د.سمير محمود يكتب: في قلب عمان

أكثر من أربع سنوات قضيتها في سلطنة عمان، ربما كانت كافية لفهم ملامح بسيطة عن هذا البلد العريق، الذي يضرب بتاريخه وتراثه وحضارته وخصوصيته الثقافية في عمق التاريخ ولآلاف السنين.لا أود بسطوري هذه أن أقدم صورة جميلة عن عمان، النظام والنظافة والأمن والسلام، ولا عن الشعب الطيب الخلوق المتواضع في عزة نفس نادرة، فحتما ستعجز سطوري مهما حاولت.

ولا أريد من رسالتي هذه تجميل صورة راهنة عن هذا البلد الجميل، فالأصل والواقع أجمل بمراحل من كل الصور.

عمان التاريخ قصص وحكايات مروية وبعضها لم يرو بعد، خاصة علاقاتها الوطيدة مع القوى العظمي في العالم منذ القدم؛ وما إمبراطورية بريطانيا العظمى قديماً وحديثاً، إلا مثالًا واحداً فريداً لثقل العلاقات الخارجية العمانية.

عمان الجغرافيا بتنوعها الشديد وتميز جبالها وشواطئها الساحرة، من مسندم في الشمال المتاخم لدولة الإمارات العربية المتحدة، وحتى صلالة عروس الجنوب قرب الحدود اليمينة، تلك الملامح جعلت منها عن جدارة سويسرا الخليج، وليس من رأى كمن سمع أو تحدث بجهالة!

نرشح لك: نصائح د.سمير محمود للمحررين الجدد عبر إعلام دوت أورج

تظل عمان واحة للسلام ليس فقط في الخليج، وإنما في العالم أجمع، تقف على مسافة واحدة من الجميع، بما تحتفظ به من علاقات ودية مع كل الدول الشقيقة والصديقة، فبحسب الثوابت العمانية التي أرساها قائدها وباني نهضتها السلطان قابوس بن سعيد – حفظه الله – فإن عمان لا تتدخل في شؤون الغير، كما لا تسمح بالمثل لأي دولة بالتدخل في شؤونها، ولا تعادي دولة أو تقاطع كيان ما، بل أنها سباقة دائما لنزع فتيل أزمات المنطقة وبخاصة دول الجوار الخليجي، ناهيك عن دورها البارز مهندساً للعلاقات الإيرانية مع الدول العربية والأجنبية على السواء.

ولنتحدث قليلاً عزيزي القارىء عن العنف والجريمة والإرهاب حول العالم، لكن دعنا أولاً نُخرج عمان بعيداً تماماً عن هذه الأمور، التي لا وجود لها في قاموس الحياة اليومية لأبناء هذا الشعب العظيم في الوطن العظيم، بل أن هذه السوالب بعيدة تماماً عن عمان، بشهادة جميع تقارير المؤشرات الدولية، المعنية برصد حالات العنف والإرهاب والجريمة عالمياً، إذ سجلت عمان ولأعوام متتالية “صفر” على مؤشر الإرهاب، ولهذا أخرجناها بعيداً وكأننا نتحدث عن بلد من عالم آخر وكوكب آخر يشبه جنة الله على أرضه، بلد يتحقق فيه الأمن والسلام والتعايش بين مزيجه الشعبي السكاني الفريد، بلد يوفر الميارات التي تنفقها دول أخرى لمكافحة الإرهاب، إذ توجه عمان هذه النفقات لاستكمال مسيرة نهضة وبناء الوطن، ومن ثم فعمان أمان في الداخل وسلام وأمان في الخارج عبر التاريخ، ما يؤهل قائدها السلطان قابوس بن سعيد لما هو أرفع من جائزة نوبل للسلام عن جدارة واستحقاق، ويقيني أنها آتية لا محالة.

سلطنة عمان الدول العظيمة بتاريخها وتراثها وحضارتها وتقاليدها، الكبيرة بمواقفها التي لا تنسى، كانت الدولة الوحيدة التي تمسكت بعلاقاتها مع مصر في السبعينيات من القرن الفائت، وقت أن تخلى الجميع عن أم الدنيا، لتلقن الكل قبل عقود درساً سياسياً بالغاً وبليغاً، ترسي به معايير جديدة صنعتها بنفسها، كمؤشرات جديدة على قوة الدول وعظمة الأمم!

أما الإنسان العماني، ثروة البلد البشرية وأغلى ما تملك من أصول، فقل عنه وقل فيه ما شئت؛ إن أردت الحديث عن الطيبة والتواضع ودماثة الخلق والأصالة والدفء الإنساني، فستجده متأصلاً في الشعب العماني، وإن بحثت عن العزيمة والإصرار والعمل بجد وفي صمت قاتل والرغبة في التنمية والبناء والتقدم، فحتماً ستجد ذلك وأكثر في الجينات العمانية وبشكل حصري نادر، وإن أردت أن تتنقل بين بساتين المعرفة أو ترتقي في ساحات الفنون والآداب والثقافة الرفيعة، فستجد رموزا وأسماءً عمانية بارزة، هي علامة على تفوق وتفرد أبناء هذا البلد العريق.

نعم الصمت فضيلة عمانية، وقد آمنت سلطنة عمان بالعمل في صمت، وآثرت البعد إرادياً عن الأضواء الزائفة، إذ تفرغت منذ عقود لتوفير الطحين تاركة للآخرين الجعجعة والضجيج!