بعد فودافون.. هل بدأت هجرة المعلنين من الفضائيات؟

إيمان مندور

أزمة كبيرة أثيرت منذ مساء أمس، الجمعة، عقب قرار شركة فودافون مصر لخدمات المحمول، بإيقاف كل حملاتها الإعلانية في كل وسائل الإعلام والقنوات، وذلك لحين استيضاح الأمور مع الجهات المعنية، اعتراضًا على قرار المجلس الأعلى للإعلام بإيقاف عرض إعلان “أبلة فاهيتا” الذي تم طرحه قبل أيام، بداعي أنه يتضمن مشاهد وألفاظا تنافي الذوق العام، بحسب القرار.

قرار “الأعلى للإعلام” ليس بجديد تجاه العديد من المواد الفنية والإعلانية التي عرضت من قبل، لكن رد فعل “فودافون” هو ما يفتح المجال لطرح تساؤلات عدة حول بدء هجرة المعلنين من وسائل الإعلام، ومدى تأثير قرارات المجلس على مصلحة القنوات الفضائية والجهات المعلنة.

سلطات “الأعلى للإعلام” الرقابية

في البداية وقبل الحديث عن مدى تأثير قرار “الأعلى للإعلام” على سوق الإعلانات في مصر، لا بد أن نشير أولًا إلى أن اختصاصات المجلس والتي حددها قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام رقم 92 لسنة 2016، لم يكن من بينها إبداء الرأي حول محتوى أي عمل فني أو الرقابة على الأعمال الإبداعية. واقتصر القانون على أن يكون للمجلس اختصاصات إدارية تنظيمية مُتعلقة بمنح التصاريح للإعلاميين وتلقي إخطارات تأسيس الصحف، وأخرى فنية تتعلق بالمحتوى مثل تلقي وفحص الشكاوى عما يُنشر في الصحف أو يبث بوسائل الإعلام، ويكون منطويًا على المساس بحياة الأفراد أو سمعتهم.

أما الجهات الرقابية فهي التي من شأنها المنع وإبداء الرأي في الأعمال الإبداعية، أبرزها الأزهر الشريف الذي له رأي ملزم لوزارة الثقافة في تقدير الشأن الإسلامي للترخيص أو رفض الترخيص للمصنفات السمعية أو السمعية البصرية، وذلك بموجب فتوى قانونية من الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة.

وكذلك الإدارة العامة للرقابة على المصنفات الفنية التابعة لوزارة الثقافة، والتي حدد القانون رقم 430 لسنة 1955 ولائحته التنفيذية اختصاصاتها بالرقابة على المصنفات السمعية البصرية، بالإضافة إلى القواعد الأساسية للرقابة على المصنفات، والتي يمكنها منع ظهور أي عمل فني.

نرشح لك: “فانوس” خالد صالح لا يزال متفوقًا على أفلام “فهمي وياسمين”

التأثير على المحتوى

الخوف من قرارات المنع و”مقص الرقابة” ضد الأعمال الإبداعية على اختلاف أشكالها، والمواد الإعلانية منها على وجه الخصوص، أثر بلا شك على محتوى المادة المقدمة ومدى جاذبيتها، خاصةً في ظل المنافسة المحتدمة بين الإعلانات التليفزيونية والإعلانات الديجيتال، لاسيما وأن الأخيرة أصبح لها مزايا تفوق الأولى أبرزها تقديم محتوى جذاب لا يخشى الإجراءات الرقابية، بالإضافة لتوفير نفقات تكلفة العرض التليفزيوني مع ضمان وجود عدد أكبر من الجمهور المتفاعل مع المنتج المعلن عنه.

