوجته، فأتت مسرعة ومعها الأموال المطلوبة.. موقف محرج عادي يحدث كثيرًا، و لكنه لم يكن عاديًا بالنسبة لفرانك، و من يومها قرر تطوير و تنفيذ و تعميم منظومة كروت الإئتمان حتى وصلت للشكل الحالي، وبدأ الناس يأكلون، ويشترون الملابس، ويسافرون بدون القلق من عدم وجود أموال معهم أو عدم امتلاكهم لأموالٍ أصلَا.

أطلق على هذا العشاء في الأوساط الاقتصادية: العشاء الأول.. بداية لعصر جديد… عصر النقود البلاستيكية!

(2)

كنت في مول كبير في إحدى دول الخليج وكان معي مجموعة من زملاء العمل من جنسيات مختلفة، منهم زميل عمل هندي، الحقيقة هو من قرية بسيطة جدًا في إقليم فقير في الهند، و لكنه بعد 25 سنة من العمل أصبح من أغنى أغنياء مقاطعته ويمتلك قصرًا فخمًا جدًا، رغم هذا ملابسه كانت بتصميمات من حقبة الثمانينات.

دخلنا كلنا محل ملابس رياضية مشهور يُعلن عن خصومات كبيرة، أما هو فانتظرنا بالخارج، اشتريت “كاب” والحقيقة اخترته عليه أكبر مقاس للعلامة التجارية الخاصة بالمكان، هنا وجدته يشير ويقول هل وزعوه عليكم كدعايا؟ أجبته ضاحكًا بأني قد اشتريته بمبلغ كبير، هنا ضحك وقال: تدفع أموالًا لتحصل على منتج يظهرون فيه علامتهم التجارية بكل هذا الحجم! قلت: الحقيقة أن السبب الرئيسي لشرائي له، هو حجم العلامة التجارية! طبعًا بعدها حصل على قدر كبير من السخرية، ولكن الحقيقة نحن من نستحق هذه السخرية.

(3)

في المقال السابق نادي القتال، حكينا عن قصة فيلم يتكلم عن الطبقة المتوسطة الإستهلاكية، كان مشهد نهايته محاولة تفجير المباني الخاصة بشركات البطاقات الإئتمانية.

نرشح لك: مينا فريد يكتب: بين السما والأرض (2).. الحكاية الأولى (نادي القتال)

(4)

أنا وأنتم بشكل ما أعضاء في نادي القتال، أغلبنا مديون للبنوك بأقساط سيارة، أو شقة، أو حتى دفعات كريديت كارد لعملية شراء لحذائك الرياضي الأخير، النزعة الاستهلاكية طغت على الطبقة المتوسطة، محاولتنا للخروج إلى الطبقة الأعلى أصبحت مجرد محاولات ظاهرية، بدون أن نشعر، أصبح الخروج هو أن نتسوق من أماكن غالية الثمن، نهتم جدًا بظهور العلامة التجارية المعروف قيمتها على ما نشتريه، حتى لو كان هناك بديل بجودة أعلى ولكن لا يظهر فيه هذه العلامة! نحن أغنياء بالدين، نبدو أغنياء فقط.

كنت أظن أن مستخدمي الكريديت كارد هم الأغنياء، ولكن بعد فترة أيقنت الحقيقة! مستخدمي الكريديت كارد هم من الفقراء، فقط استبدلوا جملة معاك 100 جنيه سلف لآخر الشهر التي كان يقولها، بأربع أو ستة أرقام هي الرقم السري الخاص ببطاقاتهم!

نحن عبيد العلامات التجارية، و تحررنا منها أصبح صعبًا وصعبًا جدًا.

نرشح لك: مينا فريد يكتب: بين السما والأرض (1)

(5)

المجتمع الاستهلاكي

خلى الناس كلها بتكاكي

خلاك تخرج من كنتاكي

تضرب ميلك شيك في ماك

خلاك عبد مطيع للموضة

و لو ما طاوعتش ليلتك سودا

هتكون فرجة وناس محدودة

هما اللى هيستنوا معاك.

قصيدة لمايكل حليم – 2013

(6)

“الإعلانات جعلت هؤلاء القوم يطاردون السيارات، والثياب التي لا يحتاجون إليها. هناك أجيال ظلت تعمل في وظائف تكرهها فقط لتستطيع شراء أشياء لا تحتاج إليها”. تشاك بولانيك.

الحقيقة أن الأعمال الدرامية و الإعلانات كان لها دورًا كبيرًا في التأثير على هذا الجيل ليصل إلى هذه الدرجة من الميول الإستهلاكية، و لكن هذا مقال آخر..

للتواصل مع الكاتب