ريم بنا.. عندما تحارب المرض والاحتلال بالغناء

شروق مجدي

“رحلت غزالتي البيضا، خلعت عنها ثوب السقام، ورحلت، لكنها تركت لنا ابتسامتها، تضيء وجهها الجميل، تبدد حلكة الفراق” هكذا نعت الشاعرة الفلسطينية زهيرة الصباغ ابنتها الفنانة ريم بنا التي غيَّبها الموت فجر اليوم بعد صراع طويل مع السرطان.

حاربت الفنانة الفلسطينية ريم بنا خلال العقد الأخير من عمرها السرطان عدة مرات، واستطاعت الانتصار عليه لأكثر من مرة، ربما لأن تلك لم تكن حربها الأولى التي تخوضها بتفرد وجسارة، فحربها ضد الاحتلال امتدت قبل ذلك بعقود، واستطاعت فيها أن تتميز عن باقي المحاربين.

نرشح لك: أين سنذهب لو اختفى “فيس بوك”؟.. إليكم البدائل

فكان صوتها هو السلاح الذي استطاعت أن توصل من خلاله رسالة الشعب الفلسطيني إلى العالم، وأن تحافظ به على التراث الفلسطيني ليتناقله أجيال بعدها محبين لما يسمعون ومرددين لكل ما فعله الكيان الصهيوني من جرائم.

مسيرتها في مقاومة الاحتلال بصوتها:

مع بداية اطلاقها ألبومها الغنائي الأول، حرصت “بنا” على أن يحمل الطابع الفلسطيني، فكانت معظم أغاني ألبوم “جفرا” هي أغاني التراث الفلسطيني، واستمرت على ذلك النهج، في فترة التسعينيات كلها.

أصدرت عددًا من الألبومات التي كانت تحمل بداخلها رسائل للشعب الفلسطيني عن الثورة والاحتلال، ولم تكتفي بتوصيل تلك الرسائل إلى الشعب الفلسطيني وحده، فألبومها الغنائي “لم تكن تلك حكايتي” كان موجهًا للشعب الفلسطيني واللبناني لما يعانوه من احتلال وحروب.

وكانت آخر ما أصدرته من ألبوم غنائية “نوّار نيسان” وهو عبارة عن أغاني أطفال مهداة للأطفال الفلسطينيين اللاجئين، و”صرخة من القدس” والذي شاركت فيه فنانين فلسطينيين آخرين، وآخر ألبوم لها كان “تجليات الوجد والثورة”

وكان أكثر ما يهم “بنا” طوال مسيرتها الغنائية هو مجابهة الاحتلال، حتى بعد مرضها كان غرضها الأول والأخير هو عدم فقدان سلاحها الوحيد للمقاومة، فعندما تم تكريمها من قبل وزارة الثقافة الفلسطينية منذ عامين، كان تعليقها الأول: “صوتي كان سلاحي الوحيد ضد الاحتلال، ضد إرهاب إسرائيل التي قتلت وشردت وذبحت وحاصرت ونفت، وما زالت تمارس أبشع جرائمها ضد الشعب الفلسطيني، ولكن إذا بت غير قادرة على العودة إلى الغناء، فهذا لا يعني أن سلاحي سقط.. سلاحي لم يسقط، لأني ما زلت قادرة على تقديم الكثير لخدمة شعبي وفلسطين الوحي الأول والأخير بالنسبة لي”

وعندما فقدت “ريم” صوتها بسبب شلل في الوتر الأيسر، حاولت واجتهدت لتستطيع الغناء مرة أخرى فقط ليمثل ذلك عودة لمجابهتها للاحتلال، وعبرت عن ذلك من خلال حسابها بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” قائلة: “هناك مشروع بدأت به .. إن نجحت بتنفيذه .. سيكون صفعة جديدة للاحتلال .. وسأمد لساني الطويل لهم .. “هم” ووجودهم تحت نعالي العتيقة المُهترئة .. فليعلموا .. أنهم لن يطالوني .. حتى لو بالقتل .. عمتم مساءً جميلاً مُقاوماً أحبتي”.