نرشح لك: تحذير: الإعلانات التقليدية تحتضر.. والسبب “الديجيتال”

اللافت في مثل هذه الأزمات هو أن أغلب قرارات المنع من العرض التليفزيوني لم يصاحبها قرار من الجهة المعلنة بحذف المادة الإعلانية من على الإنترنت أيضًا، بل ربما تسبب قرار المنع في جذب المزيد من الجمهور لمتابعة المادة التي يدور الخلاف حولها، مثلما حدث مع إعلان “فاهيتا” الأخير، حيث حصد أكثر من مليون مشاهدة عبر حسابات “فودافون” الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، في غضون ساعات قليلة من اتخاذ إجراءات رقابية ضده من “الأعلى للإعلام”، مما يثبت أن المنع لم يعد وسيلة مجدية النفع للتعامل مع الأعمال الإبداعية المُختلَف حولها، بل ربما أصبح وسيلة سهلة للوصول إلى أكبر عدد من الجمهور.

التأثير على القنوات

وبعيدًا عن مدى صحة أو خطأ قرار المجلس الأعلى للإعلام ضد إعلان “فاهيتا”، إلا أن اتجاه “فوادفون” لوقف عرض إعلاناتها على كافة وسائل الإعلام والقنوات قد يصبح مؤشرًا خطيرًا إذا ما نجحت في هذه التجربة ووصلت للجمهور بشكل أكبر بعيدًا عن القنوات من خلال الاعتماد على الإنترنت، لأنه بالتأكيد سيتبعه موجة من التقليد من الجهات المعلنة الأخرى في هذا الشأن، نظرًا لما يوفره من تكاليف العرض التليفزيوني بالإضافة لتحقيق الأهداف المرجوة من الإعلان، والتي قد تتم بشكل أكبر مما يحدث من خلال القنوات، لا سيما وأن المشاهد لم يعد يتعامل مع الإعلانات مثلما كان يحدث في الماضي، بل أصبحت الجهات المعلنة تحرص بشدة على التغلب على عنصر الملل الذي يصيب المشاهد بسبب كثرة الإعلانات التليفزيونية التي تُعرض، والمنافسة الشرسة القائمة لكل ما يجذب المستهلك للمنتج المعلن عنه دون غيره من المنتجات المشابهة.

نرشح لك- بالصور: 4 أخطاء في حملة “دماغ تانية” من اتصالات

تجارب مشابهة

فكرة وقف الإعلانات التليفزيونية والاعتماد على الإنترنت فقط، أقدمت عليها شركة المياه الغازية “كوكاكولا” من قبل في مطلع رمضان 2015، عندما أعلنت أنها لن تعرض إعلانات دعائية لها خلال الشهر الفضيل على القنوات الفضائية، من أجل توفير أموال لتطوير أكثر من 100 قرية فقيرة.

وبالفعل نالت الفكرة إعجاب الكثيرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأعلنوا عن تأييدهم وترحيبهم بالفكرة دعماً للعمل الخيرى في مصر، ولاقت حملة “ثانية تفرق” نجاحًا كبيرًا بين المشاهدين.

وعليه، فإنه بالتأكيد لو تكررت مثل هذه التجارب حاليًا، واتجه المعلنون للابتعاد عن القنوات الفضائية بالاعتماد على وسائل ترويجية أخرى أكثر جاذبية وحرية في المحتوى، ستتأثر صناعة الإعلام بشكل عام في مصر، واقتصاد القنوات سيتغير تمامًا نظرًا لتغير عنصر شديد الأهمية في الاقتصاد الإعلامي والفني في مصر وهو “صناعة الإعلانات”.

 

“نحن سلطة تنظيم ولسنا سلطة منع، ولا نحد من حرية التعبير”.. هكذا قال الكاتب الصحفي الكبير مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، خلال مداخلة هاتفية سابقة له على قناة “المحور” في نوفمبر الماضي، لكن يبدو أن ما يراه المعلنون يناقض قول “مكرم” تمامًا، فازدياد الفجوة بين الإدراك الحقيقي لمدى تأثير قرارات المجلس على مستقبل القنوات الفضائية وصناعة الإعلانات، أصبح يهدد الاقتصاد الإعلامي في مصر، خاصةّ في ظل التدخل المباشر في المواد المعروضة دون التمهيد بنقاش حقيقي حال وجود أي اختلاف بين آراء المجلس والجهات المنتجة على اختلاف أنواعها.

نرشح لك- 7 ملاحظات على حملة “إنترنت يستحمل” لـ أورانج