السينما السورية في مهرجان القاهرة.. بين البروباغندا والقيمة الفنية

فيصل شيباني

شكلت العودة القوية للسينما السورية في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ39 حديثا كبيرا على هامش المهرجان، ومن بين الأفلام التي شاهدناها فيلم “مطر حمص” للمخرج جود سعيد و”طريق النحل” للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد وكلا الفيلمين كانا في المسابقة الموازية للمهرجان، ولكن كان هناك فيلم آخر ليس سوري الإنتاج والإخراج ولكن موضوع الاشتغال كان حول ما يجري في سوريا في معالجة مغايرة لما يقدمه المخرجون السوريون، الفيلم بعنوان “في سوريا” من إنتاج بلجيكي فرنسي لبناني وجرى تصويره في لبنان وأخرجه البلجيكي فيليب فان لوف.

نرشح لك: “صفحة بيضا”.. قصة قصيرة لـ محمد حسن الصيفي

“مطر حمص”.. بروباغندا

فيلم “مطر حمص” والذي أثار جدلا كبيرا في مهرجان قرطاج السينمائي الدولي بعد الموقف الذي حصل مع المخرجة المصرية كاملة أبو ذكري ورفضها للفيلم رغم أنها عضو لجنة تحكيم المهرجان، شارك في مهرجان القاهرة السينمائي بحضور المخرج جود سعيد ويتحدث الفيلم عن معاناة عائلات سورية في مدينة حمص وقت اشتعال الثورة، ويصور الفيلم الثوار على أنهم الإرهابيون وسبب الخراب والتقتيل الذي يجري في سوريا وهي السينما التي يقدمها جود سعيد وباسل الخطيب ونجدت أنزور وعبد اللطيف عبد الحميد وغيرهم من المخرجين الآخرين الذين يقدمون أعمالهم تحت عباءة المؤسسة العامة للسينما.

“مطر حمص” لا يستحق كل تلك الضجة التي أثيرت حوله لأنه لا يقدم طرحا جديدا في السينما السورية بل حافظ على نفس النهج الذي اعتاد عليه المخرج من خلال تقديم وجهة نظر واحدة وفي اتجاه واحد فلم يخلو الفيلم من صوت الرصاص والدمار والبكاء على الأطلال، يختصر الفيلم في قصة شاب يعيش مع ابن أخيه في منطقة مدمرة في سوريا مع أب كنيسة فتشاء الصدف أن تصادف حياتهم امرأة مع طفلة صغيرة فيعيشون تحت سقف واحد فتنشأ علاقة حب بين الشباب والفتاة.

جاء الفيلم سطحيا على كل الجوانب، فاعتماد المخرج على الكوميديا كنوع للخروج من المأساة التي يعيشها الشعب السوري لم يكن موفقا، حيث ينتاب المشاهد في الكثير من فترات الفيلم الملل، حيث لم يكن أداء الممثلين قويا ناهيك عن الجمل الحوارية الطويلة وعدم اللعب على حركة الكاميرا التي شكلت نقطة الضعف الرئيسية في الفيلم، فالمخرج اعتمد زوايا التصوير الثابتة والمشكلة الإبقاء على نفس الزاوية فاقت في بعض الأحيان دقيقتين دون التنويع في زوايا التصوير لإعطاء صورة أجمل.

يلاحظ المشاهد للفيلم أن المخرج من خلال هذه القصة حاول تتفيه الإرهابيين مثلما وصفهم في الفيلم ولكن في الوقت نفسه تفه الشعب السوري، حيث أظهر بطل الفيلم بشكل ساخر وصاحب الروح المرحة رغم الحرب والحصار الذي كان يعانيه من طرف الإرهابيين وعم القدرة على الخروج من ذلك السجن.

“في سوريا”.. نظرة أخرى للحرب في سوريا

فيلم آخر ليس سوري الإنتاج والإخراج ولكن موضوع الاشتغال كان حول ما يجري في سوريا في معالجة مغايرة لما يقدمه المخرجون السوريون، الفيلم بعنوان “في سوريا” من إنتاج بلجيكي فرنسي لبناني وجرى تصويره في لبنان وأخرجه البلجيكي فيليب فان لوف، الفيلم شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي وفازت فيه الممثلة اللبنانية دياموند بوعبود بجائزة أحسن ممثلة نظير دورها في الفيلم.

“في سوريا” يحكي قصة عائلة رفضت التخلي عن منزلها، رغم الأعمال العسكرية التي استهدفت مكان سكنها، وعالج الفيلم قصة العائلة من وجهة نظر إنسانية بحتة بعيدا عن كل التأويلات السياسية ووقف المخرج عند خط الحياد بعيدا عن جوانب الصراع واتخذ من الإنسان السوري عنوانا لعمله، رغم بعض التلميحات التي حملها العمل.

من الصعب شد الجمهور أكثر من ساعة ونصف داخل شقة مغلقة ما عدا مشهد أو مشهدين في الخارج، وهنا يكمن الذكاء عند المخرج الذي صور معاناة عائلة تعيش داخل منزل بعيدا عن التواصل مع العالم الخارجي، وتقاسم تلك العائلة العيش داخل الشقة امرأة وصغيرتها تنتظر عودة زوجها لكي تسافر معه للخارج لتسمع لاحقا أنه أصيب برصاصة قناص.

ركز المخرج على الجوانب الإنسانية لتلك العائلة والتي تقودها الأم القوية التي تفقد الاتصال بزوجها فتفرض قوانينها في البيت حفاظا على سلامة عائلتها من الخطر الموجود في الخارج، الخطر من كل الأطراف، ورغم قوتها ضعفت وتركت الفتاة تواجه مصيرها مع صغيرها بعد اقتحام البيت من طرف مسلحين فترضى بالاغتصاب حماية لابنها.

نجح المخرج من نقل صور المعاناة لتلك العائلة التي ما هي إلا صورة مصغرة عن حياة الشعب السوري الذي يعيش في حرب، ومن خلال المشاهد وحالة الاضطراب ونفسية الممثلين يوضح الاشتغال الكبير للمخرج على كل التفاصيل خصوصا مع استعماله تقنية الكاميرا المحمولة واختيار زوايا التصوير والتنويع فيها حتى لا يقع المشاهد في رتابة ويعطي ريتما آخرا للعمل.