حربها الطويلة ضد المرض:

أما رحلتها ضد المرض فقد بدأتها عام 2009، عندما أصيبت بسرطان الثدي، استطاعت أن تتغلب على المرض اللعين وتنتصر، ولكنه عاد إليها مرة أخرى، ولكنها بشجاعتها المعهودة استمرت في مقاومة المرض طوال رحلتها معه، لم تيأس، ولم تخضع له أو تعلن في لحظة انهزامها بسببه.

ظلت هي من تهوِّن على أحبتها وجمهورها، فهي من تحاول طمأنتهم باستطاعتها الانتصار على المرض، وذلك حتى الأيام الأخيرة، فقبل أسابيع قليلة من وفاتها نشرت من خلال حسابها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ما تفعله من أجل طمأنة أبنائها قائلة: “بالأمس.. كنت أحاول تخفيف وطأة هذه المعاناة القاسية على أولادي .. فكان علي أن أخترع سيناريو .. فقلت .. لا تخافوا .. هذا الجسد كقميص رث.. لا يدوم.. حين خلعه.. سأهرب خلسة من بين الورد المجسي في الصندوق”.

بالأمس .. كنت أحاول تخفيف وطأة هذه المعاناة القاسية على أولادي ..فكان علي أن أخترع سيناريو ..فقلت …لا تخافوا …..

Geplaatst door Rim Banna op Maandag 5 maart 2018

أما ما أجبرها على التوقف عن الغناء في السنوات الأخيرة هو إصابتها بشلل في الوتر الأيسر للأحبال الصوتية، غير معروف سببه، أسكتها عن الكلام لفترة، ولكنها استطاعت الانتصار عليه، ولكن عودتها للغناء كان أمرًا صعبًا، ولكن ذلك أيضًا لم يعرضها لليأس.

فكان أول تعليق لها عند اعلانها عن تلك المشكلة في الأحبال الصوتية: “أنا الآن لا أستطيع الغناء .. ولا أعرف ماذا سأفعل في الفترة القادمة .. وكيف سأكمل رسالتي بعد فقدان سلاحي ومهنتي التي أملك .. وأيضاً مصدر رزقي الوحيد .. ما أعرفه جيداً .. هو أنني سأظل أقاوم وأجتهد لتحسين صوتي .. هذا طبعاً يحتاج وقتاً .. سأضطر أن أغير كل أسلوبي الغنائي ربما .. لأن صوتي أصلاً سيتغير .. ولا أعرف إن كنت سأنجح .. وكيف سيكون مسمعه .. لكنني سأستمر .. كفنانة .. كناشطة من أجل الحرية .”

صوتي الذي كنتم تعرفونه .. توقّف عن الغناء الآن أحبتي .. وربما سيكون هذا إلى الأبد .. لا أعلم .. لم يستطع الأطباء معرفة…

Geplaatst door Rim Banna op Zondag 17 januari 2016

ولم تتوقف رحلتها في مقاومة المرض عند هذا الحد، فلم تيأس للمرض حتى أنها نشرت ذات مرة من خلال حسابها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” عن أن أعضائها تقاوم المرض قائلة : “قمت بكشف طبي عند طبيب حنجرة فلسطيني .. جراح ومختص د. ربيع شحادة الذي أمضى معي أكثر من ساعة ليكوّن صورة شاملة عن وضعي .. وكانت دهشته كبيرة .. حين رأى أن الوتر اليميني السليم .. يجتهد كي يقوم بدور الوتريْن معاً .. يا إلهي .. حتى أعضاء جسدي كلها تُقاوم وتُجاهد.”

وحتى الأيام الأخيرة كان لديها الأمل في الانتصار على العدو سواء كان احتلالًا أو مرضًا، فكانت تسعى لإصدار ألبوم جديد تقوم بعده بجولة غنائية، وهذا ما أعلنته عائلتها من خلال بيان، وكانت بدأت في تسجيل بعض الأغاني “بوتر وحيد يقاوم” كما قالت “بنا” عن الألبوم الذي كان مقرر إصداره ربيع ذلك العام، ولكن كان للموت كلمة أخرى.