محمد شميس يكتب: كيف لعب الزهر مع الأغنية الشعبية في مصر؟

كم دليل يحتاج إليه النقاد والإعلاميين في مصر كي يقتنعوا ويصدقوا ويؤمنوا ويقروا بمدى قوة وجماهيرية وسيطرة الأغنية الشعبية على سوق الغناء المصري؟

فيوما بعد أخر تثبت هذه النوعية من الأغاني قدرتها على الانتشار الواسع، وتؤكد على قوتها في التأثير على آذان المستمعين بنسبة مشاهدات مرتفعة، نستطيع قياسها من خلال متابعة مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات بحث جوجل وأيضا موقع “يوتيوب” للفيديوهات وموقع “ساوند كلاود” للصوتيات.

من المؤكد أن من يتابع منا مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الفيديو والفضائيات، قد رأى إعلان شبكة فودافون الجديد “ﺷﺤﻨﺔ و ﺷﺒﺮﻗﺔ” الصادر يوم 24 يناير، وفي خلال ستة أيام فقط استطاع أن يصل إلى أكثر من 16 ميلون مشاهدة، هذا الإعلان المبني على دمج قطبي الغنوة الشعبية حيث يمثل أحمد شيبة في هذه الأغنية صوت فنانين الموسيقى الشعبية الذين يمتلكون أصواتًا جيدة مثل حكيم وطارق الشيخ وعبد الباسط حمودة .. ألخ، بينما يمثل “أوكا وأورتيجا” الفئة الثانية من فنانين الموسيقى الشعبية الذين يقدمون موسيقى المهرجانات التي قد نطلق عليها المماثل المصري لموسيقى الراب الغربية، والتي لا تعتمد على قوة الصوت بينما تتركز بشكل أساسي على قوة الموسيقى الصاخبة والإيقاع الراقص.

وليست فودافون فقط، بل أيضًا شركة أورانج التي استخدمت المهرجان الشعبي الشهير “لأ لأ” وقامت بتحويلة إلى إعلان دعائي لها بصوت الفنان أحمد أمين، واستطاع أيضا هذا الفيديو أن يتخطى حاجز الـ 4 مليون مشاهدة في أقل من 7 أيام، وكذلك إعلان شركة اتصالات “دماغ تانية” الذي كان من بطولة أحمد فهمي، سنجد أن أيضا هناك تواجد قوي للفنانة بوسي والفنان محمود الليثي، هذا الثنائي الذي أثبت قوة تأثيره على سوق الغناء من خلال الشهرة الواسعة التي تحققها أغنياتهما، سواء كانت هذه الأغاني منفردة، أم كانت بشكل “ديو”.

أيضا إعلان بيبسي الأخير بمناسبة مرور 70 سنة على إنشائها، من بطولة أحمد مالك ومحمد سلام وتارا عماد، سنجد أن المقطع الشعبي في نهاية الاعلان كان هو الأكثر انتشارًا وتأثيرًا من بين كل مقاطع الإعلان.

من المؤكد أن الشركات الكبرى والإقليمية عندما تقوم بالبحث عن فنان يقدم لها إعلانا تجاريًا فإن أول ما تبحث عنه هو تحقيق الانتشار وكسب أكبر نسبة مشاهدة من بين المتفرجين، ومن المتسحيل أن يكون كل هذا التواجد الضخم من فناني الموسيقى الشعبية في كل هذه الإعلانات، لدرجة أننا نجد اختفاءً تامًا وحقيقيًا لكل فناني موسيىقى البوب باستثناء الفنان عمرو دياب، فهو تقريبًا الفنان الوحيد في الوطن العربي الذي رأينا شركتين إقليميتين وهما “بيبسي وفودافون” تقومان بالترويج لألبومه الغنائي بدلا من أن يقوم عمرو بالترويج لمنتجات هذين الشركتين، ولكن باستثناء عمرو دياب فالموسيقى الشعبية هي المكتسحة والمسيطرة.

نتائج بحث محركات جوجل في نهاية عام 2017 أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن الأغاني الشعبية أكثر أغاني بحث عنها المصريين في عام 2017، فالمركز الأول كان من نصيب أغنية “الكيف” وهي من غناء طارق الشيخ وفريق كايروكي، وكانت الموسيقى المسيطرة على التوزيع أقرب للشكل الشعبي، وكان المركز الثاني كان لأغنية “ديسباسيتو” الظاهرة العالمية التي شهدت أكثر نسب مشاهدة في تاريخ اليوتيوب بواقع مشاهدات قارب من الوصول الى 5 مليار مشاهدة، فكان من الطبيعي أن تحوز على اهتمام المصريين، ثم تعود الأغنية الشعبية للصورة من جديد في تقرير جوجل الأكثر بحثا في 2017 فسنجد المركز الثالث “إلعب يلا” غناء أوكا وأورتيجا، و”مزمار عبد السلام” مركز رابع، و”بتناديني تاني ليه” مركز خامس، و”عم يا صياد غناء محمود الليثي مركز سادس، و”دلع تكاتك” غناء تيم دلع تكاتك مركز سابع، ثم نجد موسيقى البوب تظهر في المراكز المتأخرة لقائمة الأغاني الأكثر بحثا لعام 2017، فسنجد “3 دقات” غناء أبو مع يسرا في المركز الثامن، بينما احتل عمرو دياب المركزين التاسع والعاشر!

أيضا بنظرة سريعة على الأفلام المصرية في السنوات الأخيرة سنجد تواجدًا قويًا للأغنية الشعبية لدرجة تجعل الأغاني أشهر من أسماء الأفلام نفسها في الوقت الذي يبتعد فيه مغنين موسيقى البوب عن أغاني الافلام، حتى إذاعات الأغاني تخصص برامج كاملة لعرض الأغاني الشعبية، بل أن هناك إذاعة مخصصة لهذا الشكل من الغناء ولديها قاعدة كبيرة من المستمعين، ونستطيع أن نلمس هذا الانتشار بمجرد التنقل في وسائل المواصلات كالميكروباصات وسيارات التاكسي.

وبرغم كل هذا النجاح والانتشار المدوي لا نزال نرى أراء استعلائية من أغلب النقاد والإعلاميين الذين يظهرون على شاشات الفضائيات ليطرحوا على المشاهدين عبارات من نوعية  “أزمة الأغنية المصرية، انحدار الذوق العام، تدني المستوى الفني” وما إلى ذلك من الاطروحات التي لا تحترم اختيارات الجمهور، فبدلا من أن يبحث النقاد والإعلامين عن الأسباب الحقيقية لسيطرة الغنوة الشعبية على آذان المصريين ويقروا أن الغنوة العاطفية لم تعد قادرة على التعبير عن مشاعر المستمعين لابتعادها عن الواقع الذي نعيشه، وهو ما فتح “السكة للغنوة الشعبية” التي تلمس قضايا اجتماعية وتتحدث بلغة شبيهة بلغة الشارع بدون أي تجميل، فنجدهم لا يزالون متمسكون بنفس النظريات الخاطئة التي تثبت يوما بعد أخر فشلها في تفسير هذه الظاهرة.