في ذكرى ميلاده.. محمود المليجي الذي اكتشفه "شاهين"

نوران عاطف

يقول “المليجي”:

“أنا عارف إن هيقولوا على كلامي غرور لكن بشرفي لا.. أنا نقطة ضعفي هي التواضع زيادة عن اللزوم، أحب أشيل الناس على كتافي من غير ما أتعب ولا أقول أي.. بعض الناس بتشوف دة ضعف لكن أنا بشوف دة قوة”.

نرشح لك – 10 حقائق تجعل محمود المليجي أفضل ممثل مصري

برقة مختلطة برصانة، يعبر صاحب أشهر وجه للشر في السينما المصرية عن نقطة ضعفه، ويؤكد أن ذلك التباين بين حقيقته وعمله هو نجاح بالنسبة له في أداء وظيفته كممثل، وبكل موضوعية، يستأنف حديثه عن أن الشر ليس القاعدة بالنسبة إليه في المطلق، بل أن الاختيار بجودة الدور ومدى عمقه وأبعاده، هي ما تجعله يختار الطيب أو الشرير.

لم يتغطرس “المليجي” على نمطية السينما المصرية في تكرار نفس الأفكار مرات عديدة، بل اعترف أنه أحياناً كان يخبرهم “إنها بوّخت أوي”، عند إصرارهم فترة طويلة على تقديم “تجار الحشيش”، ثم فترة أخرى في “العصابات والكباريهات”، كما أشار إلى سطحية الشخصيات الشريرة في عدد من الروايات السينمائية، وأكد أن الرقابة لها يد في ذلك، لرفضها أي خروج عن المألوف والمقبول لها، فلا تسمح بتقديم الشخصيات المُركبة، مثل مسؤول أو موظف فاسد، أو ظابط مخالف لضميره.

على جانب آخر، عبر عن أن المخرجين الكبار قدموا أقصى ما في استطاعتهم، أو ما أهداهم إليه فكرهم، وجاء بعدهم جيل جديد يحمل أفكارا أكثر ثراءا لكنه مازال يحتاج الخبرة لصياغتها وتقديمها بشكل جيد، وربما ذلك الاتجاه في تشجيع تطور السينما، هو ما دفع “المليجي” للتعاون مع المخرج يوسف شاهين، في وقت لم يكن صنع ذلك الرنين لاسمه بعد، بل كانت أفكاره لا تزال مستغربة وغير مرحب بها جماهيرياً بشكل كبير.

نرشح لك – يوسف وهبي.. الفنان الذي وجد “حب عمره” يوم إشهار إفلاسه

قدم “شاهين” محمود المليجي في قالب مختلف عما اعتاد الظهور به، فلم يرتبط بأي شكل بشخصية الشرير، بل لم يظهر بها معه على الإطلاق، ومع ذلك قدم أدوار خالدة، مثل “محمد أبو سويلم” في فيلم “الأرض”، والمحامي في فيلم “جميلة بوحيرد” وبعده بسنوات عديدة محامي بأبعاد مختلفة تماماُ في “إسكندرية ليه”، بالإضافة لأفلام “عودة الابن الضال”، “العصفور”، و”حدوتة مصرية”.

يتحدث “شاهين” عن “المليجي” في حوار له مع الكاتب بلال فضل كأعظم ممثلي جيله، ويؤكد أنه كان لا يحتاج سوى التواصل معه بالعينين حتى يفهم المطلوب منه “ماكنتش مضطر أقوله إديني من جوة والكلام دة، كنا نبص لبعض يفهم على طول اللي أنا عايزه”، وعن اتجاهه في الآداء أوضح “المليجي” في لقاء تليفزيوني له أنه غير دارس للتمثيل أكاديمياً لذلك لن يستخدم مصطلح معين لوصف أسلوبه في التعامل مع الشخصيات “الانفعال لابد يجي من غير تحضير، مش لازم أقعد مندمج وأفكر هعمل إيه عشان همثل دور دراما، أو أزغزغ نفسي عشان همثل دور كوميدي، بدل قولنا “أكشن” يبقى خلاص لبسنا الشخصية”.

وعند تصوير “المليجي” مشهده الشهير في فيلم “الأرض” يتابع “شاهين” في حواره مع بلال فضل: “المشهد كان طويل وخطير وسرق عينين كل الناس في الإستوديو، وبعد ما خلص أول مرة، كل اللي موجودين صقفوا بحرارة، أنا كنت مبوّز، فيه جزئية من الحوار وهو بيمثل نسى جمل منها، لكن بمهارته وحرفنته، ما أظهرش أنه نسي، برغم إنه كان بيحاول يفتكر في سره بقية الحوار، أنا حسيت بدة لأني ممثل، ودي ثغرة مهما حاول يغطيها هتبان”.

يستكمل “شاهين” حكايته: “بعد ما خلص قولتله حلو بس معلش هنعيد كمان مرة”، فأجابه “المليجي” بتأنيب: “وماله؟ أصلها ما بانتش والناس ما أخدتش بالها”، فرد عليه “شاهين”: “أصل هما حمرة”، ويواصل: “قالي بس دول صقفوا! قولتله حمرة كمان مرة عشان صقفوا”، وبالفعل تم إعادة المشهد 17 مرة حتى يظهر بالشكل النهائي الذي تم تخليده حتى الآن.

نرشح لك – الطيبون على الشاشة (5) .. حسين رياض “حضرة المحترم”

تحتفل السينما المصرية اليوم بذكرى ميلاد محمود المليجي أحد عظمائها وأعمدتها، في يوم 22 ديسمبر 1910، بحي المغربلين بالقاهرة، حيث وجد في كل شخصية بذلك الحي مُعلم له، وشئ يحمله في نفسه، لشعوره بامتلاك الموهبة منذ طفولته، حتى وجد المُتنفس بمدرسة الخديوية، والتحق بفريق التمثيل بها، حتى تنبأ له ناظرها “لبيب بك الكرداني” بمستقبل مختلف دفعه لانه ينصحه: “ادرس بس مش على إنك هتكون موظف”.

وبالفعل صدقت النبوءة وأصبح “المليجي” أحد أيقونات فن التمثيل، بمسيرة عظيمة وطويلة امتدت حتى وفاته في 6 يونيو 1983، وعمره 73 عام.